الانفلات المرافق للحملات الأمنية ضد "الفلول" يضاعف هشاشة الوضع في سوريا

فرض الأمن وضبطه في عموم سوريا يشكل أحد أبرز التحديات التي تواجه الرئيس الانتقالي.
الخميس 2025/03/06
شبح الماضي القريب يلاحق السلطة الجديدة

يشكل الوضع الأمني التحدي الأبرز الذي يواجه السلطة الانتقالية في سوريا، ولم تنجح الحملات الأمنية التي تشنها أجهزة الأمن في تهدئة الوضع، بل قادت في الكثير من الأحيان إلى نتائج عكسية لما رافقها من تجاوزات راح ضحيتها مدنيون.

دمشق - تحذر أوساط حقوقية وسياسية في سوريا من حالة الانفلات التي ترافق الحملات الأمنية التي تشنها السلطة على ما تسميه “فلول” النظام السابق، والتي تؤدي في معظمها إلى سقوط ضحايا من المدنيين.

وتلفت الأوساط إلى أن الحملات التي تتركز في مناطق في الساحل على غرار اللاذقية ووسط سوريا، من شأنها أن تزيد من تأجيج الأوضاع وتدفع إلى توسيع حلقة التمرد على السلطة الناشئة.

ومنذ سيطرة السلطة الجديدة بقيادة هيئة تحرير الشام على الحكم في دمشق في الثامن من ديسمبر، تسجّل اشتباكات وحوادث إطلاق نار في عدد من المناطق، يتهم مسؤولون أمنيون مسلحين موالين للحكم السابق بالوقوف خلفها. وتنفذ السلطة حملات أمنية تقول إنها تستهدف “فلول النظام” السابق، وتتخللها اعتقالات.

ويفيد سكان ومنظمات بين الحين والآخر بحصول انتهاكات تتضمن مصادرة منازل أو إعدامات ميدانية وحوادث خطف، تضعها السلطة في إطار “حوادث فردية” وتتعهد بملاحقة المسؤولين عنها.

وقتل أربعة مدنيين على الأقل خلال حملة أمنية شنّتها قوات الأمن في مدينة اللاذقية غرب سوريا، وفق ما أفاد به المرصد السوري لحقوق الإنسان الأربعاء، غداة مقتل عنصري أمن برصاص مسلحين قال الإعلام الرسمي إنهم من “فلول” الحكم السابق.

ونقل الإعلام الرسمي عن مصادر أمنية قولها إن قوات الأمن أطلقت الثلاثاء حملة في حي الدعتور، بعد تعرض عناصرها لـ”كمين مسلح” من قبل “مجموعات من فلول ميليشيات الأسد،” ما أسفر عن مقتل اثنين منهم.

مقتل أربعة مدنيين على الأقل خلال حملة أمنية شنّتها قوات الأمن في مدينة اللاذقية الواقعة غرب سوريا

وأحصى المرصد “مقتل أربعة مدنيين على الأقل في الحي، هما عاملا بناء في مبنى قيد الإنشاء وحارسا مدرسة،” مشيرا إلى عودة “الهدوء الحذر” إلى المنطقة “بعد اعتقال عدد من السكان والمطلوبين.”

وأعلن الأمن العام من جهته “القبض على عدد من الأشخاص المتورطين” في الهجوم و”تحييد آخرين”، من دون ذكر عددهم.

ونقلت وزارة الداخلية عن مدير إدارة الأمن العام في محافظة اللاذقية المقدم مصطفى كنيفاتي قوله إنه “بعد تلقي بلاغ حول ما جرى، تم تجهيز قوة أمنية خاصة وجمع المعلومات المتعلقة، والوصول إلى أحد عناصر الخلية الإجرامية، ومداهمة وكرها بشكل فوري.”

وأوضح “أثناء تنفيذ العملية قامت الخلية الإجرامية بإلقاء القنابل على الدوريات الأمنية، ما أسفر عن إصابة عدد من العناصر،” مضيفا “ردّت قواتنا فورا على مصادر النيران، وتمكنت من إلقاء القبض على عدة أشخاص متورطين في هذه الأعمال الإجرامية، إضافة إلى تحييد عدد آخر.”

وشهدت مدينة اللاذقية التي تقطنها غالبية علوية في الأيام الأولى بعد الإطاحة بحكم بشار الأسد توترات أمنية، تراجعت حدتها في الآونة الأخيرة. لكن ما زالت تسجل هجمات عند حواجز تابعة للقوى الأمنية من وقت إلى آخر، ينفذها أحيانا مسلحون موالون للأسد أو عناصر من الجيش السوري سابقا، وفق المرصد.

وزار الرئيس الانتقالي أحمد الشرع قبل أيام المدينة الساحلية ضمن جولة في شمال غرب البلاد، ولاقت الزيارة موجة من الارتياح في صفوف سكان المدينة على أمل أن تخف وطأة الحملات الأمنية لكن لا شيء تحقق على أرض الواقع.

ويقول نشطاء حقوقيون إن غياب مؤسسات دستورية مثل القضاء جعل من تلك الحملات محل مساءلة، وسط اتهامات بأنها تتخذ في الكثير من الأحيان منحى انتقاميا ذا نزعة طائفية، وهو ما لا يخدم جهود بناء سوريا الجديدة.

الحملات التي تتركز في مناطق في الساحل على غرار اللاذقية ووسط سوريا، من شأنها أن تزيد من تأجيج الأوضاع وتدفع إلى توسيع حلقة التمرد على السلطة الناشئة

وبدأت السلطة الانتقالية الجديدة تحركات من أجل تركيز مؤسسات انتقالية، وتم تنظيم حوار وطني وتشكيل لجنة لصياغة إعلان دستوري جديد ينظم السلطات، لكن الأمر يحتاج، وفق محللين، إلى المزيد من الوقت، كما أن هناك حاجة ملحة إلى عقد اجتماعي ومصالحة حقيقية تسحب فتيل التوترات.

ولا تنحصر التوترات في المعاقل المحسوبة على نظام الرئيس السابق بشار الأسد، بل تمتد إلى معظم أنحاء سوريا باستثناء تلك الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية الكردية.

وفي درعا جنوبا نفّذت قوات الأمن الداخلي “حملة واسعة في مدينة الصنمين” في ريف المحافظة الشمالي الأربعاء، بحسب ما أفاد به المرصد، “بهدف البحث عن مطلوبين وأسلحة” غداة اشتباكات بين قوات الأمن ومجموعة قيل إنها “مرتبطة بالأمن العسكري السابق” أدّت إلى مقتل ثلاثة من المسلحين وإصابة “ثلاثة مدنيين بينهم طفل” بجروح.

ونقلت الصفحة الرسمية لمحافظة درعا على قناة تلغرام عن مصدر في الأمن الداخلي قوله إن قوات الأمن “تواصل العمليات العسكرية لتطهير المنطقة من العناصر المسلحة.”

وقال المسؤول في الأمن الداخلي عبدالرزاق الخطيب إن “تعزيزات عسكرية” وصلت صباح الأربعاء إلى المدينة لمداهمة الأماكن التي توجد فيها المجموعات المسلحة الخارجة عن القانون.

وأضاف الخطيب “ما زالت الاشتباكات إلى غاية الآن على أشدها في بعض الأبنية بالحي الجنوبي الغربي للمدينة.” وأعلن عن إصابة أحد عناصر الأمن بجروح جراء “إطلاق نار مباشر” على أحد الحواجز التي نشرت في المدينة الثلاثاء.

وقبل أيام شهدت مدينة جرمانا في محيط دمشق، والتي تقطنها غالبية درزية، توترات بين الأهالي وأجهزة الأمن كادت تتسبب في فتنة، قبل أن يجري احتواؤها.

ويشكل فرض الأمن وضبطه في عموم سوريا أحد أبرز التحديات التي تواجه الرئيس الانتقالي، بعد نزاع مدمر بدأ قبل 13 عاما وتشعبت أطرافه.

ويقول محللون إن هناك حالة من التوجس وانعدام الثقة بين الأقليات والسلطة الجديدة في سوريا، مشيرين إلى أن تجاوزات الأجهزة الأمنية تزيد من تأزيم الأوضاع.

ويلفت المحللون إلى أن هناك عدة قوى مستفيدة من الوضع الهش على غرار عناصر النظام السابق وأيضا إيران وإسرائيل.

2