الانتخابات البلدية في الجنوب اللبناني تعكس الإحباط الشعبي من الثنائي الشيعي

بيروت - مع اختتام الجولات الانتخابية البلدية في الجنوب اللبناني، بدا أن الاستحقاق تحوّل إلى اختبار حقيقي لمدى قدرة “الثنائي الشيعي” حزب الله وحركة أمل على الاحتفاظ بسيطرته المطلقة على المجالس البلدية، في ظلّ مؤشرات متزايدة على تراجع شعبيته وصعود بدائل مدنيّة بدأت تشق طريقها في قلب المعاقل التقليدية.
وأظهرت انتخابات جنوب لبنان مشهدا يشير إلى تململ اجتماعي من الواقع في بلدات مدمرة بفعل الهجمات الإسرائيلية، وقرى مهمشة تطالب بتمثيل يعكس هويتها، وشباب محبط في ظل خطر إسرائيلي دائم.
وتمثل البلديات اليوم رافعة أساسية لأي عملية إعادة إعمار مستقبلية، ما يعزّز رغبة الثنائي في الإمساك بها، خصوصا في ظلّ التراجع الكبير في قدرته على الحصول على دعم خارجيّ، وتأخر عملية إعادة البناء، مقابل تزايد الحاجات الشعبية والضغوط المعيشية. كما أنّ الكثير من الأبنية التي تحتاج إلى ترميم أو إعادة بناء قد أُنشئت بطريقة مخالفة، أو على أملاك عامّة، ما يجعل من البلديات، الواقعة تحت نفوذ الثنائي، أدوات فعالة في تنظيم تلك العمليات.
وفي عدة بلدات، شهدت الانتخابات مواجهات داخلية بين أنصار حزب الله وحركة أمل في دلالة مهمة على شق الصف والخلافات في الرؤية المحلية التي بدأت تطفو إلى السطح، وفتور انتخابي لافت، وتراجع في الحماسة الشعبية حتى لدى الموالين التقليديين.
الانتخابات شهدت مواجهات داخلية بين أنصار حزب الله وحركة أمل في دلالة مهمة على الخلافات في الرؤية المحلية
وفي قرى القطاع الشرقي، ثمة بلدات جنوبية ذات غالبية سنية دمرت جزئيا في الحرب الأخيرة رغم عدم انخراطها في الصراع، ظهرت بها رغبة جماعية في انتخاب مجلس بلدي يعبّر عن هويتها السياسية أكثر من البرامج الإنمائية.
واعتمد “الثنائي الشيعي” في عدد كبير من قرى الجنوب سياسة “التزكية”، حيث تمّ التوافق على تشكيل لوائح موحّدة من دون خوض منافسة فعليّة. هذا الخيار، وإنْ تم تقديمه كإجراءٍ لتقليل التوتّر وضبط النفقات، إلّا أنّه كشف بوضوح عن رغبة واضحة في تحييد المنافسة، وإقصاء أي محاولات لتحدّي نفوذ القوى المسيطرة على القرار المحلي منذ عقود.
ولم تكن التزكية خيارا طبيعيا نابعا من إجماع شعبيّ، بل جاءت نتيجة ضغوط مباشرة مورست على المرشحين المستقلين أو المناوئين، لإجبارهم على الانسحاب، وذلك بهدف ضمان الهيمنة السياسية واستثمار البلديات كأدواتٍ لتقديم الخدمات الموجهة لجمهور الحزب، في ظلّ شحّ الموارد وغياب الدعم الخارجي، وتعثّر ملف إعادة الإعمار في القرى الجنوبية المتضرّرة.
في المقابل، برزت خلال هذا الاستحقاق تحالفات محلية جديدة في نحو 12 بلدية شيعية، ضمّت ناشطين مدنيين، وأكاديميين، ورجال أعمال، طرحوا أنفسهم كبديل حقيقيّ عن الأداء المتردّي للبلديات السابقة. هذه القوى اعتمدت خطابا إصلاحيا وخدماتيا بعيدا عن الاصطفافات الأيديولوجية، وهو ما يؤشّر على تحوّل تدريجي في المزاج الشعبي، ولو بشكل محدود.
وظهر تفاوت واضح في نسب المشاركة بين أقضية محافظتي النبطية ولبنان الجنوبي، ممّا عكس مشهدا انتخابيا غير متجانس، تتداخل فيه العوامل السياسية بالمزاج الشعبي، وسط الحديث عن تسويات ومقاطعة جزئية أثرت في الحماسة العامّة للعملية الانتخابية.