البرلمان الأردني يحاسب النواب أكثر مما يحاسب الحكومة

عمان – عاقب مجلس النواب الأردني الخميس أحد الأعضاء البارزين بسبب انتقاده أداء المجلس الذي يُنظر إليه شعبيا على أنه “ديكور” في منظومة الحكم ولا يزال قاصرا عن أداء دوره الدستوري في التشريع والرقابة على الحكومات.
وصوّت المجلس الخميس لصالح تجميد عضوية النائب أسامة العجارمة لمدة عام واحد مع قطع مخصصاته المالية، بعد أزمة مداخلته بشأن انقطاع الكهرباء في الأردن “بسبب إساءته للمجلس وهيبته وسمعته وأعضائه ونظامه الداخلي”، وفق ما جاء في بيان باسم المجلس.
وقال العجارمة في مداخلة برلمانية الاثنين إن انقطاع التيار الكهربائي عن عموم المملكة كان “متعمدا”؛ لمنع مسيرات تضامنية للعشائر مع الفلسطينيين بعد التصعيد الأخير في غزة، وسط مطالبات زملائه بإثبات صحة ما يقوله.
وانقطع التيار الكهربائي الجمعة الماضية بشكل تام في عموم الأردن، وعزت شركات توزيع للكهرباء سبب الانقطاع إلى عطل في شبكة النقل التابعة لشركة الكهرباء الحكومية.
واعتبر رئيس مجلس النواب عبدالمنعم العودات، خلال الجلسة، أن “حديث العجارمة يخالف النظام الداخلي؛ لأنه خارج عن مضمون الجلسة”.
ورد العجارمة على ذلك بعد أن غادر مكانه قائلا “طز بمجلس النواب (تبا لمجلس النواب) وطز بالنظام الداخلي”، وفق مقطع مصور تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي.
ورغم تراجع النائب أسامة العجارمة عن تصريحاته، وخصوصا عبارة “طز في مجلس النواب”، وتأكيد احترامه للمجلس أكثر من مرة سارع البرلمان إلى محاسبة النائب الغاضب في خطوة بدت “حازمة” لكنها تذكّر بعجز البرلمان عن محاسبة الحكومة، وهي مسؤوليته الدستورية التي تخلى عنها منذ سنوات طويلة.
ومرت على الأردن في الأشهر الأخيرة سلسلة أحداث مهمة لم يكن لمجلس النواب فيها قرار أو تأثير، من أزمة الأمير حمزة إلى حرب غزة، حتى الانقطاع غير المسبوق للكهرباء عن مختلف أنحاء البلاد.
وتزعم العجارمة حملة لمطالبة الحكومة بتوضيح حيثيات موضوع “الفتنة” الذي شغل بال الأردنيين لأسابيع.
وقال العجارمة لـ”العرب”، في تصريح سابق، إنه تم إقصاء مجلس النواب بشكل ممنهج عن هذه القضية منذ بداية الأزمة، متسائلا “هل هو خوف من وقوف مجلس النواب على الحقائق، أم الخوف من الكشف عما إذا كانت هناك إدعاءات بمؤامرة أو مؤامرة مزعومة أو كرتونية غير موجودة على أرض الواقع؟”.
واعتبر أن “إقصاء مجلس النواب هو الذي ولّد الشبهات والشكوك الكثيرة حول القضية”، قائلا “تقصيني يعني يوجد شيء خطأ”.
وشغلت تلك الحادثة حيزا واسعا على وسائل التواصل الاجتماعي في الأردن، يميل أغلبه إلى صالح العجارمة، وتصدر وسم “كلنا أسامة العجارمة” قائمة الأكثر تداولا على موقع تويتر في المملكة.

ويستند العجارمة في موقفه إلى العمق العشائري، وهو البعد الذي أصبح يقلق السلطات بسبب مخلفات أزمة الأمير حمزة، والتي انتهت إلى تأكيد منزلة العشائر لدى العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني.
واتخذ أبناء العشائر من نتائج أزمة “الفتنة” نقطة قوة للاستمرار في نقد أداء مختلف المؤسسات الأردنية، بما في ذلك الحكومة والبرلمان، والضغط على الموقف الرسمي في ملفات كانت من اختصاص الملك وحده مثل الموضوع الفلسطيني.
وكانت العشائر قد دعت إلى مسيرة كبرى الجمعة الماضية باتجاه العاصمة عمان لدعم الفلسطينيين والمطالبة بطرد السفير الإسرائيلي.
وتسود في الشارع الأردني حالة من الاستياء العام إزاء أداء مجلس النواب الذي يتألف تقليديا من رجال أعمال وضباط متقاعدين وعدد من المستقلين ويتهمه كثيرون بالتبعية للحكومة وتحقيق مصالح شخصية ومناطقية، خصوصا المجلس الحالي الذي يوصف بأنه “برلمان الـ29 بالمئة”، في إشارة إلى نسبة المشاركة في الانتخابات التي أفرزت المجلس في نوفمبر الماضي.