الانتخابات العامة حل اضطراري لحركتي فتح وحماس المأزومتين

رام الله - تمر القضية الفلسطينية بتحديات كبيرة سواء على الصعيد الداخلي المتمثل في الانقسام المزمن بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية، أو على المستوى الخارجي المتمثل في المشروع الأميركي للسلام المعروف باسم “صفقة القرن”، وإن كانت تراجعت فرضية عرضه على المدى القريب لعدة عوامل، كل ذلك يطرح سؤالا محوريا حول ما إذا كان الحل لمواجهة مثل هذه التحديات هو السير في انتخابات فلسطينية؟
ويعتبر كثيرون أن إجراء الانتخابات بات ضرورة ملحة سواء كان للسلطة أو حماس والأهم للمشروع الوطني الفلسطيني، خاصة مع فشل جهود تحقيق المصالحة بين الجانبين.
ولا يخفى أن كلا من السلطة الفلسطينية وحركة حماس التي تبسط سيطرتها على قطاع غزة منذ العام 2007، تمران بوضع معقد لا أفق لمعالجته، فسلطة الرئيس محمود عباس هي سلطة منقوصة ليست فقط لجهة أنها واقعة تحت الاحتلال بل وأيضا هناك جزء جغرافي مهم خارج عن سيطرتها (سياسيا وإداريا) وهو القطاع، ويزيد تراجع القضية الفلسطينية في سلم أولويات دول المنطقة نتيجة الأزمات المتفجرة في العديد من الأقطار، وانحسار الموارد المالية من أزمة عباس.
أما حركة حماس فهي تعاني ومنذ سنوات عزلة كبيرة، وهناك حالة غضب متنام من سياستها في إدارة القطاع الذي يشهد اختناقا اقتصاديا واجتماعيا تخشى من انفجاره في وجهها.
وتعتبر أوساط سياسية فلسطينية أن إعلان الرئيس محمود عباس عن إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية قد يكون المخرج لكلا الطرفين المأزومين، وإن كان ذلك لا يعني أنه ليست هناك محاذير كأن يكرس الاستحقاق حالة الانقسام الفلسطيني ويجذر الكنتونات الجغرافية القائمة (الضفة وغزة)، في ظل عدم التوصل إلى مصالحة وطنية شاملة، رغم المحاولات الداخلية والإقليمية التي جرت على مدى السنوات الماضية.
وتلفت الأوساط إلى أن هناك مخاوف من أن تكون الدعوات إلى إجراء انتخابات مجرد دعاية سياسية واستعراض وهمي للهروب إلى الأمام حيث سبق وأن جرى في السابق الحديث عن إجراء انتخابات، لكن سرعان من خبا في ظل تباين موقفي حركتي فتح وحماس من كيفية إجراء الاستحقاق، فالأخيرة تصر على ضرورة تزامن إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية معا في غياب ثقتها بعباس، فيما تطالب فتح بإجراء التشريعية قبل الرئاسية. وهذا الخلاف لا يزال قائما حتى اللحظة بين الطرفين وسط جهود مصرية خاصة تحاول إحداث اختراق في موقف كليهما.
ويذهب المتفائلون إلى أن الوضعين الداخلي والإقليمي لا يعطيان فتح أو حماس ترف المناورة والخيار في عدم السير قدما في الاستحقاق وأن ما يجري حاليا من تباين يندرج في سياق مساعي كل طرف لتحصيل مكاسب يدخل بها الانتخابات في وضع أكثر أريحية. وأعلنت لجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية، الأحد، عن إرسال وفد لها إلى قطاع غزة، منتصف الأسبوع المقبل، لبحث الانتخابات العامة مع حركة حماس والفصائل الأخرى.
وأضاف المدير التنفيذي للجنة، هشام كحيل، أن الوفد المكوّن من رئيس اللجنة حنا ناصر، والإدارة التنفيذية وأعضاء اللجنة بغزة، يصل غزة الاثنين، لبحث الانتخابات العامة، التشريعية وتتبعها الرئاسية. وذكر أن حركة حماس رحّبت بزيارة الوفد إلى قطاع غزة.
ومؤخرا، كلّف الرئيس الفلسطيني محمود عباس، رئيس اللجنة ناصر، باستئناف الاتصالات وبشكل فوري مع الفصائل والجهات المعنيّة، من أجل التحضير لإجراء الانتخابات التشريعية على أن تتبعها بعد بضعة أشهر الانتخابات الرئاسية.
وعقدت آخر انتخابات رئاسية في العام 2005، بينما أجريت آخر انتخابات تشريعية في العام 2006، وكان انجر عن الاستحقاق الأخير انقسام الصف الفلسطيني، وسطوة حماس بقوة السلاح على غزة.
ومشكلة إجراء انتخابات فلسطينية ليست فقط مرتبطة بتباين مواقف حركتي فتح وحماس، بل أيضا بإسرائيل، التي من المرجح أن تعمد إلى منع إجراء الاستحقاق شرق القدس الذي تعتبره جزءا من أراضيها، وسبق وأن عرقلت السلطات الإسرائيلية وصول الناخبين إلى مراكز الاقتراع في مدينة القدس، ولم يتمكن معظم من يحق لهم الاقتراع من الوصول إلى تلك المراكز. ويتوقع أن تتشدد تل أبيب أكثر في هذه النقطة، في ظل الدعم الأميركي الذي أقر في العام 2017 القدس (بشقيها الشرقي والغربي) عاصمة لإسرائيل ما أثار غضبا فلسطينيا وتنديدا عربيا ودوليا.
وكان الرئيس الفلسطيني قد أعلن في خطابه بالجمعية العمومية للأمم المتحدة في سبتمبر عن انتخابات عامة تشمل الضفة الغربية وقطاع غزة وكذلك القدس.
ويعتقد المحللون أن الاقتصار على إجراء الانتخابات في الضفة وغزة، سيعني اعترافا بالوضع الذي رسمته إسرائيل، وهذه معضلة حقيقية، دون تجاهل ما قد تعمد إليه تل أبيب من عرقلة الإجراءات اللوجستية في ما يتعلق بالانتخابات في المنطقتين، هذا إذا تم الأخذ بالاعتبار معالجة تباين المواقف الحمساوية الفتحاوية.