الانتقائية في الملف الحقوقي تبقي مصر تحت الضغط

تصعيد الاهتمام بمحدودي الدخل يشكل إحدى الركائز التي تعتمد عليها الحكومة في مجابهة ضغوط المجتمع الدولي بشأن أوضاع حقوق الإنسان.
الثلاثاء 2021/03/16
ملف شائك

القاهرة – يتمسك النظام المصري بخططه الرامية للتعامل مع الانتقادات المتصاعدة في سجل حقوق الإنسان من خلال التأكيد على مفهومه الشامل للحقوق العامة بعيدا عن الحريات السياسية المطلوبة.

وأظهر الرئيس عبدالفتاح السيسي اهتماماً كبيرا بدعم الفقراء ومحدودي الدخل وتحسين البيئة المحيطة بهم، باعتبار أن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لا تنفصل عن مبادئ حقوق الإنسان التي تشمل النواحي المدنية والسياسية.

وأعلن السيسي الأحد إطلاق برنامج جديد للتمويل العقاري لصالح محدودي الدخل لدعم قدرتهم على تملك الوحدات السكنية بقروض طويلة الأجل تقدمها البنوك المحلية لمدة تصل إلى 30 عاما، وبفائدة منخفضة لا تتعدى 3 في المئة.

سعدالدين إبراهيم: تجاهل الانتقادات قد لا يصب في صالح الدولة على المدى القريب
سعدالدين إبراهيم: تجاهل الانتقادات قد لا يصب في صالح الدولة على المدى القريب

جاءت الخطوة عقب بيان مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الذي صدر الجمعة بموافقة 31 دولة، بينها الولايات المتحدة، وأعربت فيه عن قلقها من وضع حقوق الإنسان في مصر بسبب ما وصف بأنه “تقليص الحيز المتاح للمجتمع المدني والمعارضة السياسية، وتطبيق قانون مكافحة الإرهاب في حق منتقدين سلميين”.

واستنفرت دوائر عديدة قواها للتعامل مع البيان ودحضه، وتماشت الردود مع رؤية السيسي التي تؤكد على خصوصية الحالة المصرية، بما يستوجب التعامل مع التهديدات الداخلية والخارجية بالمزيد من الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية من دون إغفال حقوق البسطاء الذين يتوقون لتحسين أوضاعهم المعيشية.

تنسجم هذه التقديرات مع المزاج الشعبي العام الذي بات غير مكترث بممارسة السياسة، ولا يبدي اهتماماً بأوضاع الأحزاب الضعيفة، ولا يتعاطف مع منظمات المجتمع المدني سوى النخب، ما جعل تركيز الحكومة ينصب على المبادرات التي تحاول حل مشكلات شريحة كبيرة من الفقراء بعد سنوات طويلة من التهميش.

وقال وزير الخارجية المصري سامح شكري الأحد إن “مصر تهتم بملف حقوق الإنسان بمفهومه الشامل، وتمضي في خارطة الطريق الرامية لتجاوز أي سلبيات وتمنح المواطن حقوقه في إطار خصوصيات المجتمع، ومراعاة كافة الاعتبارات والعمل على تنفيذ الاستحقاقات المؤكدة”.

ويرى مراقبون أن تصعيد الاهتمام بمحدودي الدخل يشكل إحدى الركائز التي تعتمد عليها الحكومة في مجابهة ضغوط المجتمع الدولي بشأن أوضاع حقوق الإنسان، وقدرتها على جذب الفئات المستفيدة من خدماتها سوف تجعلها تقف على أرض صلبة.

وتبنت الحكومة جملة من المبادرات استهدفت الوصول إلى ما يقرب من 60 في المئة من المواطنين في القرى والنجوع الصغيرة عبر مبادرة “تطوير الريف” و”حياة كريمة” و”تكافل وكرامة” و”مسكن لكل مواطن”، وغيرها من المشروعات التي تحقق هدفا يرتبط بتعميق جدار الثقة بين النظام والمواطنين.

وبدا الاهتمام لافتا في وسائل الإعلام الرسمية بهذه المبادرات لترسيخ المفهوم المصري لحقوق الإنسان، وتوصيل رسالة للخارج تشي بأن تخفيف معاناة الغالبية أهم من الرفاهية المتمثلة في الحريات، والتي لن تؤدي إلى سد حاجات الناس.

وقال أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية بالقاهرة سعدالدين إبراهيم، إن الدولة لديها أولويات بشأن الاهتمام بحقوق الإنسان وتضع في مقدمتها احتياجات المواطنين الأساسية، من المأكل والمشرب والخدمات المحيطة بهم ثم الصحة والتعليم، على أن يأتي في المؤخرة التعبير عن الرأي والحريات السياسية.

وأضاف في تصريح لـ”العرب”، لا يمكن الاهتمام بجانب على حساب آخر وقد يكون هناك تفهم في فترات سابقة عانت فيها البلاد من أوضاع أمنية غير مستقرة حسب فقه الأولويات، لكن الأوضاع الداخلية والخارجية الآن تبدلت، ما يفرض على الحكومة أن تُغير من خططها لأحداث التكامل بين الملفات.

وذهب متابعون للتأكيد على أن استقرار الأوضاع الأمنية يجعل التركيز على جانب من الحقوق وإغفال أخرى غير مجد على مستوى التعامل مع نوعية الضغوط الخارجية، والاهتمام بالطبقات الفقيرة غير محمود العواقب لأن انعكاس المبادرات الحالية على الموطنين بحاجة إلى سنوات طويلة لجني الثمار.

عبدالغفار شكر: الاهتمام بالفئات الفقيرة ليس دعامة قوية للتعامل مع الضغوط
عبدالغفار شكر: الاهتمام بالفئات الفقيرة ليس دعامة قوية للتعامل مع الضغوط

ولفت هؤلاء إلى أن التعامل مع انتقادات حقوق الإنسان لابد أن يتضمن مصفوفات زمنية واضحة بشأن التوجه نحو تطوير الحقوق السياسية والمدنية التي سجلت تراجعاً في مصر، ومن المهم أن يركز الخطاب على المكتسبات التنموية التي تحققت مع ربطها بمدى التطور على مستوى الحريات العامة.

في رأي الحقوقي المخضرم سعدالدين إبراهيم، فإن تجاهل الانتقادات الغربية قد لا يصب في صالح الدولة المصرية على المدى القريب، حتى وإن توجهت إلى دعم الفقراء ومحدودي الدخل، فالضغوط الخارجية ربما تأخذ في التصاعد مستقبلاً.

وطالب حقوقيون بضرورة التعامل مع توصيات المجلس الدولي لحقوق الإنسان والتي شملت 400 توصية قدمت منذ عامين بالمزيد من الانفتاح، وتهيئة البنية التشريعية التي تضمن الحفاظ على حقوق السجناء التي تأتي منها غالبية الانتقادات على أن لا يتعارض ذلك مع إجراءات الدولة في التعامل مع المتورطين في جرائم إرهابية.

وأوضح نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان (حكومي) عبدالغفار شكر، أن الحكومة تعزز أدواتها في التعامل مع أي تحركات خارجية ترى أنها تحمل مكونات سياسية بعيداً عن سياق سجلها الحقوقي، ما يظهر من خلال ردود الفعل التي أخذت أشكالا مختلفة بينها تصعيد الاهتمام بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية.

وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن البيانات الصادرة بين حين وآخر لا تمثل تهديداً للدولة، غير أن الرد عليها يجب أن يأخذ في الحسبان أنها ستكون قابلة للتصاعد مستقبلاً، وربما تصل إلى حد التلويح بفرض عقوبات.

وأكد شكر أن الاهتمام بالفئات الفقيرة عبر منظومة مساعدات سخية لن يشكل دعامة قوية في تعامل الحكومة مع الضغوط الدولية، لأن المجلس الدولي لحقوق الإنسان يرفض المقايضة بين الحريات وغيرها من الحقوق.

وحتى الآن لا يحتل التركيز على أوضاع الفقراء والمهمشين اهتماما كبيرا على المستوى الدولي، وتنصب الأضواء على الحريات المرتبطة بالجوانب الأمنية التي تضمنتها تقارير منظمات حقوقية محلية ودولية مؤخرا، وهو ما يضع الحكومة المصرية في معادلة صعبة، تحتاج إلى تفكيك عقدها تدريجيا.

2