الانقسامات تهز أحد أكبر الأحزاب الوسطية في الأردن وتضع مشروع التحديث السياسي موضع تساؤل

استقالات من العيار الثقيل في صفوف حزب إرادة.. والدواعي مجهولة.
الأربعاء 2025/02/05
قيادة إرادة أمام اختبار صعب

يواجه حزب إرادة الأردني موجة من الاستقالات طالت أسماء بارزة، فيما لا تبدو الدوافع واضحة، ما يطرح الكثير من التكهنات، من بينها ما يتردد عن وجود تحفظات على توجه للاندماج مع حزب تقدم الذي ينتمي إلى العائلة السياسية ذاتها.

عمان - يمر حزب إرادة، أحد أبرز الأحزاب الوسطية في الأردن، والثالث من حيث التمثيل في مجلس النواب، بأسوأ أزمة داخلية منذ تشكيله قبل نحو ثلاث سنوات، وسط حيرة في صفوف أنصاره حول الأسباب الكامنة خلف الأزمة ومدى قدرة قيادته الحالية على تخطيها.

ويقول متابعون للشأن الأردني إن الأزمة الحالية التي يعاني منها حزب إرادة والتي باتت تهدد وجوده، وضعت خطة التحديث السياسي التي أطلقتها المملكة برعاية الملك عبدالله الثاني، موضع تساؤل، وهي الخطة التي كان يراهن عليها الأردنيون في بناء حياة حزبية قوية تمهد لتشكيل حكومات برلمانية.

وسطع نجم حزب إرادة، خلال العامين الأخيرين، وتكهن له متابعون بمستقبل مشرق، بالنظر لاحتضانه أسماء وازنة ولها بصماتها في الساحة السياسية، وقد تقلدت العديد من تلك الأسماء مناصب عليا في الدولة.

ونجح الحزب، الذي تشكل في العام 2022، في بناء قاعدة شعبية محترمة حيث يقدر عدد أعضائه بأكثر من عشرة آلاف شخص، وحقق الحزب في فترة وجيزة ما عجزت عنه قوى متجذرة منذ عقود في الساحة السياسية، حيث تصدر نتائج انتخابات مجالس المحافظات، العام الماضي، كما تمكن من الفوز بتسعة عشر مقعدا في الانتخابات النيابية الأخيرة.

حزب إرادة شهد بعض الهزات مؤخرا كان من بين دواعيها دخوله في تحالف نيابي مع الحزب الوطني الإسلامي

وقد شهد الحزب بعض الهزات في الفترة الأخيرة كان من بين دواعيها دخوله في تحالف نيابي مع الحزب الوطني الإسلامي، وقبلها فضيحة بيع مقاعد نيابية لمن يدفع أكثر، اتهم بها الأمين العام السابق نضال البطاينة والمرشحين على قائمة ‎حزب إرادة النائب السابق خميس عطيه والنائب السابق دينا البشير.

ويرى المتابعون أنه على الرغم من حالة التكتم الجارية بشأن الأسباب التي ولدت الأزمة الأخيرة، لكن من الممكن أن تكون في ارتباط ببعض الخيارات التي هي محل جدل من قبيل التوجه نحو الاندماج مع حزب تقدم الذي ينتمي بدوره للعائلة الوسطية ويحتل المرتبة الرابعة من حيث نسبة التمثيل في البرلمان.

وضربت موجة من الاستقالات الحزب طالت قيادات من الوزن الثقيل، فيما لم تكشف عن دوافع تلك الاستقالات. وبادر الوزراء السابقون حازم الناصر، ومالك حداد، وعلي الغزاوي إلى تقديم استقالتهم من “إرادة”، وقالوا في بيان مشترك “سنظل مؤمنين بأن العمل السياسي هو وسيلة لخدمة الوطن والشعب والملك وسنستمر ملتزمين بقيم الإصلاح والعدالة والمساواة سواء داخل إطار هذا الحزب أو خارجه.”

المتابعون يشككون في مدى قدرة قيادة حزب إرادة على تخطي الأزمة، بالنظر إلى حجم الاستقالات كما ونوعا، وصعوبة تعويضها

وتبع الوزراء الثلاثة، عضو مجلس الأعيان، شيخ قبيلة بني حسن ضيف الله القلاب. وقال الشيخ القلاب في كتاب استقالته المقدم إلى القائم بأعمال الأمين العام لحزب إرادة المحامي زيد أحمد العتوم إن انسحابه من الحزب يأتي لـ”أسباب خاصة” دون المزيد من التوضيحات.

لتتالى الأنباء في وسائل الإعلام المحلية عن استقالات أخرى من بينهم لوزير النقل الأسبق خالد سيف، والقاضي المتقاعد عامر قاسم القضاة، والذي يشغل عضوية المكتب السياسي في الحزب.

وفي رده على موجة الاستقالات، أطل شباب حزب إرادة الأربعاء ببيان، شددوا من خلاله على أن الحزب باق وثابت وسينتشر أكثر وأنه ليس مجرد فكرة عابرة بل هو مشروع وطني أصيل.

وقال شباب الحزب إن “المرحلة التي نمر بها ليست لحظة ضعف أو استسلام، بل هي اختبار حقيقي لصلابة المبادئ التي تأسسنا عليها بالإجماع، ونعلم تمامًا أن كل لحظة تمر هي خطوة نحو تجسيد مشروعنا الذي لن يتوقف أبدًا، نحن، شباب الحزب، نؤمن أن دورنا اليوم هو أن نكون القوة الدافعة والمحفز للمستقبل، ونحن لا نعمل من أجل أي شخص أو جهة، بل من أجل وطننا، وإيماننا بهذا المشروع الذي جاء عن قناعه، وليس لإرضاء أي طرف، و نؤدي دورنا بكل صدق وأمانة.”

الأزمة الحالية التي يعاني منها حزب إرادة وضعت خطة التحديث السياسي التي أطلقتها المملكة برعاية الملك عبدالله الثاني، موضع تساؤل

وأضافوا في البيان “صحيح أن بعض الأعضاء قد اختاروا الرحيل، لكن إرادة باق ومستمر لأن قوته لا تقاس بعدد المنتسبين، بل بنوعية الأعضاء ومدى إيمانهم العميق بالمبادئ التي تأسس عليها الحزب، إن التحولات التي نعيشها اليوم هي جزء من مسيرة التغيير، والانسحابات لا تمثل إلا فرصة لتقوية الصف الداخلي، ونحن نعرف تمامًا أن الحزب بحاجة إلى أفراد يثبتون في مواقفهم، لا إلى أرقام.”

وتابعوا “ما نمر به الآن ليس أزمة، بل هو اختبار ضروري للثبات على المبادئ، ولن نسمح لأي ضغوط أن تزعزع ثقتنا بما نسعى إليه ونحن نؤمن أن الإصلاح الداخلي هو السبيل الوحيد لمواكبة التحديات، وأن هذا المشروع هو الطريق لبناء مستقبل أفضل، مستمر في نهجه الإصلاحي.. وحيث نستمد قوتنا من شرعية هذا المشروع، الذي انبثق عن منظومة التحديث السياسي.”

وكان الأمين العام لحزب إرادة قلل في وقت سابق من تأثير تلك الاستقالات على تماسك الحزب وهيكليته، قائلا إن “حزب إرادة هو حزب كبير فيه أكثر من عشرة آلاف عضو مسجل، وهو من أكبر الأحزاب الأردنية.”

وأبدى العتوم تفهما لقرارات الاستقالة، لافتا “من الطبيعي أن تظهر تباينات في المواقف والتوجهات ضمن هذا العدد الكبير من الأعضاء،” لكنه عبر عن استياء من توجه الشخصيات المستقيلة إلى الإعلام، قائلا “في الوقت الذي عبرنا فيه عن احترامنا لذلك، إلا أننا نضع علامة استفهام على نشر تلك الاستقالات على المواقع الإخبارية وعلى نطاق واسع وعلى منصات التواصل في حين أن إرسالها ضمن القنوات التنظيمية للحزب كان أولى، وخاصة أن أحد السادة المستقيلين كان قد استقال قبل عدة أسابيع من النشر، وتلك أمور تثير تساؤلات أتركها لكم.”

وأقر العتوم بوجود أزمة داخل “إرادة” عقب هذه الاستقالات، إلا أنه أكد أنها “ليست استثناء عن باقي الأحزاب الأردنية. الفرق بيننا وبين غيرنا هو أننا لا نرضى بالهزيمة، بل نواجه الواقع ونشتق منه الحلول.”

ويشكك المتابعون في مدى قدرة قيادة حزب إرادة على تخطي الأزمة، بالنظر إلى حجم الاستقالات كما ونوعا، وصعوبة تعويضها.

2