البرلمان البريطاني يناقش قانونا يمنع زواج القصّر في إنجلترا

تناضل الجمعيات في بريطانيا من أجل منع زواج القصر ورفع السن الدنيا للزواج من 16 إلى 18 عاما. وقد أقر نواب البرلمان في نهاية فبراير الماضي قانونا من بين فصوله تسهيل الملاحقات في حق الأهل أو الأقارب المتواطئين على زيجات القصر، ويتوقع أن يحصل النص على موافقة مجلس العموم قبل انتهاء الدورة البرلمانية الحالية في نهاية أبريل الجاري.
لندن – في سن السادسة عشرة أرغمت فايزة محمود على الزواج من رجل يبلغ ضعف سنها، وبعد حوالي عشرين عاما على ذلك لا تزال تعاني من ندوب نفسية، لكنها ترحب بإرادة منع زواج القصر في إنجلترا الذي ناضلت في سبيل تحقيقه.
وفي مطلع الألفية أرسلت مع شقيقتها باناز من منزلهما في لندن إلى كردستان العراق -حيث تتحدر العائلة- لتزويجهما.
وتمكنت فايزة محمود بعد ذلك من الفرار والحصول على الطلاق. وباشرت حملة للحصول على تعديل للقانون الذي يسمح راهنا بالزواج اعتبارا من سن السادسة عشرة في إنجلترا وويلز شرط الحصول على موافقة الأهل.
وتعرضت شقيقتها للخنق عام 2006 في إطار “جريمة شرف” بعدما فرت من زوجها الذي اختارته لها العائلة. وقد حكم على والدها وعمها ورجل ثالث بالسجن لفترات طويلة.
الجمعيات تأمل في أن يحض المثال الإنجليزي على التغيير في أسكتلندا وأيرلندا الشمالية اللتين تحظيان ببرلمان خاص
وتقول فايزة محمود البالغة 34 عاما لوكالة فرانس برس قرب مقر البرلمان البريطاني في ويستمنستر في لندن “زواج الأطفال يحمل الكثير من الشرور”. ويناقش البرلمان مشروع قانون قد يقر في الأسابيع المقبلة لرفع سن الزواج الدنيا من 16 إلى 18 عاما.
ولا تزال تعاني تداعيات زواجها القسري الذي استمر أقل من سنتين إلى حين طلبت الطلاق في سن الثامنة عشرة.
وتوضح “تعرضت لاستغلال مالي ولعنف نفسي وجسدي. هذه هي حقيقة تزويج الأطفال”.
وينص مشروع القانون أيضا على تسهيل الملاحقات في حق الأهل أو الأقارب الذين غالبا ما يتواطأون على تنظيم زيجات مدبرة بإرسال أطفالهم إلى الخارج بغية تزويجهم.
وبعدما أقره النواب نهاية فبراير الماضي يتوقع أن يحصل النص على موافقة مجلس العموم قبل انتهاء الدورة البرلمانية الحالية في نهاية أبريل الجاري.
وتعلق فايزة محمود على ذلك بقولها “أنا في غاية السعادة وكان يجب أن يحصل منذ فترة طويلة. لو حصل ذلك لكان وفر الحماية لي ولشقيقتي ولكل الأطفال الذين تعرضوا لهذه الممارسة المؤذية”.
وتأمل الجمعيات في أن يحض المثال الإنجليزي على التغيير في أسكتلندا وأيرلندا الشمالية، وهما من ضمن المملكة المتحدة لكنهما تحظيان ببرلمان خاص بهما، فضلا عن دول أخرى لا تزال تسمح بزواج القصر مثل الولايات المتحدة.
وتقول النائبة المحافظة بولين لاثام التي قدمت مشروع القانون “آمل أن يكون له تأثير على آخرين”. ومن بين أهداف التنمية المستدامة تسعى الأمم المتحدة إلى القضاء على زواج الأطفال بحلول العام 2030.
وقد باشرت لاثام طرح مشروع القانون بعدما علمت أن المملكة المتحدة تطلب من الدول المستفيدة من مساعداتها منع زواج القصر بينما لا تطبق هذا الشرط على أراضيها. وتوضح “لم يخطر في بالي يوما أن زواج الأطفال كان موجودا عندنا”.
وكانت المملكة المتحدة منعت الزواج القسري في العام 2014. إلا أن هذه الخطوة تعتبر غير كافية لحماية المراهقين ولاسيما الفتيات لأن ذلك يتطلب شهادة من الضحايا ضد المسؤولين عن ذلك وهم في غالب الأحيان الأهل.
ويصعب تحديد عدد المراهقين بين سن الـ16 والـ17 الذين يرغمون على الزواج، خصوصا أن هذه الزيجات لا تسجل بشكل قانوني.
وفي 2018 التي توفر أحدث الأرقام بهذا الشأن سجل 147 زواجا شمل أشخاصا دون سن الثامنة عشرة هم 119 فتاة و28 صبيا، في مقابل 183 في السنة السابقة.
وترى بولين لاثام أن القانون “سيغيّر حياة الكثير من الشباب لأنهم سيتمكنون من إنهاء دراستهم”.
وتشدد سارة بروان -من جمعية الدفاع عن حقوق النساء” اكرو”- على أهمية توعية الكثير من الأطراف، وخاصة المدرسين والمعالجين ورجال الشرطة، “لأن تحضيرات تزويج طفل قد تبدأ منذ ولادته”.
وتؤكد فايزة محمود هذا الأمر قائلة “لم أتعرض للخيانة من الأشخاص المحيطين بي فقط بل من كل الأطراف الذين تواصلت معهم. لم يقدم لي أي شخص أي دعم أو يقول إن ما يحصل خطأ وإنني كنت طفلة ينبغي أن تحصل على الحماية”.
ومن المتوقّع أن ترفع حكومة المملكة المتّحدة الحدّ الأدنى لسنّ الزواج القانونية إلى 18 عاماً في كلٍّ من إنجلترا وويلز، بعدما ألمح وزراؤها إلى رغبتهم في دعم خطوة إصلاح تاريخية في هذا المجال.
وفي الوقت الراهن يمكن للأبناء والبنات الذين تتراوح أعمارهم بين السادسة عشرة والسابعة عشرة الزواج بعد نيل موافقة والديهم. لكن ناشطين يحذّرون من أن بعض المراهقين يجدون أنفسهم مرغمين على الزواج في سنّ مبكّرة.
الحكومة البريطانية تدعم رفع سنّ الزواج القانونية بهدف حماية الأشخاص الضعفاء
وتؤكّد الحكومة البريطانية أنها باتت تدعم الآن التحرّكات الهادفة إلى حماية اليافعين ممّا اعتبره وزير الخزانة السابق ساجد جاويد “إساءة معاملة الأطفال”. وأوضح متحدّث باسم وزارة العدل أن “الحكومة تدعم رفع سنّ الزواج القانونية بهدف حماية الأشخاص الضعفاء، وستحدّد خطواتها التالية في الوقت المناسب”.
وانتقد وزير الخزانة البريطاني السابق ما سمّاه “الثغرة القانونية الراهنة” التي تفسح المجال أمام فرض زواج مبكّر وقسري على يافعين في سنّ المراهقة.
وأضاف في حديثٍ مع صحيفة “تايمز” أن “الحكومة البريطانية تعمل بلا كلل لوضع حدٍّ لزواج القصّر في الدول النامية، لكن قوانيننا في المقابل تسمح بزواج صغار السنّ بطرقٍ ملتوية وغير رسمية”. وقال “في الواقع عندما خفّضت بنغلاديش سنّ الزواج القانونية من 18 إلى 16 عاما تردّد أن الوزراء في تلك الدولة أشاروا بشكلٍ مباشر إلى قوانيننا لتبرير قرارهم”.
وتابع جاويد “بات من الواضح أنه يتعيّن علينا سنّ تشريعاتٍ جديدة لسدّ هذه الفجوة، بحيث لا يعود في الإمكان إجبار قصّر ضعفاء على الدخول في مثل هذه الالتزامات الجدّية، التي من شأنها أن تغيّر حياتهم قبل أن يصبحوا مستعدين لها وواعين بها”.
وأردف “لقد شاهدتُ ذلك بنفسي في المجتمع الذي نشأتُ فيه، حيث يُتوقّع من فتياتٍ صغيرات أن يتزوّجن قبل وقتٍ طويل من استعدادهن للخطوة، مع ما يرافق ذلك من عواقب وخيمة. فلنسمِّ الأشياء على حقيقتها: إنها إساءة معاملة الأطفال”.
وأكّد وزير الخزانة السابق أنه كان قد بدأ النظر في تغيير القانون عندما كان وزيراً للداخلية في حكومة رئيسة الوزراء السابقة في المملكة المتّحدة تيريزا ماي.
وقالت ناتاشا راتو، مديرة مؤسّسة “كارما نيرفانا” الخيرية التي تنظّم حملاتٍ من أجل منع زواج الأطفال، “إنه لخبرٌ سار أن تستمع الحكومة أخيرا، بعد حملةٍ لا هوادة فيها، إلى دعواتنا المشتركة المطالبة بإنهاء زواج القصّر، من خلال التزامها برفع سنّ الزواج القانونية إلى 18 عاما”.
وأضافت “في الوقت الذي يمكن فيه اعتبار أن الحكومة خطت خطوةً كبيرة في الاتّجاه الصحيح، مازال من الضروري أن تعمل على تجريم زواج القصّر”. وختمت قائلة “إن هذا من شأنه أن يعطي أكبر مقدارٍ من الضمانات في وجه جميع أشكال زواج الأطفال، وأن يبعث بأقوى الرسائل الممكنة التي تفيد بأن زواج الأطفال لا تقبل به حكومتنا، ولا يمكن أن تتساهل إزاءه”.