البرلمان العراقي يعتزم إقرار قانون الأحوال الشخصية رغم الاعتراضات

بغداد – من المنتظر أن يقر البرلمان العراقي، في جلسته الاعتيادية اليوم الثلاثاء، تعديلات قانون الأحوال الشخصية المثيرة للجدل، في قراءة ثانية، إذ أدرجت ضمن جدول أعمال الجلسة بعد إصرار القوى السياسية والدينية الداعمة للقانون، فيما دعت نائبات إلى مقاطعة الجلسة واصفة البرلمان بأنه مكان "لإبادة المجتمع".
ويثير تعديل قانون "الأحوال الشخصية" الذي يعتزم البرلمان التصويت عليه المخاوف في المجتمع العراقي من أن يؤدي تعديل القانون إلى تقييد حقوق النساء والأطفال، خاصة في ما يتعلق بزواج القاصرات وحضانة الأطفال، مما يعيد المجتمع إلى ممارسات قديمة تعتبر غير عادلة.
يلقى المشروع دعما قويًا من المكون الشيعي في البرلمان العراقي، بدعوى أنه يستند إلى المادة 41 من الدستور التي تمنح العراقيين حرية الالتزام فيما يتعلق بأحوالهم الشخصية، وفق الديانة أو المذهب أو المعتقد.
وأكد عضو ائتلاف دولة القانون سعد المطلبي، الثلاثاء، أن الهجمة الإعلامية التي شنت على تعديل قانون الأحوال الشخصية تم كشف زيفها وادعاءاتها الكاذبة، فيما رجح تمرير التعديل الجديد سيتم بسلاسة.
وقال المطلبي في تصريح لموقع "المعلومة" إن "إدراج القراءة الثانية لتعديل الأحوال الشخصية يشير إلى وجود قناعات لدى الآخرين بعد أن تم توضيح حقيقة التعديل الذي لا يمس مذهب وأديان أخرى".
وأضاف أن "الهجمة الإعلامية التي أثارتها بعض الشخصيات أرادت أن تثير شرائح محددة وخلق حالة من إثارة النعرات الطائفية المقيتة، إلا أنه تم كشف زيفها وادعاءاتها الكاذبة.
وفي الأسبوعين الأخيرين، عقدت الكتل السياسية الداعمة للقانون اجتماعات عدّة، اتفقت خلالها على المضي بإقراره، متجاوزة الرفض الشعبي والمخاوف من تأثيراته الخطيرة.
وعبرت كتلة تحالف قوى الدولة البرلمانية، ضمن الإطار التنسيقي، عن دعمها للقانون، مؤكدة، في بيان، أن "التعديل يأتي استجابة لمتطلبات واحتياجات المجتمع المتنوعة، وأنه يضع أمام المواطنين خيارات منطقية تتناسب مع مختلف الظروف والحالات، مما يعزز مبدأ الحرية الشخصية ويحترم تنوع المجتمع".
وأضافت "نؤكد حق كل مواطن في اختيار الأنسب له في التعامل مع أحواله الشخصية، بما يتوافق مع قناعاته وظروفه الخاصة"، داعية جميع الأطراف وأعضاء مجلس النواب والقوى السياسية إلى "التعاون من أجل إقرار هذا التعديل بما يخدم مصلحة المواطنين ويحافظ على تماسك النسيج الاجتماعي".
وأكد النائب عن "دولة القانون" ضمن "الإطار التنسيقي"، جاسم الموسوي، التمسك بالمضي نحو إقرار القانون.
وقال في تصريح لموقع "المعلومة" الاثنين "القانون جاء من أجل تنظيم أحوال الشارع والمجتمع العراقيين"، مبيناً أن "التعديلات على القانون ستكون متماشية مع طبيعة هذا المجتمع".
واضاف أن "قانون الأحوال الشخصية لم يكتمل بصيغته النهائية لحد الآن فكيف للمعارضين افتراض أمور غير موجودة من الأساس" مشيرا إلى ان "المعترضين على القانون يحاولون تضليل الراي العام".
وأكد أن "لا يصادر حريات المرأة والعوائل العراقية بل أعطى مجال كبير لكل النساء باختيار المذهب في القانون".
إلا أن تلك الجهات تكتمت على تفاصيل مدونة التعديلات على القانون، حتى أنها لم تعرض على النواب، إذ من المفترض أن يطلعوا عليها قبل أن تتم قراءتها أثناء الجلسة، وهو ما يؤكد أن التعديلات لا تتماشى مع الإرادة الشعبية.
وعبرت نائبات عراقيات عن سخطهن من الإصرار على المضي بإقرار القانون، من دون معرفة التعديلات.
وقالت النائبة عن كتلة التغيير الكردية المعارضة، سروة عبدالواحد، عبر منصة "إكس"، "ماذا يعني الإصرار على القراءة الثانية لتعديل قانون الأحوال الشخصية وسط الاعتراضات الكثيرة؟! ولماذا تحاول بعض أحزاب السلطة تقزيم دور مجلس الشعب ليكون مجلساً لتمرير إرادات حزبية معينة بغض النظر عن النتائج؟!".
وشددت عبدالواحد على أن "البرلمان سيكون بعد تشريع هذا التعديل مكاناً لإبادة المجتمع، وسيكره المجتمع هذا البرلمان أكثر فأكثر .. لم نطلب الكثير سوى معرفة المدونات قبل القراءة الثانية، ولسنا ضد التعديل كمفهوم بقدر ما نرى ضرورة أن تنسجم البنود الأساسية للمدونات مع واقع الأسر العراقية".
وبدورها، قالت فاطمة العيساوي النائبة المستقلة عبر منصة "إكس"، "إصرار الكتل السياسية على قراءة تعديل قانون الأحوال الشخصية وللمرة الثانية بلا توضيح ومن دون المدونات، ما هو إلا تحدٍ صريح للشارع والأصوات التي تعالت تحت قبة البرلمان العراقي لرفض القانون"، مشددة "نجدد رفضنا هذا القانون الذي سيؤدي لخلق فجوة مذهبية بين أبناء البلد الواحد واستنكارنا هذه".
أما نور نافع الجليحاوي النائبة عن تحالف "وطن" فقد دعت لمقاطعة الجلسة. وقالت، عبر حسابها على منصة "إكس" "لن نكون جزءا من جلسة لمجلس النواب سيشرع فيها قانون يسلب حقوق الأمهات ويزيد تقسيم المجتمع طائفياً ويشرعن زواج القاصرات ويمنع المرأة من الميراث ويسلب رابطة المودة بين طرفي الأسرة (الرجل والمرأة) ويحول العلاقة بين الزوجين لعلاقة مبنية على المصالح".
وأكدت "هذه دعوة أيضا لكل الأخوات والإخوة أعضاء مجلس النواب الذين يؤمنون بأهمية الأسرة وضرورة الحفاظ عليها أن لا يحضروا الجلسة وعدم تمرير القراءة الثانية". كما دعت، كل الفعاليات المجتمعية لـ"بيان موقفها الواضح والصريح الرافض لتعديل القانون".
ومن أبرز المعارضين للتعديلات تحالف 188 الذي يضم مجموعة من الحركات النسوية ومنظمات المجتمع المدني، وقوى سياسية ومدنية، وأعلنوا في بيان سابق رفضهم للتعديلات لما تمثل من "انتهاك سافر للدستور والحقوق والحريات الواردة فيه، ويمثل تراجعا عن الحقوق القانونية التي اكتسبتها المرأة".
كما يعتبر التحالف أن التعديلات سوف "تقود إلى انقسام مجتمعي طائفي ومذهبي".
وسبق أن عبّرت السفيرة الأميركية في بغداد ألينا رومانوسكي، عن قلقها بشأن القانون، وقالت في تدوينة لها على "إكس"، "إننا نشعر بالقلق إزاء التعديلات المقترحة على قانون الأحوال الشخصية العراقي والتي من شأنها أن تقوض حقوق المرأة والطفل، ونحن نحث العراقيين على الانخراط في حوار مدني يحترم بشكل كامل حرية الدين أو المعتقد وحقوق المرأة والطفل".
ولم تهدأ ساحة الرفض الحقوقي والإنساني في العراق منذ أيام، إثر نية البرلمان العراقي إقرار مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية في العراق المعمول به منذ عام 1959، وهو قانون مدني، والذي احتوى على فقرات وبنود اعتبرت تفسيرات دينية لا تناسب البلاد المتنوعة ثقافيا ودينيا ومذهبيا، كما ضمّ فقرات اعتبرت أنها حد أو حرمان لحقوق الأم والزوجة، وتحيز للرجال.
وتتضمن التعديلات الجديدة للقانون إدخال الوقفين السني والشيعي في قضايا الخلع والتفريق، ما يعتبره رافضو القانون ترسيخاً للطائفية في إدارة الدولة والقضاء، وابتعاداً عن الدستور الذي ينص على مدنية الدولة العراقية.
كما تتجاهل التعديلات حالات رفض الزوجين عقد الزواج وفقاً للمدارس الفقهية السنية أو الشيعية، وهي ظاهرة متزايدة في المجتمع العراقي الذي يشهد زيجات مختلطة بين ديانات ومذاهب، بينما يمنح القانون المعمول به منذ عام 1959 القضاء المدني حق عقد القران والتفريق وفقاً للقانون وليس بحسب الطوائف أو الأديان.
وكانت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، قالت في وقت سابق من الشهر الحالي، إنه "إذا أُقرّ التعديل، ستكون له آثار كارثية على حقوق النساء والفتيات المكفولة بموجب القانون الدولي، إذ سيسمح بزواج الفتيات اللاتي لا تتجاوز أعمارهن تسع سنوات، وتقويض مبدأ المساواة بموجب القانون العراقي، وإزالة أوجه حماية للمرأة في الطلاق والميراث".
وكشف استبيان أجراه "فريق استطلاعات الرأي العراقي أن أكثر من 60 ألف شخص من كلا الجنسين شاركوا في الاستبيان حول تعديل قانون الأحوال الشخصية، "رفضوا بقوة" مشروع التعديل.
وأصدرت مجموعة كبيرة من الأكاديميات والفنانات والأديبات العراقيات، بياناً رفضن فيه تعديل قانون الأحوال الشخصية 188 لسنة 1959، لأنه "سيؤدي حتماً إلى طمس الهوية الوطنية، وتغليب الهويات الفرعية والطائفية، وتقويض المكاسب التي تحققت لحماية حقوق النساء، وتعيد العراق إلى مرحلة ما قبل الدولة".