البابا يحمل في قبرص لواء الدفاع عن المهاجرين

البابا فرنسيس: لن تكون جدران الخوف وحقوق النقض التي تمليها المصالح القومية في أوروبا هي التي تساعدها على التقدم.
السبت 2021/12/04
المهاجرون يحتفون بالبابا

نيقوسيا - وجه البابا فرنسيس، الذي بدأ الخميس زيارة إلى قبرص نداء إلى أوروبا إلى تحطيم "جدران الخوف" التي "تمليها المصالح القومية" والانفتاح على الاختلاف والتنوع، في عزّ أزمة هجرة تعاني منها دول القارة الأوروبية وبينها الجزيرة المتوسطية الصغيرة.

وحض البابا على “الحوار” من أجل حل الأزمة القبرصية المستمرة منذ عقود إثر الاجتياح التركي الذي قسم البلاد إلى شطرين، وعبّر عن “قلق شديد” إزاء استمرار الأزمة السياسية والاقتصادية الحادة في لبنان المجاور.

وحطت طائرة الحبر الأعظم (84 عاما) في مطار لارنكا بعد الظهر، وكان في استقباله ممثلون عن السلطات القبرصية وجوقة من الأطفال التي حمل أفرادها أعلام قبرص والفاتيكان وأنشدوا هاتفين “البابا فرنسيس، نحبك”.

وقال البابا خلال لقائه الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس “لن تكون جدران الخوف وحقوق النقض التي تمليها المصالح القومية” في أوروبا “هي التي تساعدها على التقدم، ولا الانتعاش الاقتصادي وحده يضمن لها الأمن والاستقرار”. وأعطى قبرص نموذجا، ليقول “الروح الرحبة والقدرة على النظر إلى ما وراء حدودنا يزيدنا شبابا ويسمح لنا أن نجد من جديد البريق الذي فقدناه”.

وقال الرئيس القبرصي من جهته “زيارتكم إلى بلادنا (…) هي لحظة تاريخية، تشعرنا بتأثر كبير وفرح حقيقي”.

وأعلن أن البابا سينقل إلى إيطاليا خمسين مهاجرا موجودين في قبرص، شاكرا إياه على “مبادرته”.

البابا سينقل إلى إيطاليا خمسين مهاجرا من قبرص في ختام زياته التاريخية إلى الجزيرة المقسمة بسبب الغزو التركي

وكان البابا دعا في المحطة الأولى لزيارته في كاتدرائية سيدة النعم المارونية في العاصمة القبرصية، أوروبا إلى “التغلب على الانقسامات” و”تحطيم الجدران” و”الترحيب والاندماج”، في وقت تعاني القارة من تدفق المهاجرين إليها وترفض دول عدة استقبالهم.

وقال “كلكم حول بحر واحد، البحر الأبيض المتوسط، بحر يروي قصصا مختلفة، وهو مهد حضارات عديدة (…)”، مذكرا أوروبا “أنه من أجل بناء مستقبل يليق بالإنسان من الضروري العمل معا، والتغلب على الانقسامات وتحطيم الجدران وتغذية حلم الوحدة. نحن بحاجة إلى الترحيب والاندماج والسير معا لنكون جميعا إخوة وأخوات”.

ووصل إلى الشواطئ القبرصية خلال السنوات الأخيرة عدد متزايد من المهاجرين.

وتقول السلطات إن قبرص التي تعدّ مليون نسمة لديها اليوم العدد الأكبر من طلبات اللجوء التي يقدمها مهاجرون نسبة إلى عدد سكانها بالمقارنة مع دول الاتحاد الأوروبي الأخرى.

وقبل توجهه إلى قبرص التقى البابا في روما لاجئين من سوريا والكونغو والصومال وأفغانستان وصلوا إلى إيطاليا عبر جزيرة ليسبوس اليونانية. وسبق للبابا أن نقل معه في العام 2016 من ليسبوس ثلاث عائلات سورية مسلمة مهاجرة بشكل غير قانوني إلى الفاتيكان.

وعن الأزمة القبرصية، قال البابا في القصر الرئاسي “الجرح الذي تتألم منه هذه الأرض بصورة خاصة ناتج عن التمزق الرهيب الذي عانت منه في العقود الأخيرة”، مضيفا “إن طريق السلام الذي يشفي النزاعات ويجدد جمال الأخوة يتميز بكلمة واحدة هي الحوار”.

وأضاف أن طريق السلام “ليس سهلا، إنه طويل ومتعرج، ولكن لا توجد بدائل للوصول إلى المصالحة”.

وغزت تركيا الشطر الشمالي من قبرص عام 1974 ردا على انقلاب قام به قوميون كانوا يطالبون بربط قبرص باليونان. وتوقفت المفاوضات التي كانت تجري برعاية الأمم المتحدة بشأن إعادة توحيد الجزيرة منذ العام 2017.

واتهم زعيم القبارصة الأتراك إرسين تتار الخميس السلطات القبرصية بأنها تستخدم زيارة البابا لتسجيل “أهداف سياسية ضد تركيا وضد جمهورية شمال قبرص التركية” التي لا تعترف بها إلا أنقرة.

Thumbnail

وعبر عن أسفه لكون البابا “سيزور القبارصة اليونانيين فقط”، مضيفا “هناك شعبان في قبرص. ليس فقط اليونانيون المسيحيون، إنما أيضا الأتراك المسلمون”.

وقال أناستاسيادس الخميس أمام البابا “للأسف، شعب قبرص، القبارصة اليونانيون والقبارصة الأتراك والموارنة واللاتين والأرمن يعانون منذ 47 عاما نتيجة للاجتياح التركي والاحتلال المتواصل لـ36 في المئة من أرض جمهورية قبرص”.

وتطرق البابا إلى الوضع في لبنان المجاور. وقال في الكنيسة المارونية حيث جلس على يمينه البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي قدم خصيصا من لبنان للمشاركة في استقباله، وعن يساره مطران قبرص الماروني سليم صفير “عندما أفكر في لبنان، أشعر بقلق شديد للأزمة التي يواجهها، وأشعر بمعاناة شعب متعب وممتحن بالعنف والألم”.

وأضاف “إنني أحمل في صلاتي الرغبة في السلام التي تنبع من قلب ذلك البلد”.

ويعاني لبنان منذ أكثر من سنتين من أزمة اقتصادية وسياسية حادة، بينما مؤسساته مشلولة ويشهد نقصا في الخدمات والمواد الأساسية.

ويشكّل القبارصة الموارنة الذين قدم أجدادهم من لبنان وسوريا منذ القرن الثامن، أقلّ من 1 في المئة من سكّان قبرص البالغ عددهم حوالي المليون، وقد نزح معظمهم من قراهم في شمال الجزيرة بعد الاجتياح التركي العام 1974.

والبابا فرنسيس هو البابا الثاني الذي يزور قبرص بعد زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر في 2010 إلى الجزيرة المتوسطية الصغيرة ذات الغالبية الأرثوذكسية والدولة الوحيدة في الاتحاد الأوروبي المقسمة نتيجة اجتياح تركي.

ومنذ أصبح على رأس الكنيسة الكاثوليكية، يولي البابا فرنسيس الحوار بين الأديان وبين المذاهب المسيحية المختلفة أولوية قصوى.

5