الباركور تقود روح الشباب المغامر إلى تخطي الحواجز

الباركور رياضة غير تنافسية تعتمد فلسفة التحكم في العقل للتغلب على أي مخاوف أو آلام.
الأحد 2018/09/16
تغلب على الخوف

على أسطح المباني أو فوق الجدران أو في الشوارع يمارس الشباب رياضتهم المفضلة، ويستعرضون مهاراتهم في القفز والحركة السريعة بخفة وتركيز عاليين من خلال رياضة الباركور، التي تقودها فكرة “الهروب” والحاجة إلى سرعة البديهة والمهارة لتجاوز المواقف الحرجة.

فن الحركة والركض واجتياز الحواجز، يحتاج روحا متمردة مغامرة، ينبغي أن يمتلكها جميع الشباب العرب، الراغبون في التغيير، تسمى رياضة “الباركور” أو فن الركض الحر – وهي رياضة تتطلب سلاسة ولياقة بدنية لكن أيضا خفة كبيرة وتركيزا عاليا لتخطي العقبات التي تواجه الرياضي في الطريق.

تشكل مقاطع فيديو الباركور المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي من مختلف أنحاء العالم، مجالاً للإلهام وابتكار الحركات الجديدة، بالنسبة للكثيرين الذين لا مجال لديهم لتلقي تدريب عملي من مختصين ومحترفين، في المناطق المهمشة على أطراف المدن الكبرى أو حتى البلدان الساخنة التي تجتاحها الحروب ويبحث فيها الشباب عن متنفس ومساحة للأمل مثل ليبيا وسوريا واليمن وقطاع غزة.

رياضة غير تنافسية

الباركور رياضة غير تنافسية وتعتبر حديثة نسبيا، وقد نشأت على يد ضابط بحري فرنسي يدعى جورج هربرت، الذي استطاع أن يتبنى أشكالا جديدة من الألعاب الرياضية التي اكتشفها من مجموعة من القبائل الأصلية في أفريقيا وقد انتشرت هذه الرياضة في فترة الثمانينات وازدهرت في التسعينات، وما تزال تجذب الشباب حتى اليوم في جميع دول العالم، والآن أصبحت من أكثر الرياضات المفضلة للشباب العرب، وقد ظهرت مجموعات خاصة تقوم بأداء هذه الرياضة واستعراضها، فهم يعملون كفرق موسيقية تبدع وتوصل أهدافها وما وصلوا إليه من تميز.

وظهرت الرياضة في السعودية واكتسبت شهرة واسعة وقد أصبحت من أهم الرياضات الشبابية التي تحظى بأعلى نسبة من الإعجاب، وقد انتشرت منذ ظهور شاب سعودي مرتديا الزي السعودي عبر مقطع فيديو وهو يمارس رياضة الباركور في أحد شوارع العاصمة الرياض.

وتم تداول الفيديو بسرعة من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وقد حظي بنسبة مشاهدة كبيرة جدا مع قيام الشاب بحركات خطيرة تتحدى قوانين الجاذبية الأرضية والتحليق في الهواء الطلق وتخطي الحواجز.

الترايسوور يتميز بقدراته البدنية
الترايسوور يتميز بقدراته البدنية

وبدأ عبدالرحمن الشلهوب وهو طالب جامعي في اكتشاف موهبته أثناء مشاهدته لأحد مقاطع الفيديو على يوتيوب، وحاول أن يتحدى كل العقبات وأن يقوم بنفس حركات المحترفين، كما أنه أضاف حركات جديدة، وقد اعتمد على نفسه بأن يدرب نفسه من خلال المواد التعليمية المتوفرة على يوتيوب، وأن يستغل كل لحظة فراغ وأن يقوم بممارسة هذه الرياضة سواء على الجدران أو أسطح المباني أو أي مكان، خاصة وأن رياضة الباركور غير مرتبطة بمكان أو زي ولكن تعتمد على الأسلوب الشخصي والفني لكل لاعب.

 ويطلق على لاعب رياضة الباركور اسم “الترايسوور” والذي يتميز بقدراته البدنية التي من خلالها يتجنب أي إصابات جسدية سواء كانت خفيفة أو بالغة، وتعتمد هذه اللعبة على فلسفة التحكم بالعقل للتغلب على أي مخاوف أو آلام من الممكن أن تحدث أثناء ممارسة هذه اللعبة، ويجب أن يتعلم اللاعب حركات الباركور بالشكل الصحيح ليتمكن من الإبداع وتجسيد ذلك على أرض الواقع.

ولا تعرف رياضة الباركور تمييزا بين الجنسين، فقد اقتحمت مجالها العديد من الفتيات في العالم العربي، وكانت الشابة الإماراتية أمل مراد إحداهن؛ واستطاعت التربع على عرشها في وقت قياسي وأصبحت أول لاعبة ومدربة إماراتية لهذه الرياضة.

وبالرغم من العديد من الصعوبات التي واجهت أمل؛ إلا أن الطموح والإصرار كانا أكبر من كل العقبات، لا سيما وأن هذه الرياضة تهدف إلى مساعدة المتدرب على تحدي عقباته الذهنية والجسدية للوصول إلى هدفه وهذا ما كانت ترغب في تحقيقه. وهي اللعبة الأمثل للراغبين في تعزيز ثقتهم بأنفسهم وتحدي مخاوفهم في حياتهم.

وأحد شروطها عدم الاستعجال، والمثابرة وعدم مقارنة اللاعب نفسه بلاعبين آخرين لأن لكل شخص نقاط قوّة وضعف، وإذا ركز الشخص على نقاط الضعف فلن يتطور ويتقدم. وتطمح مراد بأن تساهم الباركور في إحداث تغير إيجابي لدور النساء في عالم الرياضة.

وحال أمل، كحال العديد من الفتيات في العالم العربي، لجأن لهذه الرياضة كرسالة تحد للعادات الاجتماعية والتقاليد، حيث أنشأت مجموعة من الفتيات في مصر أول فريق نسائي في الشرق الأوسط.

تغلب على الخوف

تحد للعادات الاجتماعية والتقاليد
تحد للعادات الاجتماعية والتقاليد

يجرين ويقفزن في الهواء ويتخطين حواجز في متنزه خال في أحد أحياء القاهرة في الساعات الأولى من صباح أيام الجمعة. وشاركت عشر فتيات في تدريب ارتكز على تعزيز قوة الجزء العلوي من الجسم وتطوير تقنيات جديدة للتعامل مع البيئة المحيطة.

ولحسن حظ الفتيات لم يرصدهن أحد من الناس حيث أن ذلك لا يشعرهن براحة أثناء التمرين، وفي الأيام العادية المزدحمة يحتشد كثيرون لمراقبة الفتيات أثناء تمرينهن كما يصورن التمرينات.

وتقول زينب هلال لاعبة في المجموعة: عدم تقبلنا في البداية أمر طبيعي، خاصة وأن الناس لم يعتادوا مشاهدة مثل تلك المشاهد في الشارع، وأيضا لم يعتادوا تقبل ممارسة البنات للرياضة في الشارع، الفكرة تحتاج إلى وقت أطول حتى تتطور، وتنتشر اللعبة أكثر.

وأضافت: تغلبت على خوفي، وأول مرة نفذت فيها الحركات كنت أخاف من وضع رأسي على الأرض، وبالتمرين تطورت كثيرا ونجحت في التخلص من مخاوفي.

من جانبه قال محمد عمران، مدرب الفريق،: البداية كانت صعبة، والعالم تدريجيا أصبح يعرف ما هي الباركور، خاصة مع انتشار فيديوهات للعبة من داخل وخارج مصر وهو ما ساهم في انتشار الرياضة وانضمام البنات للعبة.

يعد الباركور من الأنشطة البدنية التي يصعب تصنيفها، فلا يوضع في خانة الرياضات المتطرفة ولكن يمكن الإشارة إليه على أنه فن كما هي الفنون القتالية. وقد وُجد الباركور أساسا كطريقة جديدة ومختلفة لتخطي العقبات أو الموانع، وهذه الموانع يمكن أن تكون أي شيء مما يحيط بك من فروع أشجار أو صخور أو قضبان حديدية أو حتى جدران.

وبحسب ديفيد بيل واضع أسس هذا الفن، فإن روح الباركور تقودها فكرة “الهروب” حيث تتولد في هذه الحالة الحاجة إلى سرعة البديهة والمهارة للخروج من المواقف الحرجة.

وإحدى سمات الباركور الرئيسية هي الكفاءة أو الفعالية، والمقصود بها أن الترايسوور لا يتحرك بسرعة فحسب، بل وأيضا يتحرك بالشكل الذي يستهلك أقل قدر ممكن من طاقته، ويوصله إلى هدفه بشكل مباشر. وتقاس أيضا كفاءة الترايسوور بقدرته على تفادي الإصابات سواء الطفيفة منها أو البليغة.

والباركور ليس قائمة من الحركات التي من المفترض بالترايسوور تعلمها. ذلك أن كل عقبة يواجهها الترايسوور تقدم له تحديا مختلفاً في كيفية تخطيها بسرعة وفعالية وذلك على حسب بنية جسم الترايسوور، وسرعة وزاوية اقترابه من الحاجز، قوام ذلك الحاجز وغيرها من العوامل التي يحدد على أساسها الطريقة التي سوف يتخطى بها الترايسوور ذلك الحاجز.

وهذه الشروط للممارسة الرياضة تجعلها متاحة لجميع الشباب وفي مختلف الظروف، ففي ليبيا أصبح من المألوف رؤية شباب يمارسون الباركور، فهذه الرياضة أصبحت تستقطب الكثير في الفترة الأخيرة، ممن يطمحون لاحترافها رغم الإمكانيات الضئيلة والظروف الأمنية الصعبة في البلاد.

وتجدهم على أسطح المباني أو فوق الجدران أو على الشواطئ وداخل الغابات يمارسون لعبتهم المفضلة، ويستعرضون مهاراتهم خلال أوقات فراغهم، ففي ليبيا لا توجد أماكن مخصصة لممارسة هذه اللعبة، تتوفر بها وسائل الحماية والأمان، ولا توجد أندية منظمة أو أي دعم مادي.

متنفس في الحروب

من الأنشطة البدنية التي يصعب تصنيفها
من الأنشطة البدنية التي يصعب تصنيفها

وتعرف الليبيون على رياضة الباركور منذ سنة 2012، إلا أن عدد ممارسيها مازال قليلا جدا، ويتواجدون في بنغازي والعاصمة طرابلس، وذلك بسبب قلة الإمكانيات وغياب الدعم وظروف الصراع في البلاد.

وبدأت هذه اللعبة تلفت الانتباه، خاصة من قبل لاعبي الجمباز الذين تركوا هذه الرياضة وانضموا للباركور.

وساهمت هذه الرياضة في تعزيز الكثيرين لثقتهم بأنفسهم وأبعدتهم عن أشياء كثيرة وأشعرتهم بالسعادة، لأنها أصبحت المتنفس الوحيد للخروج من ضغوط الحياة الصعبة في ليبيا.

وفي سوريا أيضا، بين حارات مدينة حلب القديمة المدمرة، وخاناتها المهجورة التي يخيم عليها الصمت المطبق، اختار عدد من الشبان تلك الأماكن ليمارسوا رياضة “الباركور” على أنقاض مدينتهم المدمرة، بهدف تفريغ الشحنات السلبية الموجودة بداخل كل شخص منهم وتحويلها إلى طاقة إيجابية.

هؤلاء الشبان الذين جمعهم حب رياضة القفز أرادوا إيصال رسالة للعالم بأن مدينة حلب المدمرة، ستخرج من تحت هذا الركام والأحجار المدمرة، وسيعود لهذه المدينة بريقها رغم وضعها الحالي.

ففي طريق يغطيه التراب وتتكدس على جانبيه الحجارة، يجري عدد من فريق باركور حلب، بخفة وهم ينادون بعضهم البعض بألقاب معينة، قبل البدء بالقفز والدوران في الهواء بحركات بهلوانية جميلة تمزق صمت المكان وتعطيه شيئا من الحيوية والضجيج.

وبعد تدريبات بسيطة وقفزات تجريبية على أحد الأبنية المدمرة في حلب القديمة، وجدال بين اللاعبين، يقف اثنان من هؤلاء الشبان ليقفز كل منهما بعكس الآخر دون أن يصدما بعضهما بين تلك الكتل الكبيرة من الأنقاض التي خلفتها الحرب، ليعلو بعدها التصفيق “لقد نجحنا”.

ثم يتابع هؤلاء الشبان مسيرهم إلى مكان آخر يبدو خطيرا، ليقفوا على سوار أحد الجدران القديمة الذي يطل على باب أنطاكية بحلب القديمة، وهنا يبدو المشهد مرعبا منذ بدايته، إذ سيقوم هؤلاء الشبان بالقفز والدوران في الهواء والوقوف على حافة السور الذي لا يتجاوز عرضه الـ50 سم، ثم يتابعون الركض باتجاه حارة ضيقة وهم يقومون بحركات التشقلب في الهواء أثناء الركض.

وقال عمر كوشه البالغ من العمر 30 عاما، أن “رياضة الباركور مصنفة من الرياضات الخمس الأخطر في العالم”، مؤكدا “نحن كشبان نتعرض لضغوط كبيرة خلال الحرب التي عصفت بمدينة حلب فشكلت بداخلنا طاقة سلبية فأردنا تفريغها وتحويلها إلى طاقة إيجابية عبر ممارسة الباركور”.

19