الانسحاب من الحوار الوطني يربك حسابات الحكومة المصرية

حزب التحالف الشعبي يضع قدما في الحوار وأخرى خارجه.
الخميس 2023/05/18
المعارضة تريد تجاوز الخطوط الحمراء

القاهرة - أربك حزب التحالف الشعبي الاشتراكي حسابات الحكومة المصرية عقب إعلانه تعليق مشاركته في الحوار الوطني بعدما تأكد أن السلطة ترغب في استمرار القوى المدنية والحزبية لإضفاء جدية على الحوار، وهو ما يريد البعض استثماره للضغط عليها.

وبرر الحزب موقفه بأن الحوار الوطني، الذي بدأ جلساته العملية قبل أيام، عملية شكلية تستهدف وضع رتوش على وجه النظام وتدجين المعارضة، مشترطا تحقق النتائج التي طالبت بها الحركة المدنية الديمقراطية وترتبط بالإفراج عن المحبوسين احتياطيا وسجناء الرأي بلا استثناء، مع اتخاذ إجراءات فعلية لفتح الفضاء العام.

وتمسك التحالف الشعبي، وهو أحد أحزاب الحركة المدنية، بتطرق الحوار الوطني إلى تعديل الدستور، وفتح ملف السياسة الخارجية، ومناقشة متطلبات الأمن القومي، بحجة أنه ليس من حق أحد أن يمنع الكلام في هذه القضايا التي استبعدها منسق الحوار.

وعكس صمت الحكومة ودوائر مقربة منها مشاركة في الحوار الوطني عن التعليق على موقف التحالف الشعبي رفض الابتزاز من جانب قوى مدنية ترغب في فتح ملفات شديدة الحساسية بالتدخل في رسم السياسة الخارجية وتحديد ضوابط الأمن القومي.

وتوقع مراقبون انسحاب قوى حزبية من مشهد الحوار، ما يفسر توسيع دائرة الأحزاب التي لها توجهات معارضة للمشاركة في جلساته، ويؤخذ على الحكومة أنها لم تتخل تماما عن التضييق في المجال العام.

بعض المنابر الإعلامية القريبة من تنظيم الإخوان وجدت في انسحاب التحالف الشعبي فرصة للتشكيك في فرص نجاح الحوار

ويحمل تطرق الحوار الوطني إلى قضايا مرتبطة بالتوجهات الخارجية تجاوزا من جانب المعارضة للخطوط العريضة التي تم رسمها للحوار، وأبرزها عدم التطرق إلى قضايا الأمن القومي وإدارة النظام للسياسة الخارجية.

وتواجه المعارضة اتهامات بعدم القدرة على اتخاذ مواقف توافقية في الأزمات الداخلية وليس منطقيا أن تجبر السلطة على فتح نقاش حول أزمات خارجية.

وقد يتسبب موقف حزب التحالف الشعبي في التأثير على الحوار إذا قررت قوى معارضة السير معه، وسيكون لذلك انعكاس سلبي بالغ على صورة النظام المصري.

وقال نجاد البرعي الحقوقي المعروف وعضو مجلس أمناء الحوار الوطني لـ”العرب”، إن حزب التحالف الشعبي “لم ينسحب وقام بتعليق مشاركته، ولديه ممثلون يشاركون في الجلسات، مثل فاطمة خفاجي عضو مجلس الأمناء، ومصطفى كامل السيد المقرر المساعد للمحور السياسي، وكلاهما ممثلان للحزب”.

وأضاف أن مصر لا تتحمل خلافا حادا بين المعارضة والحكومة ولا بديل عن الحوار لحل المشكلات التي تعيشها البلاد لأن انغلاق الأفق يؤدي إلى تداعيات قاتمة على الجميع، كما أن النظام أبدى حسن نيته في إجراء حوار عقلاني حقيقي، لا مجرد جلسات شكلية، والعبرة ستكون في الإرادة السياسية لتنفيذ المطالب.

ولا يزال سقف مطالب المعارضة مرتفعا، بينما تجد الحكومة نفسها متورطة في حتمية تقديم تنازلات لا تتفق مع سياستها، المهم ألا يفشل الحوار أو ينفك عقد القوى المعارضة، طالما أنها وافقت على الدخول في حوار بعد مفاوضات استمرت عاما.

تطرق الحوار الوطني إلى قضايا مرتبطة بالتوجهات الخارجية يحمل تجاوزا من جانب المعارضة للخطوط العريضة التي تم رسمها للحوار

وما يخفف الضغوط الواقعة على الحكومة أن المعارضة ذهبت إلى الحوار وهي تعاني انقساما حادا، وبعضها يحاول الانسحاب من المشهد حفاظا على ماء الوجه لا أكثر، لكن الأغلبية تتعامل مع الحوار باعتباره الأمل الأخير أمامها للعودة إلى المشهد وتشكيل أداة ضغط على النظام، وما يترتب على ذلك من مكاسب سياسية.

وتقول بعض الأحزاب الفاعلة في الحركة المدنية إن الانسحاب ضرورة في ظل تمسك السلطة بأن يكون الحوار من طرف واحد، ما يتناقض مع حالة الشد والجذب وفتح المجال أمام القوى المشاركة في أن تُدلي برأيها وتقدم مقترحاتها بحرية.

ويذيع الإعلام المصري مختلف الجلسات الحوارية على الهواء مباشرة، مهما تضمنت من آراء معارضة بشكل قاسٍ للسلطة، حتى أن الصحف القومية التي اعتادت الاصطفاف خلف النظام تنشر تغطيات حيّة للجلسات وتسلط الضوء على الانتقادات.

ووجدت بعض المنابر الإعلامية القريبة من تنظيم الإخوان في انسحاب التحالف الشعبي فرصة للتشكيك في فرص نجاح الحوار، وصوّرت الخطوة على أنها تصرف “فضح أهداف الحكومة ومحاولتها تبييض صورتها السياسية”.

ومنذ إعلان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي أن جماعة الإخوان هي الفصيل الوحيد المستبعد من الحوار الوطني ظهرت محاولات مستميتة من إعلامها لإقناع قوى حزبية معارضة بعدم المشاركة في ما اعتبرته “مسرحية هزلية”.

وترى بعض الأصوات أن تجميد مشاركة أي حزب في الحوار الوطني ليس حلا للمشكلات، ولا يُعقل أن تكون جلساته الأولى قد بدأت منذ أيام قليلة ثم تستجيب الحكومة لجميع مطالب المعارضة ثم يعلن أحدها الانسحاب، فتحقيق ذلك يتطلب نفسا طويلا من الطرفين، وشدا وجذبا وإجراءات تشريعية وأخرى مرتبطة بالأمن القومي.

مراقبون توقعوا انسحاب قوى حزبية من مشهد الحوار، ما يفسر توسيع دائرة الأحزاب التي لها توجهات معارضة للمشاركة في جلساته

وكشفت إذاعة جلسات الحوار على الرأي العام عن وجود نوايا لدى الحكومة بتجاوز المواقف السلبية السابقة، وعلى الأحزاب والقوى السياسية الترفع عن التحرك وفق أهداف ضيقة لصالح تحقيق مصالح مواطنين يعولون على نجاح الحوار.

وأكد البرعي أنه على كل طرف المشاركة في الحوار وهو مدفوع بحسابات وطنية، وتجاوز الخلافات لأجل تحقيق هذا الهدف، ومن الطبيعي أن يكون هناك رفض وتأييد وإلا ما كان للحوار قيمة، لافتا إلى أن المعارضة مدفوعة للتمسك بالصبر، والحكومة تتحرك لتحقيق المزيد من الإجراءات على مستوى الاستجابة.

وتواجه الحكومة معضلة مرتبطة بأن مطالب الكثير من القوى المدنية بعيدة عن طموحات المواطن العادي، فهي متعلقة بالحبس الاحتياطي وحرية الرأي والتعبير، وقوانين الانتخابات أو التمثيل النيابي، بينما مطالب الناس وثيقة الصلة بحل تداعيات الأزمة الاقتصادية وإيجاد بصيص أمل لمستقبل آمن وحياة كريمة.

وأفرجت السلطات المصرية عن أكثر من 1400 محبوس على ذمة قضايا رأي منذ إعلان الرئيس السيسي انطلاق الحوار منذ حوالي عام، بينما تصر الحركة المدنية على إطلاق سراح قائمة كاملة قدمتها لأجهزة الأمن، وتتمسك الحكومة بأنها تلتزم بالقانون ولا تميز بين سجين وآخر والجميع لديها سواء.

ولا تقتنع بعض الأصوات المطالبة بالانسحاب من الحوار بأن جلساته الإجرائية على مدار شهور فتحت أفقا جديدا لإمكانية حدوث انفتاح في الفضاء العام، وقللت من فرص الزج بالنشطاء والشباب في السجون، وهو ما يمكن التوسع فيه خلال الفترة المقبلة، كون الحكومة لديها رغبة في طي هذه الصفحة القاتمة.

وتفرض هذه المعطيات على قوى المعارضة أن تساعد النظام على الوصول إلى قواسم مشتركة معها، والكف عن التمادي في وضع شروط تعجيزية تصل إلى حد الابتزاز ولي الأذرع أو التلويح بالانسحاب دوما، طالما أن هناك تعهدات رئاسية بالاستجابة لكل ما تطرحه القوى السياسية ويخدم المصالحة الوطنية.

2