الانتخابات المحلية الليبية على المحك وسط صراع سياسي وتحديات متصاعدة

طرابلس - تواجه الجولة الثانية من الانتخابات المحلية في ليبيا تحديات كبيرة، حيث ظهرت أربع عقبات رئيسية تهدد سير العملية الانتخابية في 62 مجلسًا بلديًا، تتمثل في استبعاد مرشحين ذوي سجلات إجرامية، وحملة اعتقالات بحق آخرين، وضعف الإقبال على التسجيل، ونقص التمويل.
وتجري الانتخابات البلدية في ليبيا عبر مجموعتين، وقد نُظمت المرحلة الأولى في 16 نوفمبر الماضي، وبلغت نسبة المشاركة 74 بالمئة من الناخبين المؤهلين.
وكشف النائب العام الليبي الصديق الصور الأسبوع الماضي عن وجود 228 مرشحًا من أصل 4114 يواجهون سجلات إجرامية مثبتة، بما في ذلك تهم خطيرة مثل القتل والفساد.
وقال الصور حينها إن "المتهمين يواجهون تهمًا مختلفة من بينها القتل والتهديد وتعاطي المُسكرات وهتك العرض والمواقعة وسرقة المال العام والتشهير".
وعلى صعيد موازٍ، انتشرت أنباء على نطاق واسع عن حملة اعتقالات ضد عدد من المترشحين للانتخابات البلدية في غرب البلاد، مما أثار مخاوف بشأن التدخل السياسي في العملية الانتخابية.
وحسب المعلومات المتداولة، فقد باشر جهاز الأمن الداخلي برئاسة لطفي الحراري اعتقالات ضد مرشحين، ولم يصدر عن الأخير تعليق رسمي على هذه المعلومات، ما يزيد من حالة الغموض والتوتر المحيطة بالانتخابات.
وفي هذه الأثناء، أعربت المفوضية الوطنية العليا للانتخابات عن قلقها إزاء ضعف الإقبال على التسجيل في المرحلة الثانية من الانتخابات، وقالت إنه "لا يرتقي لحجم البلديات المستهدفة"، مما دفعها إلى تمديد فترة تسجيل الناخبين حتى السادس من أبريل المقبل.
وعزا عماد السايح رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات ضعف الإقبال إلى عدة عوامل، على رأسها "محدودية حملات التوعية التي تنفذ من المفوضية وشركاتها بسبب نقص التمويل الذي يفترض أن يخصص لإنجاز هذه العملية".
وتعاني المفوضية الوطنية العليا للانتخابات من نقص حاد في التمويل، حيث سبق أن طلبت في عدة مكاتبات تخصيص مبلغ 30 مليون دينار لتغطية تكاليف عملية انتخاب مجالس تلك البلديات، إلا أن حكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها "لم تستطع بما لديها من قدرات وإمكانات مالية إلا أن تخصص نصف المبلغ أي 15 مليون دينار"، وفق بيان المفوضية.
وتواجه الانتخابات المحلية في ليبيا تحديات جمة، أبرزها نقص التمويل الذي يعيق قدرة المفوضية على تنظيم انتخابات نزيهة وشفافة. وتتضافر هذه المشكلة مع حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني التي تشهدها البلاد، مما يؤثر بشكل مباشر على سير العملية الانتخابية.
ورغم أهمية استبعاد المرشحين ذوي السجلات الإجرامية لضمان نزاهة الانتخابات، إلا أن ذلك يثير تساؤلات حول فعالية آليات الرقابة.
وتثير حملة الاعتقالات الأخيرة مخاوف جدية بشأن التدخل السياسي في الانتخابات، مما يستدعي إجراء تحقيق شفاف ومستقل لكشف ملابساتها وتجنب تكرارها.
كما يشير ضعف الإقبال على التسجيل إلى وجود فجوة بين المواطنين والعملية الانتخابية، مما يستدعي تكثيف جهود التوعية والتثقيف الانتخابي لتشجيع المشاركة.
من الممكن أن تؤدي هذه العقبات مجتمعة إلى تأجيل أو إلغاء الانتخابات المحلية، مما يزيد من حالة عدم الاستقرار السياسي في ليبيا. كما قد يؤدي ضعف الثقة في العملية الانتخابية إلى عزوف الناخبين عن المشاركة، مما يقوض شرعية المجالس البلدية المنتخبة.
ولذلك، تتطلب مواجهة هذه العقبات جهودًا متضافرة من جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، وحكومة الوحدة الوطنية المنتهية ولايتها، والمجتمع المدني، والمجتمع الدولي.
وتتعدد الأطراف التي يمكن أن تكون مسؤولة عن العقبات التي تواجه الانتخابات المحلية في ليبيا، وتتنوع دوافعها، مما يعكس تعقيد الوضع السياسي والأمني في البلاد.
وقد تسعى بعض الجهات السياسية المتنافسة إلى عرقلة الانتخابات لضمان بقاء الوضع الراهن الذي يخدم مصالحها، خوفًا من تغيير موازين القوى.
كما يمكن أن تسعى جهات أمنية إلى فرض سيطرتها على العملية الانتخابية، مستخدمة الاعتقالات والتضييق على المرشحين للتأثير على النتائج.
ومن جهة أخرى، قد يكون نقص التمويل الذي تعاني منه المفوضية الوطنية العليا للانتخابات ناتجًا عن عدم تخصيص الحكومة للميزانية الكافية، أو عن وجود جهات داخل الحكومة تعرقل هذا التخصيص.
وتساهم حالة الفوضى وعدم الاستقرار الأمني المنتشرة في ليبيا في عرقلة العملية الانتخابية، في ظل غياب سلطة مركزية قادرة على فرض القانون والنظام.
ولا يمكن إغفال التدخلات الخارجية التي قد تسعى إلى عرقلة الانتخابات لضمان بقاء الوضع الراهن الذي يخدم مصالحها في ليبيا، من خلال دعم جهات داخلية لعرقلة العملية الانتخابية.
وتتنوع أسباب عرقلة العملية الانتخابية، وتشمل الحفاظ على السلطة، وحماية المصالح الاقتصادية، والتأثير السياسي، والخوف من التغيير. ويزيد من تعقيد الوضع تداخل مصالح العديد من الأطراف الداخلية والخارجية، مما يجعل من الصعب تحديد مسؤولية طرف واحد عن عرقلة الانتخابات.
ويرى باحثون أن نجاح الانتخابات المحلية مؤشر نسبي على إمكانية استعادة مسار الانتخابات الليبية. لكن مركز "المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة" رصد تحديات تواجه هذا المسار.
ويقول المركز البحثي "لا تزال قضايا توحيد المؤسسات السيادية، وضمان نزاهة الانتخابات، والاتفاق على قاعدة دستورية موحدة، تقف حجر عثرة أمام تحقيق تقدم حقيقي في العملية الانتخابية".
وحسب أحدث أرقام رسمية، فقد بلغ عدد المسجلين للتصويت في المرحلة الثانية من الانتخابات البلدية المقرر إجراؤها في 62 مجلسًا بلديًا نحو 449 ألفًا و616 ناخبًا وناخبة، وذلك حتى 25 مارس 2025.
ويبلغ إجمالي عدد المسجلين من الرجال 316 ألفًا و723 ناخبًا، بينما بلغ إجمالي عدد المسجلين من النساء 132 ألفًا و893 ناخبة.
على الصعيد الخارجي، فقد واصلت دول متداخلة في الشأن الليبي دعمها للانتخابات البلدية، إذ بحث رئيس مجلس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات عماد السايح مع السفير البريطاني مارتن لونغدن "مستوى جاهزية المفوضية للمرحلة الثانية من الانتخابات".
كما أطلع السايح السفير الفرنسي مصطفى مهراج على جاهزية المفوضية لتنفيذ انتخابات المجموعة الثانية من المجالس البلدية في العام 2025.
وتشهد ليبيا نزاعات وانقسامات منذ العام 2011، حيث تدير شؤونها حاليا حكومتان متنافستان: الأولى في طرابلس (غرب) برئاسة عبدالحميد الدبيبة، والثانية في بنغازي (شرق) برئاسة أسامة حماد، وتحظى بدعم البرلمان، وقائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر.
وجرت في ليبيا في صيف 2012 انتخابات لاختيار 200 عضو للمؤتمر الوطني العام (البرلمان)، قبل تنظيم انتخابات بلدية خريف 2013، كما عقدت ليبيا انتخابات برلمانية في صيف العام 2014 ولم تشهد مشاركة واسعة نتيجة لتفشي العنف آنذاك.
وتأجل إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في العام 2021، حيث عقد عليها الليبيون الآمال لإنهاء الانقسامات.