البرتقال المصري يضل طريق الوصول إلى روسيا

تقف حاويات محملة بمنتجات زراعية مصرية حائرة في بعض الموانئ والبحار نتيجة عدم قدرتها على الوصول إلى أسواق روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا، بما وضع المصدرين المحليين في أزمة لا يعرفون مصيرها، ولا تقل خطورة عن أزمة توقف توريد القمح سابقا.
القاهرة – تواجه عملية تصدير البعض من المنتجات الزراعية المصرية عقبة لم تكن في الحسبان نتيجة تداعيات غزو روسيا لأوكرانيا وما تبعه من إغلاق الحدود مع بلاروسيا، وهو ما أثّر على سلسلة التوريد إلى تلك المنطقة.
وتراهن مصر على المحاصيل الزراعية والأغذية في تنفيذ خطتها الرامية إلى زيادة حجم الصادرات إلى 100 مليار دولار، واتخذت في سبيل تحقيق هدفها جملة من الخطوات العملية بالتركيز على الموالح بشكل خاص بعد أن نجحت في الوصول إلى المرتبة الأولى عالميا في تصدير البرتقال خلال العامين الماضيين.
ولم تضرب الحرب الروسية – الأوكرانية خطة القاهرة في مجال استيراد القمح من البلدين فقط، بل أصابت توجهاتها نحو مواصلة الحفاظ على قمة الدول المصدرة للبرتقال.
ورجّحت توقعات وزارة الزراعة الأميركية أن تنخفض صادرات مصر من هذه السلعة خلال 2022 بسبب تراجع العرض، لكنها توقعت أيضا أن تحافظ على نسبة تربو على ثلث صادرات العالم من البرتقال.
علي عيسى: الشركات المصرية في أزمة ولا نملك حلولا عاجلة
وكان تقرير الوزارة الأميركية قد توقع أن تتصدر مصر دول العالم في صادرات البرتقال هذا الموسم بكمية 1.65 مليون طن، لكن لم تتحقق التوقعات عندما اختار المصدرون روسيا كأول دولة مستقبلة لصادراتهم من البرتقال المصري.
وقال تقرير مكتب الشؤون الزراعية الأميركية بالقاهرة إن “روسيا وأوكرانيا من أكبر 10 دول تستورد البرتقال المصري الطازج على مستوى العالم، وتتصدر موسكو المرتبة الأولى بحجم استيراد 238.5 ألف طن في أول تسعة أشهر من العام الماضي”.
وجاءت أوكرانيا في المرتبة التاسعة وبلغت صادرات مصر من البرتقال الطازج إليها نحو 48.2 ألف طن في الفترة الممتدة من يناير حتى سبتمبر من العام الماضي.
وكانت القاهر تعول على البطاطس في زيادة صادراتها من المحاصيل الزراعية، وتعدى إجمالي قيمة هذه السلعة العام الماضي نحو 650 ألف طن. ووفقا لبيانات وزارة الزراعة المصرية تعد روسيا أكبر مستورد لهذا المنتج بحوالي 200 ألف طن.
وأكد مسؤول بالمجلس التصديري للحاصلات الزراعية، رفض الكشف عن هويته، في تصريح خاص لـ”العرب” أن المجلس وجه تعليمات للشركات المصرية “بعدم المجازفة والتصدير إلى روسيا أو أوكرانيا أو بيلاروسيا في الوقت الراهن”.
وقال إن “التصدير إلى تلك الدول حاليا بمثابة تبديد للأموال مع صعوبة اللجوء إلى الوساطة من جانب أي مسؤول مصري للحصول على مستحقات المصدرين طوال فترة الحرب”.
وذكر علي عيسى رئيس جمعية رجال الأعمال المصريين أن أهم محصولين يتم تصديرهما إلى روسيا وأوكرانيا هما البرتقال والبطاطس، وأن الشركات المصدرة لهذين الصنفين في أزمة حقيقية ولا تجد مخرجا منها، لأن مصير الحاويات المحملة بالبضائع وقت اندلاع الحرب وقبل ذلك بيوم أو يومين أصبح مجهولا.
إبراهيم بشاري: إلغاء تصدير 800 طن من الفراولة بطلب من الزبائن
ويصعب التكهن بمدة انتهاء الحرب ومن ثم قد تتلف بعض السلع الموجهة إلى أسواق الدول التي تشملها الأزمة وتداعياتها لأنه من الصعب وصولها إلى الموردين، كما تطال المشكلة البضائع الموجودة في موانئ أخرى وكان من المفترض أن تتجه إلى روسيا.
وأشار عيسى لـ”العرب” إلى أن تعطل تصدير المحاصيل امتد إلى بيلاروسيا أيضا، وتوجد بضائع مصرية في أوكرانيا كانت في طريقها إلى ذلك البلد وتوقفت عقب إغلاق الحدود.
ومن المؤكد أن يتسبب إقصاء البنوك الروسية من التعامل عبر شبكة سويفت للوصول إلى النظام المالي العالمي في تعطيل تلقي الشركات المصدرة المصرية مستحقاتها المالية من الزبائن في روسيا. ولا توجد وسيلة بديلة، سواء بريديا أو عبر دي.أتش.أل أو غيرهما، يمكنها حل هذه المشكلة حتى الآن.
ولم تصدر أي جهة حكومية أو جمعيات تابعة للمجتمع المدني معلومات محددة لحصر الخسائر المتوقع حدوثها للشركات المحلية أو مدى التأثيرات السلبية للصادرات، لأن البلدين اللذين تدور الحرب بينهما يتصدران دول العالم في شراء البرتقال والبطاطس من مصر.
ولفت رئيس جمعية رجال الأعمال إلى أن المصدرين المصريين يترقبون ما ستكشف عنه الأيام المقبلة بين البلدين حتى يمكن التحرك رسميا، فمع استمرار حالة الحرب يصعب التواصل مع أي مسؤول حكومي أو دبلوماسي للنظر في أمر الحاويات الحائرة في البحار.
وقال إبراهيم بشاري رئيس مجلس إدارة شركة البشاري للصناعات الغذائية والتصدير، وأحد كبار المصدرين المصريين إلى روسيا، إنه “فسخ عقدا لتصدير نحو 800 طن من الفراولة إلى روسيا الجمعة الماضي مع الزبائن في الخارج”.
وكشف في تصريح لـ”العرب” أنه تلقى اتصالا من متعاملين روس أبلغوه بصعوبة وصول أي بضائع إلى ميناء سان بطرسبرغ الذي يعد أهم موانئ روسيا. كما أخبروه أيضا بأن شبكة سويفت أقصت أهم 5 بنوك روسية، وبالتالي لا يمكن الحصول على تحويلات مالية.
وتتفاوت مدة وصول حاويات البضائع المحملة ببضائع الأغذية من مصر إلى روسيا وفقًا لإمكانيات كل شركة ونوع الوسيلة التي تقل فيها بضاعتها، ولذلك تتراوح مدد الوصول بين 5 و15 يوما في البحار.
وتتأثر صادرات مصر سلبا بالحرب الحالية مثل غيرها من دول العالم التي تتعامل مع روسيا وأوكرانيا، خاصة أن السوق الروسية من الأسواق الواعدة التي كانت تراهن عليها القاهرة في استقبال وارداتها من السلع الزراعية التي تعد محورا رئيسيا لدى الحكومة.
وكان الرئيس عبدالفتاح السيسي قد أطلق خطة قبل فترة لترقية حجم الصادرات، وتشمل عددا من القطاعات التي تتوزع بين الكيماويات والملابس والمنسوجات ومواد البناء والصناعات الغذائية والسلع الزراعية.
وسجل إجمالي الصادرات المحلية غير البترولية لدول العالم خلال العام الماضي حوالي 32 مليار دولار، وبلغ نصيب السلع الزراعية نحو 2.5 مليار دولار، أي ما يقرب من 10 في المئة.
والحل الناجز للمصدرين المصريين للخروج من الأزمة الراهنة هو البحث عن دول عربية بديلة عن الأسواق التي تشهد اضطرابا، ومن أهمها السعودية والإمارات والكويت وسلطنة عمان، لأنها من أكبر الدول إقبالا على البرتقال المصري.
ويتطلب تحقيق خطة القاهرة لزيادة الصادرات ضرورة البحث عن أسواق جديدة في الخارج والسعي إلى مضاعفة عدد المصدرين المصريين وتدريب العمالة في المصانع وتحسين رواتبهم وحياتهم المعيشية لدفعهم نحو المزيد من العمل والإنتاج.