الانتخابات المبكرة تعود إلى الواجهة في لبنان

تتسارع المفاوضات في لبنان لإيجاد خليفة للرئيس ميشال عون. وحتى اليوم، لم تكن اثنتا عشرة جلسة انتخابية في البرلمان كافية لإخراج اسم وتخطي الأغلبية الواضحة والاتفاق بين حزب الله وخصومه. ويحدث كل هذا في وقت تتصاعد فيه الضغوط الخارجية على بيروت.
بيروت - عادت الانتخابات المبكرة إلى الواجهة في لبنان كأحد الخيارات لتجاوز الجمود السياسي في البلد المنهك اقتصاديا بعد فشل البرلمان في انتخاب رئيس جديد للجمهورية للمرة الثانية عشرة على التوالي، إلا أن محللين يشككون في جدوى هذا الخيار ويدرجونه في خانة تسجيل نقاط والإيهام بوجود حراك سياسي لتجاوز الأزمة، لاسيما من قبل الجهات المقترحة. واقترح نائب رئيس مجلس النواب اللبناني إلياس بوصعب إجراء انتخابات نيابية مبكرة في البلاد في حال لم يتمكن المجلس من انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية.
وقال بوصعب في تصريحات صحفية بعد لقائه رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري الجمعة “ما عرفته من الرئيس بري أن الحوار هو الباب الأفضل ولكن إن كان الفرقاء لا يريدونه فهو مستعد للدعوة إلى جلسة جديدة لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية". وأضاف "اقترحت على الرئيس بري أن نُجري انتخابات نيابية مبكرة في حال عجزنا عن إنجاز الاستحقاق الرئاسي".
ويقول مراقبون إن الانتخابات المبكرة في صورة التوافق على إجرائها بين الفرقاء السياسيين ستفرز تقريبا نفس المشهد السياسي الراهن الذي يتعذر فيه الإجماع على رئيس توافقي للجمهورية وبالتالي الدوران في حلقة مفرغة. ويشير هؤلاء إلى أن تدوير فكرة الانتخابات المبكرة يدخل في باب تسجيل نقاط ضد الخصوم، وليست مقترحا جديا يخرج البلاد من أزمتها السياسية.
ويتطلب إجراء انتخابات مبكرة موافقة الفرقاء السياسيين والحكومة أيضا، إذ عليها أن تستعد لوجستيا وماليا وأمنيا لمثل هذه الاستحقاقات. وسبق أن رفض حزب الله إجراء انتخابات مبكرة في وقت سابق من عام 2020.
وكان مجلس النواب اللبناني فشل في انتخاب رئيس للبلاد في دورته الأولى، في الجلسة التي عقدت الأربعاء وبعد قرابة خمسة أشهر من آخر جلسة لانتخاب رئيس، والتي كانت مكتملة النصاب البالغ 128 نائبا، حيث حصل الوزير السابق جهاد أزعور على 59 صوتا، وسليمان فرنجية 51، وورقة بيضاء واحدة، والوزير السابق زياد بارود 6، والأوراق الملغاة 1، وقائد الجيش جوزيف عون 1، ولبنان الجديد 8 أصوات.
ووصف عدد من النواب في لبنان الجلسة بأنها غير دستورية، وطالبوا بإعادة التصويت، حيث أنه باحتساب الأصوات يتبين أن العدد 127، وبالتالي هناك ورقة مفقودة. ويحتاج أي مرشح في الدورة الأولى إلى 86 صوتا للفوز بمنصب رئيس الجمهورية اللبنانية، وفي الجلسة الثانية يحتاج إلى 65 صوتا أي النصف زائدا واحدا.
ومنذ انتهاء ولاية الرئيس اللبناني السابق ميشال عون في نهاية أكتوبر من العام 2022، فشل البرلمان اللبناني في انتخاب رئيس للبنان في وقت لا يحظى أي فريق بأكثرية تمكنه منفردا من إيصال مرشحه إلى المنصب الشاغر حتى الآن.
وبفعل تعقد الحسابات السياسية والطائفية في لبنان، فإن اختيار رئيس للبلاد، أو حتى تشكيل حكومة أو تكليفها، يستغرق في العادة أشهرا عديدة. وفي العام 2016 وبعد أكثر من عامين على الشغور في سدة الرئاسة جاء انتخاب عون رئيسا للبلاد بعد 46 جلسة برلمانية بموجب تسوية سياسية بين الفرقاء السياسيين.
لكن الفراغ السياسي القائم في لبنان حاليا يبدو مختلفا في ظل أزمة اقتصادية غير مسبوقة تعاني منها البلاد وأفقدت العملة المحلية أكثر من 98 في المئة من قيمتها منذ عام 2019. وأعربت مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان عن قلقها من تفاقم تآكل مؤسسات الدولة اللبنانية بسبب الجمود السياسي الحالي، بعد فشل انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية مجددا.
وقالت المجموعة في بيان الجمعة، إنها "إذ تأخذ علما بالتصويت الذي جرى يوم 14 يونيو في البرلمان، فإنها تأسف لعدم انتخاب رئيس للبنان بعد اثنتي عشرة جلسة انتخابية غير حاسمة". وأعربت “عن قلقها العميق من أن يؤدي الجمود السياسي الحالي إلى تفاقم تآكل مؤسسات الدولة وتقويض قدرة لبنان على مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية والمالية والأمنية والإنسانية الملحّة التي يجابهها"، بعد مرور ثمانية أشهر من دون رئيس ومن دون حكومة كاملة الصلاحيات.
◙ الانتخابات المبكرة في صورة التوافق على إجرائها بين الفرقاء السياسيين ستفرز تقريبا نفس المشهد السياسي الراهن الذي يتعذر فيه الإجماع على رئيس توافقي
وحثت مجموعة الدعم الدولية "القيادات السياسية وأعضاء البرلمان اللبناني، من أجل مصلحة الشعب اللبناني وحرصا على استقرار البلاد، على تحمل مسؤولياتهم وإعطاء الأولوية للمصلحة الوطنية من خلال انتخاب رئيس جديد دون مزيد من التأخير". واعتبرت أن "أي استمرار للوضع الراهن غير المستدام لن يؤدي إلا إلى إطالة وتعقيد مسيرة تعافي لبنان فضلا عن تفاقم المصاعب التي يواجهها الشعب".
وتضم مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان كلا من الأمم المتحدة وحكومات الصين وفرنسا وألمانيا وإيطاليا والاتحاد الروسي والمملكة المتحدة والولايات المتحدة مع الاتحاد الأوروبي وجامعة الدول العربية. وتم إطلاقها في سبتمبر 2013 من قبل أمين عام الأمم المتحدة والرئيس اللبناني الأسبق ميشال سليمان من أجل حشد الدعم والمساعدة لاستقرار لبنان وسيادته ومؤسسات دولته.
ولا تزال الطبقة السياسية في لبنان بكامل مكوناتها اليوم تتصارع في ما بينها، وفشلت في القيام بإصلاحات ضرورية يضعها المجتمع الدولي شرطا لحصول البلاد على دعم مالي يساعدها على الخروج من دوامة الانهيار الاقتصادي.
ومنذ بدء الأزمة في لبنان في خريف عام 2019، وهي من بين أسوأ الأزمات في العالم منذ عام 1850 بحسب البنك الدولي، فقدت الليرة اللبنانية 90 في المئة من قيمتها مقابل الدولار في السوق السوداء. ويعيش نصف الشعب اللبناني تحت خطّ الفقر، بحسب الأمم المتحدة، ويعاني البلد نقصا خطيرا في الوقود والأدوية.
وفقدت العملة اللبنانية 90 في المئة من قيمتها، ودفع التضخم بأكثر من نصف سكان البلاد إلى العيش تحت خط الفقر وتخلف لبنان عن سداد ديونه، واتخذت البنوك إجراءات تكاد تحول بين زبائنها وودائعهم الدولارية.