البرامج الاجتماعية في مصر تدمر بناء الأسرة بدل دعمها

انتشرت برامج “التوك شو” بشكل واسع في الشاشات العربية ومن بينها القنوات الفضائية المصرية، ولاقت اهتماما واسعا من المشاهدين خصوصا من النساء عندما تقدم لهن برامج تطرح القضايا الاجتماعية والأسرية وتمدهن بمادة إعلامية تجيب على تساؤلاتهن وتساعدهن في تعلم الطبخ والمكياج وغيرهما من شؤون البيت والعناية بالجمال والموضة غير أن العديد من هذه البرامج باتت تثير الجدل بسبب طرحها لمشكلات شخصية وخاصة تؤثر على المرأة وعلى الأسرة وعلى العلاقات الزوجية.
شربات عبدالحي
القاهرة – يعتبر البعض من المتابعين والمحللين الاجتماعيين والإعلاميين أن برامج “التوك شو” في مصر تدافع عن حرية المرأة، وتحولت برامج الطبخ أو كيفية وضع المكياج، أو وضع واقي للشمس، إلى كيف تدافع المرأة عن نفسها. في المقابل يرى غيرهم أن هذه البرامج باتت تشكل خطرا على سلامة الأسرة وعلى المرأة وثقافتها ووعيها.
ويقول أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة مصطفى عمر “أصبحت برامج التوك شو، حديث القاصي والداني، بل إنها انتشرت كالنار في الهشيم، وذلك بسبب تأثيرها على المجتمع، كتفشي قضايا القتل والانتحار، فبدلًا من محاولة العمل على بناء الأسرة المصرية وتقوية أوصالها، عملت هذه البرامج خلال الأيام الماضية، على هدم أصول الأسرة المصرية".
واستشهد عمر بنشوب العديد من الخلافات بين الزوجين بسبب البرامج التي تهتم بشؤون المرأة خصوصا عندما لا يقبلها الزوج ويتهمها بأنها تؤثر سلبا على علاقته بزوجته. وذكر واقعة صارت بعد وقوع مشادة بين زوج وزوجة بسبب مشاهدة الزوجة لأحد البرامج المختصة بشؤون المرأة، قائلًا “يكفي من متابعة هذه السيدة سوف تخرب بيتنا”، فردت عليه زوجته قائلة “إنها تفتح عيني عن خيانتك”، لينتهي الجدل بصفعها على وجهها، فتقرر أن تنهي حياتها بإلقاء نفسها من الطابق السادس.
ويشير أستاذ الإعلام إلى أن إحدى الإعلاميات أثارت الشارع المصري، بسبب النصائح التي تقدمها للسيدات، كي يرفضن عنف الأزواج، ويبدو أن بعض النساء بدأن في اتباع نصائحها، حيث وقعت حالات ورفعت السيدة “سمر السيد” من الإسكندرية، دعوى خلع ضد زوجها، قائلة “تلك البرامج غيّرت حياتي وجعلتني أقف أمام نفسي ومشاكلي وأعرف ما الذي أريده بدون خوف”.
ولم تتوقف حالات الطلاق عند هذا الحد، بل في العام الماضي، قام زوج إحدى الإعلاميات، بتطليقها على الهواء، بسبب مناقشتها لحلقة من برامجها عن الخلافات الزوجية، فاتصل بها زوجها ونشب بينهما شجار قصير، انتهى بإلقاء زوجها يمين الطلاق عليها مباشرة.
وفي مايو 2015 اشتكى زوج خلال اتصال هاتفي بمثل هذه البرامج، من سفر زوجته من جدة إلى الرياض دون إذنه، موضحًا أنه وافق على عمل زوجته شريطة ألا تقصر في أداء واجباتها الزوجية والأسرية، إلا أنه فوجئ برغبتها في السفر. وأضاف الزوج أنه خيّرها بين رعاية أسرتها وبين السفر، إلا أنه فوجئ باتصالها من المطار تخبره بسفرها فما كان من الزوج إلا أن طلّقها على الهواء.
ونشبت بسبب هذه البرامج العديد من الخلافات الأسرية التي وصل بعضها إلى تشتيت الأسرة، ما يؤكد أنها تحتاج إلى إشراف تربوي من قبل القائمين عليها في ظل تداعياتها الخطيرة على الأسرة والمجتمع.
برامج التوك شو لها تأثير كبير جدًا على المجتمع، حيث تخلق اتجاهات جديدة وتغير العادات بل وتوجه الرأي العام
وأكدت أستاذة علم النفس هبة الطوجي أنه يوجد نوعان من برامج “التوك شو”، الأول؛ يسهم في إثراء الفكر، حيث يعتمد على الحوار وتنوع الآراء. أما الثاني فيضع المشاهد في موقف سلبي، حيث يتبع سياسة الآراء المعلبة، وكأنه يأخذ عقل المشاهد ويحشوه بمعلومات تسير في اتجاه واحد.
وفي بعض الأحيان لا يميز المشاهدون بين الإعلاميين جيدًا، خاصة الذين اجتاحوا وتوغلوا داخل تفاصيل المنازل، فأصبحوا يكشفون أسرار الناس عبر برامجهم، مشيرة إلى أن هؤلاء يحبون الفضائح.
وأكدت هبة أن الفضائيات الخاصة، تعمل على تحقيق مصلحتها، من خلال اجتذاب أكبر عدد من المشاهدين، عند طرح قضية مثيرة، حيث تنتقي مواعيد البث، في ساعات الذروة من حيث نسب المشاهدة، في حين أن بعض القنوات تعتبر مثل هذه البرامج، أهم وجبة إعلامية لديها، مشيرة إلى أنه في مصر، تقدر عدد ساعات برامج “التوك شو” المسائية على القنوات المصرية، أكثر من 30 ساعة، ويمكن في مناسبات خاصة أن تتضاعف المدة.
كما أن برامج “التوك شو” لا ينطبق عليها التعريف المعجمي الإعلامي لهذا الصنف، الذي يفترض أن يكون “حوار بين مذيع وضيف أو أكثر حول مواضيع محددة يتم مناقشتها بحيادية”، بينما في برامج “التوك شو” المصرية نلاحظ أن طابع الصوت الواحد يغلب عليها، ويحاول المذيع أن يكون مهيمناً على البرنامج، وأن يظهر نفسه في قالب قائد سياسي أو زعيم، مما يؤدي إلى تجاوز القيم والمبادئ المهنية، والاعتداء على الخصوصية بإثارة فضائح الناس”.
ويقول استشاري الطب النفسي بالقصر العيني محمد عبدالله، “إننا يجب ألا نغفل مسؤولية الدولة في ما يحدث الآن من اندثار للثقافة على تلك الشاشات، واهتمامها بالبناء والتطوير الخارجي دون النظر للمحتوى الذي تقدمه، ويجب تفعيل دور الصوتيات والمرئيات، في إنتاج البرامج، فضلًا عن تنصيب كتاب ومفكرين ومنتجين للدولة لإنتاج البرامج التلفزيونية، حتى نتمكن من دحض الابتذال الذي تبثة برامج التوك شو”.
ومن وجهة نظر أستاذة علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية بالقاهرة فادية حلمي، فإن برامج التوك شو لها تأثير كبير جدًا على المجتمع، حيث تخلق اتجاهات وأفكار وتغير العادات والتقاليد بل وتوجه الرأي العام، مشيرة إلى أن الإعلاميين يقومون بذلك من أجل الحصول على الإعلانات.
وتضيف حلمي أن ظاهرة الطلاق تفشت في مصر بعد انتشار قنوات الاستثمار، التي وضعت برامج تدعو للهدم وخراب البيوت، بل إنها أصبحت تستغل المشكلات بين الزوجين، التي توجد بكثرة في البيوت المصرية، لتبني عليها عددا كبيرا من المشاهدات حتى وإن كان الثمن هدم هذه البيوت، بدلا من عمل برامج بناءة فالشاشات التلفزيونية قبل سنوات لم يكن ليعرض عليها إلا محتويات مختلفة، لا تضم إلا النماذج المحترمة والقدوة؛لأن برامج التوك شو تستخدم أحيانًا لتحقيق مصالح تجارية وسياسية دون مراعاة للأعراف والتقاليد المهنية.