البرلمان الجزائري يخذل الحريات النقابية

الجزائر - خسر المدافعون عن المكاسب الديمقراطية والحريات الموروثة عن انتفاضة نهاية ثمانينات القرن الماضي في الجزائر جولة جديدة في معركتهم مع السلطة، بعدما رجحت الغرفة الأولى للبرلمان المهيمن عليه من طرف القوى السياسية الموالية للسلطة، الكفة لصالح الأخيرة.
ودون أي تعديل، صادقت الغرفة الأولى للبرلمان الجزائري على الصيغة النهائية لقانون الحريات النقابية والحق في الإضراب، متجاهلة مطالب الأصوات المحذرة من توسع نفوذ الجهاز الحكومي على المشهد النقابي، الأمر الذي وُصف بالانتكاسة ونهاية حقبة حريات العمل النقابي في البلاد، رغم التطمينات التي قدمها وزير العمل للحفاظ على ما سماه بـ”الحريات الدستورية”.
وحاز مشروع القانون الجديد للعمل النقابي والحق في الإضراب على موافقة شبه كلية من أعضاء المجلس الشعبي الوطني، بعد أسابيع من الجدل ومن تهديد فواعل نقابية مستقلة بالدخول في تحرك احتجاجي ووقفات أمام مؤسسات رسمية للدولة، لتطوى صفحة جديدة من دفتر السجال بين السلطة وبين المدافعين عن مكاسب الديمقراطية والحريات.
ولا يستبعد أن يكون القانون الجديد وراء استقالة الرجل الأول في أكبر النقابات التاريخية بالبلاد حميد لعباطشة الأسبوع الماضي من على رأس الاتحاد العام للعمال الجزائريين، بسبب ضغوطات قد يكون تعرض لها بعدما عبّر عن رفضه للمشروع.
وذكر بيان للغرفة البرلمانية أن اللجنة المختصة لم تدرج إلا أربعة تعديلات على القانون، من ضمن 56 تعديلا اقترحها النواب، وهو ما يوحي بأن المشروع المثير للجدل قد تم تمريره بصيغته الأولى تقريبا.
وعلق وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي يوسف شرفة على المكسب الذي حققته الحكومة بالقول إنه “سيعطي دفعا للمشروع المجتمعي لبلدنا، كما سيؤطر العمل النقابي ويعزز دور المنظمات النقابية في الدفاع عن الحقوق وتحقيق العدالة الاجتماعية، وأنه سيوفر الحماية القانونية لممثلي العمال مع السماح ببروز منظمات نقابية قوية في الساحة الوطنية من خلال انضمامها إلى الفيدراليات والكونفيدراليات”.
ولفت إلى أن القانون سيكفل للمنظمات النقابية مكانتها كإحدى أهم مؤسسات المجتمع، ويدعم حرية العمل النقابي ويفعل دورها في الدفاع عن الحقوق الأساسية للعمال وبناء وتطوير المجتمع.
وكان شرفة قد أكد في جلسة الرد على مداخلات النواب على أن مشروع القانون المتعلق بممارسة الحق النقابي يتضمن أحكاما ترمي إلى تعزيز الأدوار الأساسية للمنظمات النقابية في الدفاع عن مصالح أعضائها وحمايتهم.
وأوضح أن المشروع “يتضمن أحكاما نوعية عديدة ترمي إلى تعزيز الأدوار الأساسية للمنظمات النقابية في الدفاع عن مصالح أعضائها المادية والمعنوية وحمايتهم”، بالإضافة إلى “تأطير إجراءات تأسيس وتسيير هذه المنظمات لترقية الحوار الاجتماعي”.
وشدد على “وجوب احترام مبادئ الديمقراطية، وأن تحديد العهدات باثنتين فقط، ومدة العهدة القصوى بخمس سنوات، يهدف إلى تكريس مبدأ التداول لضمان قيادة ديمقراطية فعالة وتمثيلية منصفة”.
وفي ما يتعلق بنسبة التمثيلية النقابية المحددة بـ30 في المئة، بعدما كانت 20 في المئة، فقد ذكر بأن “مشروع القانون يهدف إلى منح المنظمات النقابية المزيد من الشرعية حتى يمكن أن تصبح قوية وذات مصداقية في الميدان”.
وذكر “لقد مدد مشروع القانون مهلة لتقديم عناصر إثبات التمثيلية النقابية من سنة إلى ثلاث سنوات مع إضفاء الشفافية بتبليغ عناصر تقديرها عن طريق منصة رقمية يسجل فيها المنخرطون بالرجوع إلى بطاقة الانخراط النقابي والاشتراكات ورقم التسجيل لدى الضمان الاجتماعي، وذلك لمنع الانخراط في أكثر من نقابة”.
وأضاف “هذه المنصة وضعت حيز الخدمة العام 2022 لتقييم وتقدير التمثيلية النقابية، حيث أبرزت نتائج العملية أن عددا معتبرا من النقابات تجاوزت نسبة تمثيليتها 20 في المئة، وأن مشروع القانون أولى اهتماما كبيرا لتأسيس الفيدراليات والكونفيدراليات”.
بيان للغرفة البرلمانية يؤكد أن اللجنة المختصة لم تدرج إلا أربعة تعديلات على القانون، من ضمن 56 تعديلا اقترحها النواب
ومنذ الإضراب والوقفات الاحتجاجية التي شنتها نقابات مستقلة الأسبوع الماضي للاحتجاج على مشروع القانون، والدعوة إلى سحبه إلى غاية إجراء نقاش واسع وعميق حوله من طرف الشركاء الاجتماعيين، لم يصدر أي تعليق عليها بعد أن تمت المصادقة عليه من طرف نواب الغرفة الأولى للبرلمان.
وأبرز ما تضمنه المشروع عدم الجمع بين النشاطين السياسي والنقابي، الأمر الذي اعتبره ناشطون في هذا المجال خرقا للدستور وتجاوزا للحقوق الأساسية للأفراد، بينما تبرر السلطة ذلك بعدم توظيف النقابات لصالح الأغراض السياسية والحزبية.
كما استوجب المرور على عدة خطوات قبل الدخول في أي إضراب، وهو ما اعتبره نشطاء نقابيون حدّا من حق الطبقة الشغيلة في الضغط على السلطة الإدارية، والمطالبة بالحقوق الطبيعية للعمال، في انتظار الحسم في الفئات الجديدة التي سيحظر عليها الإضراب، بسبب ما تسميه السلطة بدورها الحيوي في المجتمع، لتنضم بذلك إلى الأسلاك الرسمية، وتتقلص بذلك دائرة الجبهة الاجتماعية.
وحاول وزير العمل نفي ذريعة عدم فتح أبواب الحوار بشأن المشروع، بتأكيده على أنه “تمت مراسلة أغلب المنظمات النقابية العمالية ومنظمات أرباب العمل خلال يناير سنة 2022، قصد طلب اقتراحاتها لتعزيز الإطار القانوني للعمل النقابي، وفي مرحلة أخرى تمت استشارة المنظمات النقابية الأكثر تمثيلا على الصعيد الوطني وكذلك الهيئات الاستشارية المعنية بالمشروع التمهيدي للقانون لإبداء الرأي والإثراء”.
وكشف شرفة في مداخلته أن “المشهد النقابي يتشكل من 160 منظمة نقابية مسجلة، من بينها 99 منظمة عمالية، 72 منها تنشط في قطاع الوظيفة العمومية، ومن بين مجموع المنظمات النقابية توجد أيضا 61 منظمة لأرباب العمل تمس مختلف المهن والفروع وقطاعات النشاط”.