الانفتاح السعودي لا يتلخص في ردات الفعل على الانتقادات الخارجية

الرياض – يحذّر المراقبون من مبالغة البعض في ربط تسارع وتيرة الإصلاحات في السعودية ذات الثقل الكبير في الشرق الأوسط، بعوامل خارجية من قبيل الانتقادات التي يتعرّض لها الوضع الحقوقي للمملكة، أو التغيير الذي حدث مؤخّرا في الولايات المتحدة بمجيء إدارة ديمقراطية خلفا للإدارة الجمهورية التي كانت قد ارتبطت بصداقة استثنائية مع قيادة البلد الخليجي.
ويرى هؤلاء أن ربط جميع الإجراءات التي اتّخذتها الرياض خلال الفترة الأخيرة من إطلاق سراح سجناء والإعلان عن الإعداد لتغييرات عميقة في منظومة التشريعات تشمل مجال الأحوال الشخصية، يهمل حقيقة أنّ مسارا إصلاحيا بدأ منذ سنوات، وأنّ نتائج ذلك المسار أصبحت ملموسة بوضوح في الجوانب الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وحتى الدينية بمواجهة التفسيرات المتشدّدة للشريعة وتخفيف سطوة رجال الدين على الحياة العامّة.
ويعتبر حقوقيون سعوديون قرارات الإصلاحات القضائية والقانونية التي أطلقها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بأنها خطوة سباقة هدفها صيانة الحقوق وتطبيق العدالة، وإعطاء صورة عن أن السعودية متمسكة بالانفتاح على العالم في شتى مظاهره مع توخي سياسة التهدئة مع الجيران الإقليميين للتأقلم مع المتغيّرات المحتملة في مقاربة إدارة الرئيس جو بايدن لملفات المنطقة.
وكان الأمير محمد، الذي يقود ثورة إصلاحات عميقة في شتى المجالات ضمن “رؤية السعودية 2030″، قد أكد الأسبوع الماضي أن عملية تطوير المنظومة التشريعية مستمرة مع الأخذ فيها بأحدث التوجهات القانونية والممارسات القضائية الدولية الحديثة، بما لا يتعارض مع الأحكام الشرعية، ويراعي التزامات السعودية في ما يخصّ المواثيق والاتفاقيات الدولية التي انضمت إليها.
وتعهّد بايدن خلال حملته الانتخابية بالتدقيق في سياسات السعودية بعد سنوات من العلاقة الوطيدة بين الرياض وسلفه دونالد ترامب، لكنّ المراقبين يرون أن ساكن البيت الأبيض الجديد يعتمد مقاربة وسطية، إذ يرجح أن تعمل إدارته على المحافظة على شراكة أمنية مهمة مع السعودية، بينما تتحرك في الوقت ذاته لإعادة إطلاق المحادثات حول الملف النووي مع طهران، العدو اللدود للرياض.
وسرعان ما انصب تركيز المتابعين للتحولات المتسارعة في الشرق الأوسط في أعقاب تنصيب بايدن، على السعودية التي تعتبر الدولة الأهم والأكبر بين بلدان الخليج العربي، وباعتبارها حليفا استراتيجيا لواشنطن منذ عقود وحتى مع تعاقب الحكومات الأميركية.
وبعد قرابة الشهر من توليه منصبه، لا يزال المراقبون يحذرون إدارة بايدن من الاستسهال في تحديد موقفها من الرياض على أساس الأفكار التقليدية بشأن وضع حقوق الإنسان، والقفز باتجاه إيران مثلما فعل الرئيس الأسبق باراك أوباما، لأن أي خطوة غير محسوبة قد تدفع السعودية إلى إعادة حساباتها والتسلح للحفاظ على أمنها القومي وإحداث توازن مع طهران.
ويرى الكاتب والمحلل السعودي علي الشهابي أنّه “خلافا للتوقعات، تشير جميع الأدلة حتى الآن إلى أن إدارة بايدن ستتبع سياسة معتدلة تجاه السعودية تتكون من إجراءات رمزية لإرضاء بعض العناصر في الحزب الديمقراطي، مع الحفاظ على ركائز العلاقة التاريخية القوية بين البلدين”.
ويدرك السعوديون أهمية مواصلة العمل مع أي إدارة أميركية مهما كانت سياساتها لأنهم على قناعة بأنهم يتعاملون مع مؤسسات الولايات المتحدة وليس مع أشخاص، وهذا ما بدا واضحا من تصريحات وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان الشهر الماضي حين قال إنه “متفائل بأن العلاقات ستكون ممتازة في ظل إدارة بايدن”.
وسعيا إلى تعزيز موقعها مع انطلاق العهد الأميركي الجديد، قادت السعودية حلفاءها الإمارات ومصر والبحرين الشهر الماضي إلى إنهاء المقاطعة الخليجية التي استمرت لأكثر من ثلاث سنوات مع جارتها قطر، بدعوة من الولايات المتحدة الساعية إلى تشكيل جبهة موحّدة ضد إيران.
كما تحرص السعودية على الانفتاح على تركيا بعد مقاطعة عامة لبضائعها العام الماضي، وهو ما أكدته مصادر قريبة من دوائر الحكم في السعودية والتي قالت إنّ الرياض تعمل على خفض حدة توتر العلاقات من خلال إبقاء الخطوط مفتوحة مع الرئيس رجب طيب أردوغان.
وترى كريستين ديوان من معهد دول الخليج العربية في واشنطن أنّه في مواجهة الخطط الأميركية الجديدة لإعادة التواصل مع إيران ومراجعة العلاقات الأميركية – السعودية كان قادة السعودية حريصين على تقديم أنفسهم كشركاء مهمّين في حل نزاعات المنطقة بالنظر إلى العلاقات القديمة التي تربط الرياض بواشنطن.
والتحركات التي قامت بها السعودية مؤخرا تعطي دلالة واضحة على ذلك، وتقول ديوان إن “المصالحة الخليجية رافقتها العديد من التحركات السعودية الأخرى، وكل تلك الأمور تشير إلى تغيّرات في المواقف السياسية التي تم اتباعها بشكل صاخب في السابق من زاوية المصالح الوطنية السعودية، ما يشير إلى مرونة جديدة”.
وتعكس التصريحات الرسمية الأخيرة للمسؤولين الأميركيين أنّ السعودية “شريك أمني”، بعدما كانت إدارة ترامب تصفها بـ”الحليف” والزبون المهمّ للأسلحة الأميركية. ويقول مراقبون إن تغيير اللهجة يوضح أن واشنطن تبتعد عن مفهوم علاقة ترامب بالسعودية، فيما تسعى إلى خفض مبيعات الأسلحة إلى البلد الخليجي.
غير أنّ بايدن تعهّد في الوقت ذاته بالمساهمة في الدفاع عن أراضي السعودية التي تتعرّض بشكل متزايد لهجمات بصواريخ وطائرات مسيّرة ينفذها المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران. وقد ذكرت تقارير أميركية أن الجيش الأميركي يعزّز وجوده في السعودية وسط خطط لتطوير الموانئ والقواعد الجوية في الصحراء الغربية للاستعداد في حالة اندلاع حرب مع طهران.