الانتقالي الجنوبي يقطع الطريق على أي مفاوضات جانبية تتم في غيابه بين الشرعية اليمنية والحوثيين

فتح قنوات سرية للتفاوض خروج عن ضوابط الشراكة بين المجلس والحكومة المعترف بها دوليا.
الثلاثاء 2024/07/09
لاءات صارمة ولا تراجع عنها

المفاوضات السرية بين الحوثيين والشرعية اليمنية باستخدام قنوات جانبية قد تمثّل وسيلة مناسبة للدفع بمسار الحلّ السياسي الذي تستعجل المملكة العربية السعودية التوصّل إليه في اليمن، لكنّها تصطدم برفض مكونات أساسية داخل معسكر الشرعية في مقدمتها المجلس الانتقالي الجنوبي المصرّ على المشاركة في أي مسار تفاوضي وذلك لضمان عدم القفز على قضيته الأساسية المتمثلة في استعادة دولة الجنوب المستقلّة.

عدن - أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي رفضه المسبق لأي مفاوضات جانبية قد يتم إجراؤها بين الشرعية اليمنية وجماعة الحوثي.

جاء ذلك على لسان رئيس المجلس عيدروس الزبيدي العضو بمجلس القيادة الرئاسي بقيادة رشاد العليمي، وفي ظلّ أنباء عن رعاية المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان لاتّصالات سرية بين السلطة اليمنية المعترف بها دوليا والحوثيين.

وكانت مصادر سياسية نقلت عنها وسائل إعلام محلية قد كشفت عن إجراء ممثلين عن الطرفين لمحادثات سياسية موازية لجولة المفاوضات حول ملف الأسرى التي احتضنتها الأسبوع الماضي العاصمة العمانية مسقط.

ولم تفض هذه الجولة إلى أي نتائج عملية تذكر عدا الاتفاق على استئنافها بعد شهرين ما جعل بعض الدوائر السياسية تذهب إلى اعتبار ملف الأسرى لم يكن مقصودا لذاته وأنّه كان مجرّد غطاء لإجراء اتصالات سرية في مسقط بين مسؤولين من الشرعية وآخرين من حكومة صنعاء الموازية.

تهديدات الحوثي المفاجئة للسعودية قد تكون صدى لفشل مفاوضات سرية جرت في مسقط وشملت مسائل اقتصادية ومالية

وأشارت المصادر بالاسم إلى كلّ من عبده الحذيفي رئيس جهاز الأمن السياسي وحسام الشرجبي رئيس الفريق الاقتصادي كممثليْن للشرعية، إلى جانب مجموعة من المسؤولين الأمنيين والاقتصاديين في حكومة الحوثيين. وكان لافتا التصريحات السياسية التي صدرت بالتوازي مع انعقاد مفاوضات الأسرى في مسقط وإثرها وتجاوزت كثيرا هذا الملف الإنساني الجزئي.

وقال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان إن خارطة الطريق اليمنية باتت جاهزة وإن بلاده مستعدة للعمل وفقها، مشيرا إلى وجود حاجة للانتقال إلى حالة أفضل في اليمن “لأن الأوضاع هناك لا تزال صعبة، لاسيما على الصعيد الاقتصادي”.

لكنّ زعيم الحوثيين عبدالملك الحوثي شنّ هجوما مفاجئا على السعودية مهدّدا باستهداف مطاراتها وبنوكها، وذلك ردّا على قرارات الحكومة اليمنية المدعومة من المملكة بنقل البنوك من مناطق سيطرة جماعته إلى المناطق التابعة لسلطة الشرعية.

وبدا الهجوم غير مبرّر لكنّ دوائر سياسية يمنية رأت أنّه صدى للمفاوضات السرية التي دارت في مسقط وشملت مسائل اقتصادية ومالية من ضمنها مسألة البنوك، دون التوصل إلى حلّ لها ما جعل الحوثي يصعّد من لهجته تجاه الرياض، ويحاول تسليط المزيد من الضغوط عليها بتهديد مصالحها الاقتصادية الحيوية. ويعتبر فتح قنوات جانبية للتفاوض بين الشرعية اليمنية والحوثيين في منظور المجلس الانتقالي الجنوبي خروجا عن ضوابط الشراكة التي انضمّ المجلس وفقها إلى معسكر الشرعية. وجدد رئيس المجلس التأكيد على ضرورة تفعيل الفريق التفاوضي المشترك لمجلس القيادة الرئاسي وتمكينه من مهامه باعتباره الممثل لكل الأطراف المنضوية في إطار المجلس في أي مفاوضات قادمة لإنهاء الصراع في اليمن.

وجاء ذلك خلال لقاء عقده عيدروس الزبيدي مع سفيرة بريطانيا لدى اليمن عبدة شريف عبر تقنية الاتصال المرئي قال خلاله “لدينا فريق مفاوضات مشترك يمثل مختلف القوى المنضوية في إطار مجلس القيادة الرئاسي، وهذا الفريق يجب تفعيله وتمكينه من مهامه وأي مفاوضات تتم خارج إطاره لن تكون محل قبول أو موافقة من الأطراف المنضوية في إطار المجلس”.

وتم التطرّق خلال اللقاء إلى مستجدات الوضع الاقتصادي وانعكاساته على الأوضاع الإنسانية والجهود الإقليمية والدولية المبذولة للتخفيف من آثار تلك التداعيات على معيشة السكان في مختلف المحافظات. كما شملت المباحثات “مستجدات الأوضاع السياسية على ضوء الجهود المبذولة من قبل المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن والشركاء الإقليميين والدوليين لإنهاء الصراع في البلد”.

هه

وأشار الزبيدي إلى أنّ الحوثيين يواصلون تعنتهم ورفضهم لكل دعوات الحوار، معتبرا أن تصعيدهم المستمر في البحر الأحمر وباب المندب وفي عدد من المحافظات يُثبت عدم جديتهم في التعامل مع كل دعوات السلام.

ويعود تشكيل الفريق التفاوضي الحالي للشرعية اليمنية إلى أكتوبر 2022 عندما قررت رئاسة مجلس القيادة إعادة تشكيل فريقها في المفاوضات السياسية مع جماعة الحوثي في ضوء المستجدّات التي طرأت آنذاك على جهود إرساء السلام في اليمن، وإظهار السعودية قدرا كبيرا من الجدية في الدفع نحو الحل السلمي بمساعدة كبيرة من الأمم المتّحدة.

وروعي مبدأ الشراكة في تشكيل الفريق وذلك لضمان مصالح مختلف الأطراف المنتمية لمعسكر الشرعية والممثلة داخل مجلس القيادة الرئاسي ومن ضمنها المجلس الانتقالي الجنوبي الذي تحمل مصلحته الأساسية الكثير من الاختلاف والتفرّد إذ تتمثل في ضمان أن تفضي أي حلول يتم التوصّل إليها من خلال المفاوضات إلى قيام دولة الجنوب المستقلة على الأرض التي كانت تابعة لتلك الدولة قبل قيام الوحدة مطلع تسعينات القرن الماضي.

وتشكّل الوفد إلى جانب رئيسه وهو آنذاك وزير الخارجية من ثمانية أعضاء أربعة منهم يمثلون كلا من المجلس الانتقالي الجنوبي وحزبي التجمع اليمني للإصلاح ذراع جماعة الإخوان المسلمين في اليمن والتنظيم الوحدوي الشعبي الناصري والمكتب السياسي لقوات المقاومة الوطنية حراس الجمهورية، على أن يمثّل أربعة من الأعضاء محافظات عدن وحضرموت ومأرب وصعدة.

ومثّلت مفاوضات مسقط الأخيرة، بشقيها السرّي والمعلن، في نظر أكثر من طرف شريك في الشرعية تجسيدا عمليا لعدم مراعاة قواعد الشراكة وذلك بفعل ضغوط مسلّطة على العليمي وفريقه من قبل السعودية التي تبدو مستعجلة في التوصّل إلى حلّ سياسي يخلّصها من عبء الصراع اليمني ويهيئ الأرضية لاستكمال مشروعها التنموي الضخم المعروف برؤية 2030 والذي يستدعي قدرا من الهدوء والاستقرار في الإقليم.

مفاوضات مسقط الأخيرة، بشقيها السرّي والمعلن، مثّلت في نظر أكثر من طرف شريك في الشرعية تجسيدا عمليا لعدم مراعاة قواعد الشراكة

وكما لم تُرض جولة مفاوضات مسقط الانتقالي الجنوبي، لم تنل بنفس القدر رضا حزب الإصلاح المتخوّف بدوره من ذهاب الشرعية إلى إنجاز تفاهمات سرية مع الحوثيين لا تراعي مصالح الحزب بما في ذلك سيطرته على محافظة مأرب النفطية ونفوذه السياسي والأمني والاقتصادي داخلها. وقد حاول الحزب بما له من نفوذ داخل الشرعية وباستخدام قوّته الإعلامية التشويش على جولة مفاوضات مسقط متهما الوفد الحكومي بسوء إدارة عملية التفاوض والتنازل عن حقوق أساسية للأسرى والمعتقلين.

ولم يُستدع المجلس الانتقالي الجنوبي للمشاركة في تلك الجولة ما جعله يؤكّد عدم تعامله مع نتائجها. ورأت دوائر سياسية جنوبية أن تغييب الانتقالي الجنوبي عن اجتماعات مسقط مقصود وفيه رسالة واضحة تشير إلى أن الجهات الراعية للمفاوضات لا تريد مشاركة المجلس بوفد منفصل حتى لا يعتبر ذلك بمثابة اعتراف بمسار الانفصال الذي يسعى إليه. كما أنها تعمدت تغييب ممثلين عنه في الوفد الحكومي حتى لا يؤثّر وجوده في مسار التفاوض ويطرح مطالب تتعارض مع توجه عام يقوم على التقريب بين الحوثيين والشرعية بأيّ ثمن.

وتحدثت الدوائر ذاتها عن وجود مساع لتذويب المجلس الانتقالي داخل مؤسسات الشرعية حتى لا يبدو له أيّ تأثير في مسار المفاوضات خاصة أنها تتم برعاية الأمم المتحدة، وأنه يمكن لموقف منفصل من المجلس أن ينقل قضية الجنوب إلى مستوى دولي، وهو أمر يربك الشرعية والحوثيين في آن واحد.

كما لم تستثن تلك الدوائر سلطنة عمان من محاولة تهميش الانتقالي الجنوبي مرجعة ذلك إلى حالة البرود التي تميّز علاقة الطرفين على خلفية تمسك المجلس بأن حضرموت والمهرة تابعتان لمحافظات الجنوب، وهو ما يتعارض مع مصالح السلطنة وحلفائها من بعض القوى والشخصيات الشمالية.

وأكّدت الهيئة السياسية للمجلس الانتقالي الجنوبي في اجتماع سابق لها رفضها المشاركة في أيّ مفاوضات إذا لم تكن قضية شعب الجنوب المحور الرئيس للعملية السياسية وتلبّي تطلعات الجنوبيين. وشددت على أن أيّ حوار أو تفاوض يجب أن يتضمن الإطار الخاص بقضية شعب الجنوب، معتبرة أنه لن تكون هناك أيّ حلول أو سلام ما لم تكن قضية شعب الجنوب حاضرة في مختلف مراحل الحوار أو التفاوض.

 

اقرأ أيضا:

         • في مسار السلام اليمني: جرد حساب

3