الانغلاق السياسي لا يشجع أحزاب المعارضة على خوض الانتخابات الرئاسية في الجزائر

"الأرسيدي" يتوجه لمقاطعة الاستحقاق لغياب الشروط الأساسية.
الاثنين 2024/05/20
السلطة تضيق المجال على معارضيها

من المحتمل أن تتوافق أطياف المعارضة السياسية في الجزائر على مرشح تلتف حوله في الاستحقاق الانتخابي الرئاسي، في ظل الانغلاق السياسي والإعلامي الممنهج الذي تتبعه السلطة، وذلك من أجل إحداث توازنات جديدة في المشهد.

الجزائر - بات الانغلاق السياسي والإعلامي القائم في المشهد الجزائري لا يشجّع أحزاب المعارضة على خوض غمار الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها الخريف القادم، وسط تأكيد على غياب الشروط الأساسية لتنظيمها. ويقول مراقبون إن التضييق الممنهج قبيل موعد الاستحقاق المرتقب، قد يدفع بعض أحزاب المعارضة إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية في البلاد.

وأعرب الأمين العام لحزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية عن مخاوفه من المناخ السياسي القائم في البلاد وتأثيراته على الخيارات الإستراتجية الداخلية والخارجية، ولفت إلى شروط إجراء انتخابات رئاسية غير متوفرة حاليا بسبب الانغلاق السياسي والإعلامي الممنهج، ولو أن القرار الأخير في المشاركة من عدمها يعود إلى المجلس الوطني الذي سيلتئم نهاية الشهر القادم.

وكشف رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة الديمقراطية المعارض عثمان معزوز، أمام مناضليه وأنصاره في مدينة البويرة (120 كلم شرقي العاصمة) والتي تعتبر أحد معاقل الحزب، أن الشروط اللازمة لإجراء انتخابات رئاسية في البلاد غير متوفرة، بسبب ما أسماه بـ “التضييق والغلق اللذين تنتهجهما السلطة منذ العام 2020”.

وحملت رسائل الرجل الأول في أبرز الأحزاب الراديكالية المعارضة في الجزائر إشارات إلى أن الحزب يتجه إلى مقاطعة الاستحقاق الرئاسي لما صرح بأنه “يوجد وعي جاد داخل الحزب بأن البلاد تمر بمنعطف حاسم يتعلق بديمومة الأمة”. ويعد الحزب المعروف بالاختصار اللاتيني بـ“الأرسيدي” من الأحزاب القليلة التي حافظت على مواقفها المناوئة للسلطة منذ ما قبل انتفاضة الحراك الشعبي العام 2019، وكان من أبرز القوى التي انخرطت في احتجاجاته منذ انطلاقته إلى غاية توقفه، وتبنت المطالب الداعية إلى التغيير الجذري للنظام السياسي القائم في البلاد ورحيل رموزه من السلطة.

وكان أحد الفاعلين فيما كان يعرف بـ“تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي” منذ العام 2013 قبل أن تتفكك بسبب عدم التوافق حول الموقف من الانتخابات التشريعية التي جرت العام 2017. وترك المتحدث الباب مواربا أمام المتابعين والرأي العام، لما أكد أن القرار النهائي حول المشاركة في الاستحقاق من عدمها، سيفصل فيها اجتماع المجلس الوطني للحزب المنتظر نهاية شهر يونيو القادم.

◙ أطياف المعارضة السياسية في الجزائر قد تتوافق على مرشح في الانتخابات من أجل إحداث توازن مع السلطة

وقال “القرار النهائي يعود إلى المجلس الوطني الذي من المحتمل أن ينعقد في نهاية يونيو المقبل، مباشرة بعد يوم الذاكرة”. وأضاف “من الضروري أن ندعو إلى فهم أفضل لهذه اللحظات الصعبة التي يمر بها الجزائريون وبلدنا، لأننا سنترك بصمتنا، سواء من خلال مشاركتنا أو عدمها، من خلال حضورنا على الميدان، لأنه سيتعين علينا النضال للحفاظ على المكاسب التي دفع الجزائريون ثمنا باهظا من أجلها”.

ولفت المتحدث إلى أن حزبه لا يرغب في استباق القرار النهائي الذي سيتخذه أعضاء المجلس الوطني، لكنه لاحظ وجود وعي جاد داخل الحزب بأن البلاد تمر بفترة حاسمة ومنعطف حاسم، يتعلق بديمومة الأمة، ويوجب ذلك على الفاعلين المستقلين، الموثوقين والمعارضين التفكير جديا في بديل.

وهو ما يطرح فرضية بحث فرصة توافق بين أطياف المعارضة السياسية على مرشح تلتف حوله في الاستحقاق المذكور، وهو الطرح الذي قدمه ناشطون سابقون في الحراك الشعبي، من أجل إحداث توازن مع السلطة وفرض واقع جديد بدل الاستسلام لسياساتها.

ولم يفوت زعيم حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية الفرصة لتوجيه انتقاداته للسلطة بسبب ما وصفه بـ”المناخ السياسي الجامد”، وبـ”إفراط السلطة في سياسة إغلاق الفضاءات الإعلامية والتضييق على الحريات”، فضلا عن التشريعات التي حدت من هامش تحرك المناضلين والناشطين، في إشارة إلى قانون العقوبات الجديد الذي “لا يشجع على التنظيم الحر ولا يساهم في التهدئة داخل المجتمع”.

ويحسب حزب “الأرسيدي”، الذي تبنى النهج العلماني منذ تأسيسه على منطقة القبائل، مما أوقعه في عزلة جهوية، قبل أن يباشر خطوات انفتاحية منذ العام 2013 تجاه التيارات السياسية الأخرى، بما فيها الإسلاميون، وهو ما لوحظ في انخراطه في تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي التي ضمت حينها تيارات سياسية وأيديولوجية متناقضة. ودعا عثمان معزوز، أمام أنصاره ومناضليه، السلطة إلى “ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الوضعية الخطيرة التي تمر بها البلاد، وعدم تفويت الفرصة مرة أخرى لتصحيح مسار البلد لضمان استقراره”.

ويعد الحزب المذكور أول قوة سياسية تلمح إلى إمكانية مقاطعة الانتخابات الرئاسية التي لا يزال يلفها الغموض والترقب، فباستثناء بعض الشخصيات الحزبية التي توصف بـ”المجهرية” التي أعربت عن نيتها لخوض السباق، فإن السلطة لم تكشف عن مرشحها إلى حد الآن، ولو أن كل المؤشرات توحي بالتجديد للرئيس الحالي عبدالمجيد تبون، كما أن الشخصيات المستقلة ذات الوزن الثقيل لا تزال تلتزم الصمت وتكتفي بالانتظار.

ويفصل الجزائريين فارق أقل من أربعة أشهر عن موعد الاستحقاق المقرر في السابع من سبتمبر القادم، وينتظر صدور مرسوم دعوة الهيئة الناخبة بعد أيام قليلة، وفق مقتضيات الدستور التي تلزم رئيس الجمهورية بإصدار المرسوم ثلاثة أشهر قبل الموعد، لكن رغم ذلك يبقى الترقب والجمود سيدي الموقف.

4