الانتخابات الليبية تدخل مرحلة الشك بانتهاء آجال القاعدة الدستورية

طرابلس – سلّط تجاوز ملتقى الحوار الليبي المهلة المحددة لإنهاء القاعدة الدستورية وقانون الانتخاب الضوء على صعوبة إجراء الانتخابات في موعدها، وسط تفاقم التبيانات بين الفرقاء الليبيين حول الكثير من الملفات، على رأسها شروط الترشح لرئاسة الجمهورية.
ومرّ الأول من يوليو، دون أن يتمكن ملتقى الحوار الليبي من إنهاء القاعدة الدستورية، ولم ينجز مجلس النواب قوانين الانتخابات المطلوبة، للشروع في التحضير للاقتراع البرلماني والرئاسي وإجرائه في موعده المحدد في 24 ديسمبر المقبل.
وانطلقت أشغال ملتقى الحوار في 28 يونيو وكان من المقرّر أن تختتم في 1 يوليو الجاري، ليتم تمديدها يوما آخرا بسبب احتدام الخلافات وإصرار المبعوث الأممي يان كوبيتش على عدم مغادرة أعضاء الملتقى جنيف قبل الاتفاق على قاعدة دستورية.
وبدأت الشكوك تخامر المتابعين المحليين والدوليين بشأن العملية السياسية، خاصة في ظل محاولات تنظيم الإخوان المستمرة لعرقلة الاستحقاق الانتخابي.
ويعني عدم حسم الخلافات المتعلقة بالقاعدة الدستورية فشل البعثة الأممية ومؤتمر برلين في تحقيق أهم بند راهن عليه المجتمع الدولي، لإنهاء 10 سنوات من المراحل الانتقالية، ألا وهو إجراء الانتخابات في تاريخها المحدد.
ولم تعمل اللجنة الاستشارية التي اجتمعت في تونس على تسهيل توصل ملتقى الحوار إلى اتفاق بشأن النقاط الخلافية، بل بدأ الحديث ولو بصوت خافت عن تأجيل الانتخابات لما بعد 24 ديسمبر، الأمر الذي تعارضه أغلب الأطراف الليبية.
وفي ظل هذا الانسداد لجأت البعثة الأممية مساء الأربعاء إلى اقتراح تشكيل "فريق مصغر"، لمساعدة الملتقى في "التوصل إلى حل وسط من خلال استعراض مختلف المقترحات، ومحاولة التوفيق بين النقاط الخلافية العالقة، وإنهاء الجدل".
ومساء الخميس، تم انتخاب 13 عضوا ليشكلوا "الفريق المصغر"، أبرزهم عبدالرحمن السويحلي (رئيس المجلس الأعلى للدولة سابقا) عن مدينة مصراتة (غرب)، والنائب زياد دغيم، المحسوب على الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر (شرق).
وكان واضحا أن مهمة لجنة التوافقات ستكون صعبة، خاصة وأن اللجنة الاستشارية المنبثقة عن ملتقى الحوار، والتي عقدت اجتماعها في تونس ما بين 24 و26 يونيو، توافق على مقترح لحسم نقاط الخلاف الرئيسية، بعد أن تمت مناقشة 5 مقترحات تقدم بها الأعضاء الـ19 (تغيب منهم عضو).
لكن مقترح القاعدة الدستورية الذي خرجت به اللجنة الاستشارية يختلف عن ذلك الذي تقدمت به اللجنة القانونية في مايو الماضي، ما دفع 16 عضوا من ملتقى الحوار إلى مراسلة البعثة الأممية وانتقاد تجاهلها "التوافقات والجهد المبذول في مقترح اللجنة القانونية".
وأقرت لجنة التوافقات (اللجنة المصغرة الثالثة لاجتماع ملتقى الحوار) اللجوء إلى الانتخاب بدل التوافق، ولكن بنسبة 75 في المئة، وحصرت الخلافات في 3 مقترحات.
وينصّ المقترح الأول على انتخابات رئاسية وبرلمانية متزامنة في 24 ديسمبر دون قيود للترشح، وفق قاعدة دستورية مؤقتة.
ويطالب المقترح الثاني بانتخابات برلمانية في 24 ديسمبر، على أن يتم الاستفتاء على الدستور بعدها ثم تجرى الانتخابات الرئاسية على أساس الدستور الجديد.
أما المقترح الثالث فيدعو إلى تنظيم الانتخابات البرلمانية والرئاسية في 24 ديسمبر بعد الاستفتاء على مشروع الدستور، وهو ما يطالب به المجلس الأعلى للدولة.
وتعتقد وسائل إعلام محلية أن البعثة الأممية لجأت إلى مقترح جديد للقاعدة الدستورية، بعد رفض رئيس مجلس النواب عقيلة صالح مقترح اللجنة القانونية، ما يعكس حجم الضغوطات والتجاذبات بين أطراف عديدة، حتى خارج ملتقى الحوار نفسه.
وتقول مصادر إن الطرف المستفيد من عرقلة التوافق هو الطامع في تأجيل الانتخابات والاستمرار في الحكم، في إشارة إلى مجلس البرلمان، ومجلس الدولة الاستشاري برئاسة خالد المشري الخاضع لسلطة الإخوان غير الراغبين في تنظيم الاستحقاق الانتخابي.
ولجأت البعثة الأممية إلى تشكيل لجنة ثالثة "لجنة التوافقات"، بعد أن فجر مقترح اللجنة الاستشارية الخلافات داخل ملتقى الحوار بدلا من أن يقرب وجهات النظر.
وتحفّظ المشاركون في الملتقى العسكري الأول في طرابلس على "أي مخرجات قد تنتج قاعدة دستورية مشوهة من ملتقى الحوار المنعقد في جنيف".
وتم حسم الخلاف بشأن آلية انتخاب الرئيس على مستوى اللجنة الاستشارية لصالح الانتخاب الحر والمباشر والمتزامن مع الانتخابات البرلمانية، بعد أن كان هناك مقترح ثان للجنة القانونية يدعو إلى انتخاب الرئيس بشكل غير مباشر عن طريق البرلمان المقبل، تم إسقاطه في اجتماع اللجنتين الاستشارية والتوافقية.
ونددت واشنطن بعجز الفرقاء الليبيين عن التوافق، حيث اتهم المبعوث الأميركي الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند بعض أعضاء الحوار الليبي في جنيف بمحاولة عرقلة إجراء الانتخابات.
وقال نورلاند في بيان نشرته السفارة الأميركية لدى ليبيا السبت، "لقد تابعنا عن كثب اجتماعات الملتقى في جنيف هذا الأسبوع، بما في ذلك العديد من الأعضاء الذين يبدو أنهم يحاولون إدخال 'حبوب سامة' تضمن عدم إجراء الانتخابات، إما عن طريق إطالة العملية الدستورية وإما من خلال خلق شروط جديدة يجب تلبيتها لإجراء الانتخابات".
وتابع "يدعي بعض هؤلاء الأفراد أنهم يعملون نيابة عن القادة السياسيين، الذين قدّموا للولايات المتحدة تأكيدات واضحة بأنهم يدعمون الانتخابات في 24 ديسمبر".
وأشار نورلاند إلى أنه "في نهاية المطاف، لا يمكن تحديد مستقبل ليبيا إلا من قبل الليبيين"، مضيفا أن "بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عملت بجهد من أجل تسهيل المناقشات.. لكنها لا تستطيع اتخاذ قرارات نيابة عن الليبيين".
وافتراق أعضاء ملتقى الحوار في جنيف دون حسم القاعدة الدستورية، ووضع اشتراطات "شبه مستحيلة" للتوافق بنسبة 75 في المئة، في ظل الانقسام الحاد بين أكثر من فريق في الملتقى، يجعل من موعد 24 ديسمبر فرصة ضائعة، لتصبح ليبيا أقرب إلى مرحلة انتقالية جديدة.