البرلمان البريطاني المنقسم يرسم مسارا جديدا لبريكست

يسعى البرلمان البريطاني الذي همّش في وقت سابق رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، التي أضعفتها الانقسامات داخل حزبها، الى السيطرة على مسار بريكست وتولّي زمام الأمور. على الرغم من أن التعديلات التي يقرّها البرلمان غير ملزمة دستوريّا، إلا أن رئيسة الوزراء المحافظة وضعت مستقبلها السياسي على قاعدة اتفاق بريكست مقابل استقالتها.
لندن - تولّى النواب البريطانيون استثنائيا الأربعاء السيطرة على عملية بريكست بتصويتهم على سلسلة بدائل للاتفاق الذي توصّلت إليه رئيسة الوزراء تيريزا ماي مع الاتحاد الأوروبي للخروج من التكتل، في آلية قد تعيد ترتيب عملية الطلاق بشكل جذري.
وصوّت المشرعون الاثنين على تولّي السيطرة على العملية البرلمانية، وسط خلافات حول الكيفية التي ينبغي أن تنفّذ بها البلاد نتيجة استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي لعام 2016، عندما اختار 52 بالمئة من الناخبين في استفتاء مغادرة التكتل.
واختار رئيس مجلس العموم جون بيركو من بين اقتراحات النواب، الطروحات التي سيتم بحثها قبل عمليات التصويت على أن تطرح الاقتراحات التي تحصل على أكبر عدد من الأصوات من جديد على النواب الاثنين القادم.
وتتراوح السيناريوهات البديلة المحتملة من البقاء في السوق الموحدة إلى تنظيم استفتاء جديد، وصولا حتى إلى إلغاء الخروج من الاتحاد الأوروبي.
ويسعى النواب من خلال تصويتهم إلى التوصّل إلى غالبية حول خيار غير اتفاق الانسحاب الذي توصلت إليه ماي في نوفمبر مع بروكسل، وقد رفضوه مرتين حتى الآن في يناير ومارس، غير أن رئيسة الوزراء المحافظة تصرّ على محاولة تمريره من جديد.
وعمليات التصويت “الإرشادية” هذه ليست ملزمة للحكومة، حيث أعلنت ماي أنها ستعارض خيار النواب، إن كان يتعارض مع التزامات حزبها بشأن الخروج من السوق الموحدة ومن الاتحاد الجمركي الأوروبي. وحذّر متحدث باسم الوزارة المكلفة بريكست بأن العملية البرلمانية تنطوي على “سابقة خطيرة” من أجل “توازن المؤسسات الديمقراطية” في البلاد.
وقال روبرت هيزيل العضو في القسم الدستوري في جامعة “كولدج أوف لندن”، إنه “لم يحصل ذلك منذ أكثر من مئة عام”، ولو أنه لفت إلى أنّ الوضع الراهن ليس سوى نتيجة عدم توافر غالبية مطلقة للمحافظين في البرلمان.
وتعاني تيريزا ماي من انقسامات عميقة داخل حزبها، وقد صوّت ثلاثون نائبا محافظا الاثنين لصالح سيطرة البرلمان على أجندة بريكست، في تحدّ لها.
وانضمّ أعضاء في الحكومة إلى هذا التمرّد، مع استقالة ثلاثة وزراء دولة في اليوم ذاته، ما يرفع عدد الاستقالات داخل الحكومة إلى حوالي الثلاثين، منذ الانتخابات العامة في يونيو 2017.
وقادت هذه التطورات الجديدة في البرلمان النائب جاكوب ريس-موغ رئيس “مجموعة البحث الأوروبية”، وهي مجموعة نافذة من 60 إلى 85 نائبا من مؤيدي بريكست متشدد دون تنازلات، إلى تعديل موقفه، ملمّحا إلى أنه قد يؤيد من الآن فصاعدا اتفاق ماي خشية عدم خروج بريطانيا إطلاقا.
وقال في رسالة صوتية على مدوّنة “كونسيرفاتيف هوم” المحافظة “لطالما كنتُ مؤمنا بأن خروجا دون اتفاق أفضل من اتفاق ماي، لكن اتفاق ماي أفضل من عدم الخروج بتاتا”.
وعلّق وزير بريكست السابق ديفيد ديفيس متحدثا لإذاعة الـ”بي.بي.سي”، “هذا ليس اتفاقا جيّدا لكن البديل هو سلسلة من الفوضى”، معتبرا أن ماي تحظى بـ” فرصة معقولة” لتحقيق انتصار. غير أن المسألة غير محسومة إطلاقا لرئيسة الوزراء التي تبدو في موقع أكثر ضعفا من أي وقت مضى.
وأعلن حليفها الأيرلندي الشمالي في البرلمان الحزب الوحدوي الديمقراطي، أنه لن يصوّت لصالح اتفاق بريكست “الضار”، معتبرا أن “شبكة الأمان”، الترتيب الرامي إلى تفادي عودة حدود فعلية بين مقاطعة أيرلندا الشمالية التابعة للمملكة المتحدة وجمهورية أيرلندا العضو في الاتحاد، قد يؤدي إلى معاملة خاصة للمحافظة البريطانية مختلفة عن باقي المملكة المتحدة.
ودعا النائب عن شمال غرب إنكلترا نايجل إيفانز ماي إلى إعلان رحيلها إن كانت ترغب في تمرير اتفاقها.

وقال إيفانز لإذاعة “راديو 4”، “أشجعها على إعلان الجدول الزمني لرحيلها”، مضيفا “في هذه الحال أعتقد أن هذا سيحمل العديد من الأشخاص على دعم اتفاقها”.
واستبقت الدول الأوروبية الـ27 رفضا جديدا للاتفاق في البرلمان البريطاني، فأعطت بريطانيا خيارين: إما التصويت على الاتفاق مع منح بريطانيا إرجاء تقنيا حتى 22 مايو، وإما رفض الاتفاق للمرة الثالثة، وعندها يكون أمام لندن مهلة حتى 12 أبريل لتقديم بديل وطلب تأجيل جديد، ما يحتم تنظيم انتخابات أوروبية في نهاية مايو في بريطانيا. وغير ذلك، يبقى الخيار الوحيد أمام بريطانيا الخروج دون اتفاق.
وحثّ رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك الأربعاء أعضاء البرلمان الأوروبي على عدم “خيانة” البريطانيين الراغبين بالبقاء في الاتحاد الأوروبي، برفض مشاركة المملكة المتحدة في الانتخابات الأوروبية في أواخر مايو، إذا تأجل بريكست عدة أسابيع.
وقال في ستراسبورغ، “يجب أن نتوقّع التأجيل لفترة طويلة، إذا رغبت المملكة المتحدة في إعادة التفكير في استراتيجيتها بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي، وهو ما يعني بالطبع مشاركة المملكة المتحدة في الانتخابات”. وتابع “لا يمكنكم خيانة الستة ملايين الذين وقّعوا على عريضة إلغاء المادة 50، ومن يريدون البقاء في الاتحاد الأوروبي”.
وسار مئات الآلاف السبت في لندن للمطالبة بإجراء استفتاء جديد على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وأكد المسؤول الأوروبي أن البريطانيين المعارضين لخروج بريطانيا “ربما يشعرون أنهم غير ممثلين بشكل كاف في البرلمان البريطاني، لكن يجب أن يشعروا أنهم ممثلون من قبلكم في هذه الجمعية، لأنهم أوروبيون”.