البرغر وجبة الحرية للنساء في كابول

كابول - في صبيحة يوم مشمس بالعاصمة الأفغانية كابول، تقود مريم محمدي البالغة من العمر 30 عاما عربة تعمل بالطاقة الشمسية في إحدى ضواحي المدينة، لبيع شطائر البرغر للزبائن الجوعى في إطار مشروع يوظف العشرات من النساء في مهنة يهيمن عليها الرجال.
وتعاني النساء في أفغانستان من الاضطهاد والعنف. ولا تزال هذه البلاد تحتل المرتبة الأسوأ في العالم من حيث وضع المرأة؛ تقول الشابة التي ترتدي عباءة سوداء فضفاضة ونقابا يغطي وجهها ورأسها إن ملاحظات حادة كانت تُوجه إليها في بادئ الأمر عندما بدأت العمل.
وقالت مريم “كان الناس يسخرون مني ويضحكون قائلين: انظروا إليها، إنها تعمل في الشارع. لكن الوضع الآن يتحسن ويشجعني الناس كثيرا”.
وأضافت “يهتف الرجال لتشجيعي الآن ويقولون إن طعامنا لذيذ وصحي".
وانطلق المشروع عام 2018 على يد شاب يُدعى فرهد وجدي يبلغ من العمر 27 عاما، وقد وُلد في مخيم للاجئين بباكستان وتعمل لديه الآن 50 امرأة يقدن 25 عربة للأطعمة في كابول. ويأمل وجدي في توسيع تجارته لتضم 100 عربة هذا العام. وقال “عندما عدت إلى أفغانستان… رأيت النساء يُعاملن معاملة سيئة جدا، لم يُسمح لهن بممارسة التجارة ولم يُسمح لهن بالاستقلال المالي، ويُستبعدن من الفرص الاجتماعية والاقتصادية”.
وأضاف “بالنسبة إلي كانت هذه هي نقطة الانطلاق لعملي من أجل النساء الأفغانيات، لأنني أرى في الأفغانيات موردا بشريا كبيرا ينبغي تزويده بالمهارات والمعرفة حتى يتسنى لهن الإسهام بقدر متساو في التنمية الاقتصادية لأفغانستان”.
ومثلها في ذلك مثل الكثيرين، عبرت مريم عن قلقها من احتمال عودة حركة طالبان المتشددة إلى السلطة. وكانت الحركة تحظر على المرأة التعليم والعمل ومغادرة المنزل إلا برفقة محارمها الذكور، وذلك خلال تولي الحركة الحكم في البلاد من عام 1996 إلى عام 2001. ووقعت طالبان والولايات المتحدة اتفاقا على سحب القوات الأسبوع الماضي، وتقول الحركة إنها تغيرت وستسمح للنساء بالعمل.
وقالت مريم “هذا العمل ضروري بالنسبة إلينا… في رأيي ينبغي على طالبان عدم التدخل في عمل النساء لأنه لا يوجد فرق بين الرجال والنساء ويمكن للجميع العمل لتحسين الحياة”.
وقالت بينظير موسوي، وهي شابة تبلغ من العمر 21 عاما وتوقفت لطلب شطيرة برغر من مريم، إنها تتفق مع ما تقوله مريم.
وأضافت “عندما رأيت هذه السيدة تعمل وتبيع البرغر للمرة الأولى شعرت بسعادة غامرة… على النساء الأفغانيات الاعتماد على أنفسهن وحل مشاكلهن باستقلالية”.
ورغم حماسة الأفغانيات اللاتي يخيّم عليهن الارتياب من المتمردين ويشكُكْنَ في إمكانية حلول السلام، إلا أنهن يخشَين دفع ثمن باهظ لذلك.
وفي مدينة هرات (غرب)، قالت البائعة سيتارا أكريمي البالغة من العمر 32 عاما، “سأكون سعيدة جدا إذا حل السلام وتوقفت طالبان عن قتل شعبنا”، مضيفة “لكن عودة حركة طالبان إلى السلطة بعقليتها القديمة، أمر يقلقني”.
وتابعت الأمّ المطلقة الحاضنة لثلاثة أطفال “إذا طلبوا مني البقاء في المنزل (والتوقف عن العمل) فلن أتمكن من إعالة أسرتي، هناك الآلاف من النساء مثلي في أفغانستان، وجميعنا نشعر بالقلق”.
هذه المخاوف تعيشها أيضا الطبيبة البيطرية المقيمة في كابول طاهرة رضائي التي تعتقد أن “وصول طالبان (إلى السلطة) سيؤثر على حق المرأة في العمل والحرية والاستقلال”.
وقالت الشابة البالغة من العمر 30 عاما، “لم تتغير عقليتهم (عقلية المتمردين)”. وأشارت رضائي المتحمسة لمسيرتها المهنية إلى أنها متشائمة بشأن آفاقها في حال عودة المتمردين إلى الحكومة، حتى لو لم يملكوا سلطة مطلقة.
وأضافت “بالنظر إلى تاريخهم، لا أشعر بتفاؤل كبير، أعتقد أن الوضع سيكون أكثر صعوبة بالنسبة إلى النساء العاملات مثلي”.
وفي الفترة التي سبقت الاتفاق الأميركي، قدّم المتمردون تعهّدا غامضا باحترام حقوق المرأة بما يتماشى مع “القيم الإسلامية”، ما جعل الناشطين الحقوقيين يطلقون تحذيرا من أن التعهد كان مجرد كلام ومفتوح على تفسيرات أوسع.
ورغم أن طالبان أصبحت تسمح للفتيات بالالتحاق بالمدارس الابتدائية في بعض المناطق، إلا أنه لا تزال هناك تقارير دورية عن جلد نساء ورجمهن بالحجارة، ما يغذي المخاوف من عودة الوضع إلى ما كان عليه إذا عادت الحركة إلى السلطة.
وقالت المسؤولة الحكومية توربكاي شينواري، إنها كانت تصلي من أجل السلام، لكنها تشعر بقلق متزايد من أنه “سينظر إلى النساء على أنهن جنس من الدرجة الثانية وسيتعرضن للقمع” إذا عاد المتشددون إلى السلطة.