الاهتمام السعودي بمواجهة مشروع ترامب يشير إلى عودة متسارعة لتعويض إهمال سابق لملفات إقليمية

غضب المملكة على الحريري الضعيف أو عباس المتردد أو سوريا الأسد قاد إلى مقاطعة متعددة الأوجه.
السبت 2025/02/15
خطة ترامب تربك حياد السعوديين

الرياض - تبدي السعودية اهتماما بمواجهة خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإخلاء قطاع غزة من سكانه وتستضيف لأجل ذلك قمة عربية مصغرة، ما يؤشّر على عودة سعودية متسارعة لتعويض إهمال سابق في التعاطي مع ملفات إقليمية، لكنها عودة متأخرة ستواجه بالكثير من العقبات أبرزها بروز لاعبين إقليميين آخرين صار من الصعب إزاحتهم والحلول مكانهم في الوقت الحالي على الأقل.

ويعتقد مراقبون أن السعودية بالغت في الانسحاب من الملفات الإقليمية المهمة مثل غزة ولبنان وسوريا حتى بدت كأنها غير معنية بالمنطقة ولا تريد أن تتعامل مع قضاياها سلبا أو إيجابا، ما يجعل عودتها الراهنة مهمة صعبة، خاصة أنها عودة مطلوبة وضرورية ولا تسمح بأي غياب جديد مثلما هو الأمر مع ما يجري في غزة، حيث يحتاج الوضع إلى نفوذ إقليمي قادر على تحويل التصعيد إلى تهدئة وليس المتابعة عن بعد.

ويعرف السعوديون، في الوقت الحالي، أنهم مجبرون على التدخل في موضوع غزة للبحث عن حل واقعي ومقبول يمنع خطة ترامب تهجير سكان غزة وتوزيعهم على دول المنطقة، وقد تجد السعودية نفسها معنية باستقبال أعداد من الغزيين أو مطالبة بالإنفاق بسخاء على المخيمات أو المدن المعزولة التي سيتم إنشاؤها لهم في دول أخرى عربية وإسلامية.

لكن كيف سيتدخل السعوديون، ومع منْ لإقناع حماس أو الضغط عليها للقبول بوضع ناشئ في غزة لا يكون لها فيه أي تأثير أو مشاركة في الحكم كشرط ضروري لتعطيل خطة ترامب؟

◙ السعودية بالغت في الانسحاب من الملفات الإقليمية المهمة مثل غزة ولبنان وسوريا حتى بدت كأنها غير معنية بالمنطقة ولا تريد أن تتعامل مع قضاياها سلبا أو إيجابا

ومن المرجح أن تجد السعودية أمامها دولا أخرى ماسكة بملف غزة مثل قطر أو مصر؛ فهل ستقبل الرياض، التي ترى أنها قوة إقليمية متقدمة على غيرها دبلوماسيا وماليا، بالسير خلف الخطة التي تقول القاهرة إنها تُعدها ليصادق عليها العرب ثم تُقدم إلى ترامب كأرضية تفاوض وحوار لمنع تهجير الفلسطينيين وتقسيمهم بين الدول؟ وفي النهاية ستحسب على أنها خطة مصرية وأن السعودية قبلت بها.

ومن غير المعروف ما إذا كانت الرياض ستلجأ إلى قطر من أجل الضغط على حماس للقبول بالتنحي، لكن السؤال الذي يفرض نفسه في هذا السياق هو: ما الذي يجعل الدوحة تقبل بتقديم هذه الخدمة إلى السعودية حتى تبدو صاحبة قرار في الملف الفلسطيني، في وقت يذهب فيه الأميركيون والإسرائيليون إلى قطر للضغط على حماس أو مفاوضتها؟

وكان للانسحاب السعودي من لبنان، كرد فعل على النفوذ الإيراني، تأثير سلبي على دور السعودية مطلقا؛ حيث يُنظر إليها كجهة مانحة بسخاء فيما يعود العائد السياسي إلى جهة أخرى مثل إيران أو فرنسا أو قطر. وفي سوريا لجأت تركيا وقطر إلى المملكة لإكساب شرعية عربية وإسلامية للسلطة الجديدة الموالية لهما من دون تأثير سعودي مباشر على التغييرات التي تجري في دمشق.

وهكذا، فإن الجميع يقرون بوزن السعودية ويسعون إليه، ولكن بهدف توجيهه إلى خدمة أطراف أخرى، وليس ضمن إعادة التأسيس للتأثير السعودي في الإقليم كحاجة ضرورية. وهو أمر مفهوم طالما أن السعودية قد اختارت بنفسها إهمال الملفات التي تجلب لها المشاكل.

◙ المملكة ذكرت مرارا أن التطبيع مع إسرائيل مشروط بوضع مسار لإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة والقدس الشرقية

ويرى المراقبون أن غضب المملكة على سعد الحريري الضعيف أو محمود عباس المتردد أو سوريا بشار الأسد قد قاد إلى مقاطعة متعددة الأوجه يدفع السعوديون اليوم ثمنها باهظا في مواجهة تعقيدات كثيرة بات تأثيرهم فيها محدودا ويحتاج إلى وسطاء.

وستستقبل المملكة قمة خماسية تشمل بالإضافة إلى القيادة السعودية قادة الإمارات ومصر وقطر والأردن، وذلك بالرياض في 20 فبراير “لوضع قواعد مواجهة” خطة ترامب بشأن قطاع غزة، قبل “حشد الدول العربية” خلف “موقف موحد” في قمة طارئة موسعة في القاهرة.

وضمن مساعي السعودية للتأثير في الملفات الخارجية حتى لو تعلق الأمر بملف بعيد عن ملفات المنطقة، رحبت الرياض باستضافة قمة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أراضيها بشأن أوكرانيا.

وقالت مصادر إن الفزع تفاقم في السعودية لأن خطة ترامب ستنطوي على رفْض طلب المملكة مسارا واضحا للدولة الفلسطينية باعتباره شرطا لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهو الأمر الذي من شأنه أن يمهد الطريق أيضا لاتفاق عسكري طموح بين الرياض وواشنطن، والذي سيعزز بدوره أنظمة دفاع المملكة في مواجهة إيران.

وذكرت المملكة مرارا أن التطبيع مع إسرائيل مشروط بوضع مسار لإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة والقدس الشرقية.

وتمسكت السعودية أكثر بموقفها تزامنا مع تنامي الغضب الشعبي بسبب الدمار والقتل في غزة. واتهم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إسرائيل علنا بالإبادة الجماعية خلال قمة إسلامية في نوفمبر وأكد على الحاجة إلى حل الدولتين.

وقال مصدران مخابراتيان إقليميان إن الإحباط شديد في المملكة بسبب الحرب. وبدت الولايات المتحدة مستعدة لتخطي مطلب الرياض إقامة دولتين. وردا على سؤال قبل يوم من تصريحاته بشأن غزة عما إذا كان من الممكن المضي قدما في اتفاق للتطبيع دون حل الدولتين، قال ترامب “السعودية ستكون متعاونة جدا.”

ويوجد حاليا مقترح مصري يبدو أساس المسعى العربي لطرح بديل عن فكرة ترامب ويتضمن تشكيل لجنة فلسطينية لحكم قطاع غزة دون مشاركة حركة حماس، وتعاونا دوليا على إعادة الإعمار دون تهجير الفلسطينيين، إضافة إلى المضي نحو حل الدولتين.

وأوضح مصدر حكومي عربي أن ممثلين عن السعودية ومصر والأردن والإمارات والفلسطينيين سيراجعون ويناقشون المقترح المصري في الرياض قبل طرحه في القمة العربية الطارئة المقرر عقدها في مصر يوم 27 فبراير.

وترفض إسرائيل أي دور لحماس أو السلطة الفلسطينية في حكم غزة أو توفير الأمن هناك. كما تقول الدول العربية والولايات المتحدة إنهما لا تريدان نشر قوات على الأرض للقيام بذلك. وقالت دول الخليج، التي طالما ضخت أموالا لإعادة الإعمار في غزة، إنها لا تريد القيام بذلك هذه المرة دون ضمانات بأن إسرائيل لن تدمر مرة أخرى ما تبنيه.

ونقلت وكالة رويترز عن مصادر أمنية مصرية بعض المقترحات التي تطرحها القاهرة، من ذلك أنه سيتم إنشاء منطقة عازلة وحاجز فعلي لعرقلة حفر الأنفاق عبر حدود غزة مع مصر. وبمجرد إزالة الأنقاض سيتم إنشاء 20 منطقة إسكان مؤقت. وستعمل نحو 50 شركة مصرية وأجنبية أخرى على إنجاز ذلك.

اقرأ أيضا: 

 

1