البديل الجمالي عن صور الحرب والسجون

دراما الحرب والحرية المفقودة للكائن الأعزل لا تزال تجذب إليها الشاشة السينمائية بقصصها الإنسانية التي لا تنتهي.
الأحد 2022/03/27
جماليات غير المرئية

الكائن البشري يجد نفسه مرارا في صورة العنف التي هي جزء من الذات، ابتداء من المنافسة بأشكالها وانتهاء بالسعي لمحو الآخر بالغلبة والتفوق، وما بينهما هنالك الحرية المفقود للفرد في مقابل القوة الماحقة التي يشعر أمامها بالتضاؤل.

ولأننا نعيش في دوامة من الصراعات والنزاعات والمنافسات فقد وجدت السينما ضالتها في ملاحقة تلك التفاصيل غير المباشرة وغير المرئية المرتبطة بحياة الكائن تحت ظل العنف والحرب.

هي تلك الجماليات البديلة التي تتعلق بالفرد في حد ذاته، والسؤال هو إذا كنا قد انشغلنا بالحرب كقرار جمعي ومشاهد جماعية لصورة محاربين من جهة وصورة مدنيين متضررين ونازحين ومهجرين فماذا عن الفرد الواحد الذي يدافع عن قضية أو يجد أن أمامه تحديا وجوديا؟

لا يتوقف الكائن في الدراما الفيلمية وقد زحفت الحرب وأجبرته على أن يكون جزءا منها ولو ضئيلا وغير مرئي عن نزعة الدفاع عن الصورة الأجمل في الذات ومنها العاطفة التي تعصف بها الحرب، وكما شاهدنا ذلك في عشرات من الأفلام التي تروي قصص أمهات يبحثن عن أزواجهن أو أبنائهن فيما ماكنة الحرب لا يتوقف حصادها، وهناك تتجلى تلك الجماليات المشرقة وغير المرئية، وكما شاهدنا ذلك في أفلام مهمة مثل “رسائل من إيوجيما” من زاويتي النظر الأميركية واليابانية وهما تخوضان الحرب ما قبل هيروشيما وناغازاكي، وفي الجهة الأخرى ما شاهدناه في أفلام مثل “عازف البيانو” و”طريق إلى المجد” و”هيروشيما حبيبتي” و”باتون” و”دونكرك” و”1917″ و”جسر على نهر كواي” وغيرها الكثير.

لهذا كله ما تزال دراما الحرب تجذب إليها الشاشة السينمائية، فالقصص الإنسانية لا تكاد تنتهي وتبقى الحرب في صورة غراب ناعق تم تضخيم صوته بشكل مخيف ليطغى على الأصوات الخائفة والهامسة لكائنات هشة تقع ضحية غير متوقعة لدوامة الصراع.

في المقابل هنالك الحرية المفقودة للكائن الأعزل وهو في زنزانة السجن وهو موضوع آخر وثيمة مختلفة اقتربت منها الشاشات وجسدتها في عشرات من الأفلام وهنالك في المقابل ما هو مرتبط بالذات في أزمتها الخاصة ومن ذلك أفلام “الرجل الطائر في ألكتراز” و”الهروب العظيم” و”قطار منتصف الليل” و”قبلة المرأة العنكبوت” و”12 قردا” و”النائمون” وغيرها كثير.

في هذين الفيلمين اللذين يظهران انسحاق الكائن تحت إرادة أقوى منه تتكشف لنا أشكال شتى من المعالجات الفيلمية المتميزة التي في كل مرة سوف تبهرنا عندما يتم البحث في أدق التفاصيل غير المباشرة وغير المنظورة التي تتعلق بالشخصية في أزماتها المتلاحقة.

وفوق ذلك فإن هذا النوع الفيلمي يتيح مساحة واسعة للصراعات التي نبحث عنها والتي هي في جوهرها عنصر نجاح الدراما الفيلمية، على أن هنالك تحديثات حقيقية تتعلق بالمكان وارتباطه بالشخصية وهو ما تتباين المعالجات السينمائية في الكشف عنه، فغالبا ما يكون هنالك مكان مرتبط بالماضي، ولهذا فإن هنالك نوستالجيا تعيدنا إلى جذور الشخصية وما كانت عليه فضلا عن أن الكشف عن المكان في تلك الدراما ما هو إلا مفتاح لمعطيات غير معلومة ومعرفة ومعلومات يتم ضخها للمشاهد لكي يقترب أكثر من الشخصية ويتعرف عليها عن قرب وما هي وكيف كانت في الماضي.

من هذا الكشف المكاني تتجلى جماليات الصورة وحركات الكاميرا والإضاءة في ما يتعلق بجماليات ما هو مرئي، فيما يتكامل ذلك مع حس إنساني عميق وتفاعل مع المكان يقوي الدراما الفيلمية، بينما نشاهد في المقابل أن إغفال تلك التفاصيل يقدم لنا صورة شاحبة أو غير مكتملة عن تلك الشخصية المحاصرة تارة بسبب الحرب وتارة أخرى بسبب كونها بين جدران أربعة في ما يعرف بسينما السجون.

14