البرلمان الجزائري أمام اختبار حماية الحريات

قانونا العمل النقابي والإعلام يهددان ما تبقى من مكاسب.
الخميس 2023/02/16
في وضع محرج

الجزائر - وضعت التشريعات الجديدة للحكومة، أعضاء البرلمان في زاوية حادة، بسبب تداعياتها على مصير ومستقبل آخر قلاع الممارسة الديمقراطية في البلاد، فهم على ولاء أغلبيتهم للسلطة في تمرير أجندتها، يقفون وجها لوجه أمام الفعاليات النقابية والإعلامية، التي تحملهم مسؤولية أي تهديد أو تراجع جديد للحريات العمالية والإعلامية.

وحملت نقابات جزائرية نواب البرلمان مسؤولية تمرير قانون الممارسة النقابية والحق في الإضراب في مسودته الحالية التي أعدتها الحكومة، واعتبرت تمريرها انتكاسة للحريات النقابية المكتسبة من نضالات متراكمة على مر العقود الماضية.

نقابات جزائرية تحمل نواب البرلمان مسؤولية تمرير قانون الممارسة النقابية والحق في الإضراب في مسودته الحالية

وانتقدت النقابات “إقصاء الحكومة للنقابات والفواعل العمالية خلال عملية إعداد مشروع القانون”، ودعت الرئيس عبدالمجيد تبون إلى سحب المشروع، بسبب تداعياته على حقوق الطبقة الشغيلة واستقرار الجبهة الاجتماعية، والتراجع عن المكتسبات التي حققتها الأجيال السابقة في هذا المجال.

وتعيش الجزائر على وقع تشنج اجتماعي، بسبب القانون المنتظر، الذي يوسع دائرة حظر الإضراب إلى قطاعات أخرى، كما يحد من نشاط النقابات، إلى جانب أنه يعزل الممارسة النقابية عن السياسية، الأمر الذي حمل مخاوف لدى الناشطين، خاصة في ظل التضييقات التي تعاني منها النقابات من طرف وزارة الداخلية، بدعوى التكيف مع التشريع ساري المفعول.

ولا تخشى الحكومة أي ضغط داخل البرلمان، كونها تملك أغلبية مريحة موالية لها، لكن النواب أنفسهم وقعوا في حرج أمام الشارع الجزائري والفعاليات النقابية، على اعتبار أن مرور المشروع سيحسب سياسيا وتاريخيا على البرلمان الحالي، كما كان الشأن مع البرلمان الذي عدل الدستور من أجل فتح الولايات الرئاسية أمام الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة العام 2009، وهو الأمر الذي بات يوصف بعد ذلك بـ”وصمة العار”.

وذكر بيان للنقابات بأنه “تم التوافق على ضرورة تكثيف التعبئة القاعدية على مستوى كل نقابة للتوعية بخطورة المشروعين على مستقبل الموظفين والعمال وحياتهم المهنية والنقابية، والمطالبة برفع الضبابية والغموض اللذين يكتنفان القوانين الأساسية للقطاعات التي تستوجب إشراك النقابات في معالجتها، واتفقت النقابات الموقعة على البيان على الدخول في حركة احتجاجية يحدد شكلها وتاريخها لاحقا”.

وقالت نقابة موظفي الصحة العمومية “فضلا عن التضييق المباشر على حرية الممارسة النقابية من خلال مشروع قانون جديد يحدد شروط العمل النقابي، هناك مشروع قانون آخر لا يقل خطورة، كونه يعد تقييدا لحق أساسي من حقوق المواطن الدستورية، وهو حق الإضراب”.

ولطالما نظرت السلطة الجزائرية للنقابات المستقلة على أنها تقف على النقيض منها وتشكل تهديدا وجب تحجيمه.

وسبق وأن دعمت النقابات الاحتجاجات الشعبية في العام 2019، وكثيرا ما كانت التعبئة العمالية لتلك النقابات تتصل باستحقاقات سياسية معينة.

ولم تستبعد مصادر نقابية فرضية اللجوء إلى حركات احتجاجية مناوئة للمشروع، في حال إصرار الحكومة على تمريره في صيغته الحالية، وتجاهل النواب للمطالب المرفوعة إليهم، وهو أمر لا تحبذه السلطة من أجل ضمان استقرار الجبهة الاجتماعية وغلق منافذ التأليب ضدها.

وأعلن حزب جبهة القوى الاشتراكية (يساري معارض) مؤخرا عن دعمه لنداء النقابات المستقلة، ودعا “إلى السحب الفوري لمشروعي القانونين المتعلقين بممارسة الحق النقابي والحق في الإضراب وإعادة صياغتهما على أساس حوار فعلي تشارك فيه كل الفواعل الاجتماعية التي لها صلة بالموضوع”.

النقابات تدعو الرئيس عبدالمجيد تبون إلى سحب المشروع، بسبب تداعياته على حقوق الطبقة الشغيلة واستقرار الجبهة الاجتماعية، والتراجع عن المكتسبات التي حققتها الأجيال السابقة

وعلى صعيد آخر، تنتظر الهيئة التشريعية الشروع في مناقشة قانون الإعلام الجديد، الذي وصفته تقارير محلية بأنه “نهاية الممارسة الصحفية” في البلاد، بسبب الأحكام المتشددة التي جاء بها، تحت مسمى تنظيم المهنة وإنهاء حالة الفوضى.

لكن اللافت أن مشروع قانون الإعلام المذكور حظي بفرص نقاش أكثر من طرف البرلمان الذي دعا خبراء ومهنيين لجلسات حوار حول مضمون مسودة المشروع التي أثارت مخاوف لدى قطاع عريض من الناشرين والصحافيين والمهتمين بالحريات الإعلامية.

وذكرت تقارير محلية أن “النقاشات والانتقادات تتجه نحو عدة بنود إشكالية وغامضة، بل وبينها من يقضي على مهنة الصحافة، في حالة ما إذا دخلت حيز التنفيذ، كما هو الشأن بالنسبة للبند 21 الذي يستوجب أن يتضمن كل خبر تنشره وتبثّه وسيلة إعلام اسم صاحبه أو الإشارة إلى مصدره الأصلي، وكذلك البند 27 الذي يتحدث عن أن السر المهني حق للصحافي طبقا للتشريع والتنظيم المعمول بهما، من دون أن يعتد بالسر المهني أمام القضاء”.

وأضافت بشأن الغموض الذي يكتنف تعاطي القضاء مع الجرم الصحفي، بالقول “لقد تعرض العديد من الصحافيين إلى المتابعة القضائية وتم وضعهم في الحبس المؤقت على خلفية نشاطهم، بالرغم من خلو قانون الإعلام الحالي والذي هو قيد الدراسة في البرلمان من عقوبات سالبة للحرية”.

ويستدل هؤلاء على اللبس المذكور، بما وقع خلال صدور أوامر إيداع عدة صحافيين الحبس المؤقت وإدانات بالسجن النافذ وموقوف النفاذ، على خلفية مقالات صحفية أو تصريحات إعلامية، مثلما جرى مع الصحافي بلقاسم حوام، الذي توبع ووضع رهن الحبس المؤقت بناء على قانون المضاربة منذ أشهر قليلة، بعد نشره موضوعا يتحدّث عن التمور الجزائرية.

4