الانفتاح على مرشحي الرئاسة لا يغيّر صورة الإعلام المصري

اللقاءات مع منافسي السيسي محاولة يائسة لإظهار الحياد والمصداقية.
السبت 2023/12/02
أولويات أهم من الانتخابات في مصر

هدفت استضافة بعض وسائل الإعلام المصرية لمرشحي الرئاسة المنافسين للرئيس عبدالفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية، وفسْح المجال أمامهم لعرض برامجهم، إلى إيصال رسائل إلى الجمهور يفيد مضمونها بأن هذه الوسائل تتعاطي مع الاستحقاق الانتخابي بمهنية وحياد وأنها لا تغلق الباب أمام أي منافس، مع أن هذه المنابر ملك لجهات حكومية أو تابعة لها.

القاهرة - شهدت الأيام الماضية ظهور المرشحين الثلاثة الذين يخوضون المنافسة أمام عبدالفتاح السيسي في الانتخابات الرئاسية، التي انطلق التصويت فيها بالخارج الجمعة، على عدد من وسائل الإعلام وأجريت معهم حوارات مطولة، وتركوا أحرارا في التسويق لبرامجهم كشخصيات سياسية لها خبرة وتملك كفاءة تؤهلها لتولي منصب الرئاسة، وعرضت رؤاهم حول العديد من القضايا التي تهم المواطن المصري.

غير أن هذه الخطوة، حسب متابعين، لم تُحقق الغرض منها وهو تلميع صورة الإعلام الذي يبحث عن تعزيز دوره أكثر من الترويج لمنافسي السيسي، ولم تتفاعل نسبة هامة من المشاهدين مع حوارات المرشحين الذين بلغت جرأة بعضهم في الإدلاء بتصريحات حد مناهضة الحكومة وانتقدت البعض من سياسات وقرارات السيسي.

الإعلام المصري يغيب عنه أن الجمهور أكثر فهما لقواعد اللعبة ويمكنه بسهولة التمييز بين محاولات تخديره أو خداعه

وبدت اللقاءات الإعلامية لمرشحي الرئاسة “باهتة وهادئة وتقليدية ومفتعلة”، بسبب طبيعة الحوارات نفسها وعدم التجهيز لها بشكل يجعلها شيقة ويتفاعل معها المشاهدون، وبدا كل مذيع كأنه يخشى إدخال المرشح المنافس للسيسي في قضية حساسة أو يورط نفسه في انتقاد مباشر للدولة، لتظهر اللقاءات بلا جدوى.

ويرتبط إخفاق الإعلام المصري في استثمار الانتخابات الرئاسية وإظهار الحياد بتوجهاته التي يقوم عليها وحسابات المرشحين أنفسهم الذين يخوضون الانتخابات ولا تعرفهم نسبة كبيرة من المواطنين، وضعف أحزابهم وعدم احتكاكها بالشارع.

كما أن هناك شعورا لدى فئة أخرى بأن المرشحين الثلاثة، وبينهم اثنان يفترض أنهما من المعارضة، وهما عبدالسند يمامة رئيس حزب الوفد وفريد زهران رئيس الحزب المصري الديمقراطي، خاضوا الانتخابات بغرض مساعدة النظام على تلميع الصورة العامة، ويبدو وجودهم في المشهد السياسي أشبه بـ”ديكور”.

وبغض النظر عما إذا كان هذا الاستنتاج صحيحا أم خاطئا، تسببت تصريحات المرشحين وعدم تفاعلهم مع نبض الشارع، كما حال الإعلام تقريبا، في جعل شريحة من الجمهور لا تهتم بلقاءاتهم الإعلامية مهما كانت “شطحاتهم” أو انتقاداتهم الحادة لبعض سياسات الحكومة، معتبرة أن استضافتهم أيضا تمت لاستكمال “الديكور السياسي”.

وقد واجهت وسائل الإعلام وهي في طريقها إلى الترويج لمنافسي السيسي مشكلة دقيقة، وهي أن أغلب المواطنين أسقطوا السياسة من أولوياتهم الآن لشعورهم بأن الدولة خالية من الحراك، وانشغلوا بالهموم المعيشية وتدبير احتياجاتهم وسط الأزمة الاقتصادية، علاوة على أنهم على يقين من أن الانتخابات محسومة سلفا لفائدة السيسي الذي بات تولّيه المنصب مطلبا شعبيا في ظل تصاعد التحديات الأمنية التي تواجه البلاد.

وثمة مشكلة أعمق تتعلق بالإعلام نفسه، حيث أخفق على مدار سنوات طويلة في عدم تقديم رسالة توازن بين دعم النظام الحاكم وفسح المجال أمام أصوات معارضة له، وتمسك بالاصطفاف خلف السلطة بذريعة أنها تواجه تحديات أمنية صعبة.

وتتعامل الكثير من الأصوات الإعلامية التي تتصدر المشهد مع كل رأي معارض على أنه يتبنى خطاب تيارات راغبة في إسقاط الدولة، ووصل الأمر إلى حد اتهام من ينتقدون الأوضاع الداخلية بأنهم “عملاء” يقدمون خدمات مجانية إلى “متآمرين” على الدولة.

وعندما حلّ المرشح الرئاسي فريد زهران ضيفا على الإعلامي أحمد موسى، مقدم برنامج “على مسؤوليتي” عبر فضائية “صدى البلد”، اعترف له زهران على الهواء بأن حملته الانتخابية حذرته من الظهور معه بسبب مواقفه المنحازة كثيرا إلى السلطة، وموقفه العدائي تجاه الأصوات المعارضة.

السيسي في مرحلة جديدة

ورد عليه الإعلامي أحمد موسى بأنه يعترف على الهواء بأنه يدعم الرئيس السيسي في الانتخابات وطريقة إدارته للدولة، وهو الموقف الذي يفسر الأسباب التي حالت دون نجاح الإعلام في ظهوره بشكل إيجابي عند تغطية الانتخابات الرئاسية، لأنه يسعى للإيحاء بالحياد تجاه المعارضة وهو شديد الانحياز إلى السلطة.

ويصعب على الإعلام المصري أن يقنع الجمهور بأنه متوازن لمجرد فسحه المجال أمام منافسي السيسي للترويج لأنفسهم، فالصورة العامة عند الناس تجاه إعلامهم المحلي تشكلت من مواقف قاتمة، تجعل عملية تحسينها عبر قضية بعينها صعبة.

يشير خبراء إلى أن تعمد الإعلامي التأكيد أنه محايد ويتعامل بمهنية عند استضافة قيادة معارضة، مع أنه طوال الوقت يدافع عن الحكومة، يحمل بين ثناياه خداعا كبيرا للجمهور، حيث يسعى إلى إنكار حقيقة إعلامية يعرفها متابعوه.

قال حسن علي أستاذ الإعلام بجامعة قناة السويس لـ”العرب” إن مشكلة الإعلام المصري تأتي من عدم اكتراثه بخطورة الاصطفاف طوال الوقت، وسوف يأتي اليوم يجاهد فيه لإقناع الناس بأنه حيادي، فالمشاهد لا يقتنع بما يقدمه شخص غير مقنع.

وأضاف أن بعض المنابر تمثل عبئا على الحكومة التي لا تدرك ذلك، مع أن التحديات الراهنة تفرض على العقلاء التدخل لإعادة الاعتبار إلى الإعلام المصري، فهناك إيجابيات لا يصدقها الناس بسبب طريقة توصيلها، أو هوية من يقدمونها للجمهور، وهو ما يعني أن كل الأطراف خاسرة.

تعمد الإعلامي التأكيد أنه محايد ويتعامل بمهنية عند استضافة قيادة معارضة يحمل بين ثناياه خداعا كبيرا للجمهور

يغيب عن الإعلام المصري أن الجمهور أكثر ذكاء وفهما لقواعد اللعبة ويمكنه بسهولة التمييز بين محاولات تخديره أو خداعه برسالة مشكوك في أهدافها، وبين أخرى تستحق المشاهدة، وهي معادلة بحاجة إلى تغيير وضبط بما يصب في صالح الدولة.

وترفض شريحة من الجمهور المصري أن تستقطع جزءا من وقتها لمشاهدة لقاءات مفتعلة أحيانا في الإعلام، فعندما يحاور إعلامي مرشحين للإيحاء بأن هناك انتخابات ومنافسين، مع الأمر محسوما فلا جدوى من حواره، نظرا لضعف هؤلاء المنافسين.

ولا يخلو توجه الإعلام المصري إلى فسح المجال أمام المرشحين من أهداف سياسية غير معلنة، وترتبط بإيصال رسالة إلى المعارضة يفيد مضمونها بأنها أساءت التقدير عندما انسحبت بحجة غياب الضمانات أو كتم صوتها.

وتريد الحكومة المصرية إقناع الداخل والخارج بأن هناك انتخابات تتمتع بالتنافسية والحياد الكامل من جانب أجهزة الدولة ووسائل إعلامها، استنادا إلى ظهور منافسين على القنوات ونشر حوارات معهم في صحف رسمية.

ومن غير المتوقع أن تنجح الحكومة في تغيير الصورة الذهنية السلبية عن بعض وسائل الإعلام ومقدمي البرامج، داخليا وخارجيا، قبل أن يتم تصويب مساراتها، على مستوى الوجوه والتصورات والمحتوى، لأن النظام مهما قدم من إيجابيات سوف تظل الأزمة مع الشارع مرتبطة بأن الوسيط يفتقد إلى جزء معتبر من المصداقية ومن ثم التأثير.

5