الانتماء العقائدي لا يوجب التفريط في الحقوق المشروعة

الانتماء إلى الدين والمذهب حق مشروع ويعد نوعا من الهوية التي يتمسك بها الإنسان، أما أن يتحول إلى تبعية وعبودية للآخر تحت تأثير الدعوات والشعارات الدينية والطائفية فهذا مرفوض منطقيا وعقلانيا.
الأربعاء 2023/07/19
الهوية والانتماء لا يبرران الخنوع والرضوخ

الانتماء الديني والطائفي لا يبرر التعصب والانحياز التام إلى حد تجاهل المتطلبات الحياتية أو غض النظر عن المظالم من أي جهة أو مكون.

فإذا كانت فئة أو دولة تتبع نفس الدين أو المذهب، فإن ذلك لا يعد مبررا للانحياز إليها حتى لو تجاوزت علينا، أو خالفت القواعد والعلاقات المتعارف عليها.

وهذا ينطبق على دول الجوار، وعلى الأخص إيران التي أصبحت من أكثر الدول المحيطة بالعراق تدخلا في شؤونه الداخلية بدعوى مقاربتها الدينية والمذهبية. حتى بات من الصعوبة بمكان أن يتبوأ أي شخص مسؤولية سياسية أو إدارية رفيعة في العراق دون موافقتها.

وإذا كانت إيران حريصة على الدين والمذهب كما تدعي فعليها حماية أولئك المنتمين إلى نفس الدين والمذهب، لا ابتزازهم بدعوى وحدة العقيدة، أو حماية المقدسات.

◙ إننا مطالبون اليوم أكثر من أي وقت مضى بالانعتاق من الأوهام، والعمل على انتزاع الحقوق المسلوبة. حتى نرتفع إلى إنسانيتنا بالعيش مع أهلنا وضمان مستقبل أولادنا بكرامة

وبالمقابل فإن أولئك المتضررين من الهيمنة الأجنبية، من أي جهة أو دولة كانت لا ينبغي لهم السكوت تحت أي ظرف من الظروف.

إن ضمان الحقوق الإنسانية ومستقبل الأجيال لا يتعلق بالانتماء إلى العقيدة أو المذهب قدر تعلقه بالعدالة والمعاملة بالمثل.

أقول ذلك وأنا أنظر بحسرة إلى الوضع الشاذ وغير الإنساني في العلاقة غير المتكافئة بين العراق وإيران!

إن العقوبات المفروضة على إيران تتطلب مساعدة شعوبها بتقديم التسهيلات اللازمة لها لتجاوز أزمتها، وليس تقاسم الأموال والموارد معها، بل وحتى تفضيلها في كثير من الأحيان على حاجات المواطن العراقي المغلوب على أمره. حتى أصبح الكثير من العراقيين، نتيجة هذه السياسة، تحت خط الفقر.

الذنب في ذلك لا يقع على حكام طهران وحدهم. بل يقع وبدرجة أكبر على أولئك السياسيين الذين يقدمون الأموال الطائلة ويعقدون الصفقات الجائرة مع السلطات الإيرانية لمساعدتهم على البقاء في الحكم أطول فترة ممكنة، ويستوي في ذلك كل من شارك بالسلطة تحت أي مسمى أو مذهب.

وإذا كان السياسي الجشع والفاسد من أي طائفة كانت، يستعمل كل الوسائل، ويرتكب كل الآثام للبقاء في السلطة وزيادة أمواله وأموال كتلته أو حزبه، تحت لافتة حقوق المكون أو حماية المقدسات، أو رفع المظلومية، فإن ابن الشعب المحروم من الشمال إلى الجنوب لا يتوجب عليه السكوت، أو الوقوف متفرجا تحت أي ظرف كان.

إن تفشي المخدرات والبطالة في أوساط الشباب، وقلة الخدمات المقدمة للمواطنين من ماء صالح للشرب وكهرباء وتعليم أساسي ومستلزمات الصحة العامة وإهمال الطرق والجسور والموارد المائية مع تكميم الأفواه وانتهاك حقوق الإنسان الأساسية، كلها أمور توجب على المواطن العراقي إعادة النظر في سلوكه وأفكاره للخروج من المأزق الذي حشر فيه، والانفتاح على العالم بعيدا عن سياسة التجهيل والتعتيم التي تمارس ضده.

◙ إذا كانت إيران حريصة على الدين والمذهب كما تدعي فعليها حماية أولئك المنتمين إلى نفس الدين والمذهب، لا ابتزازهم بدعوى وحدة العقيدة، أو حماية المقدسات

الانتماء إلى الدين والمذهب حق مشروع، ويعد نوعا من الهوية التي يتمسك بها الإنسان. أما أن يتحول إلى تبعية وعبودية للآخر تحت تأثير الدعوات والشعارات الدينية والطائفية، فهذا مرفوض منطقيا وعقلانيا.

فكل شعوب العالم لديها انتماءات وعقائد ولكنها في الوقت نفسه شعوب حرّة، تمارس حقها في الحياة الحرة الكريمة إلى حد الرفاهية.

فلا تجعل أحدا كائنا من كان يدفعك لتكون محروما، أو أسيرا لشخص أو فئة أو دولة!

ما تدافع عنه يجب أن يتحدد بحق الحياة، والعيش الإنساني اللائق لك ولأهلك.

إننا مطالبون اليوم أكثر من أي وقت مضى بالانعتاق من الأوهام، والعمل على انتزاع الحقوق المسلوبة. حتى نرتفع إلى إنسانيتنا بالعيش مع أهلنا وضمان مستقبل أولادنا بكرامة، محتفظين في الوقت نفسه بعقيدتنا وانتماءاتنا. فالهوية والانتماء لا يبرران أبدا الخنوع والرضوخ، أو التنازل عن حقوقنا المشروعة لأي سبب كان.

9