الانتخابات البرلمانية اللبنانية مفتوحة على احتمال غامض للتأجيل

بيروت - أكد الرئيس اللبناني ميشال عون الأحد إجراء الانتخابات النيابية بموعدها في الخامس عشر من مايو 2022، "إلا إذا حصل شيء"، وذلك في إشارة على ما يبدو إلى أن تأجيلها قد يكون مرتقبا في ظل الاحتقان السياسي، خصوصا بعد تصريحات زعيم الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط، بأن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل سيحاول تعطيلها في الاغتراب.
جاء ذلك بعد لقائه البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي في الصرح البطريركي ببلدة بكركي شمالي بيروت، خلال مشاركته في قداس عيد الفصح لدى الطوائف المسيحية، بحسب الوكالة الوطنية للإعلام (رسمية).
وقال عون للصحافيين "أطمئن اللبنانيين والجميع بأن الانتخابات النيابية ستحصل والتحضيرات كافة جاهزة لذلك، إلا إذا حصل شيء (لم يحدده) لا سمح الله".
ورغم أن الرئيس اللبناني كغيره من القوى السياسية يجاهر في العلن بحصول الانتخابات في موعدها، ولكن ضمنيا، يبدو أن الجميع لا يرغب بإجراء الانتخابات، ولكنه لا يستطيع البوح علنا بذلك، خشية إثارة الرأي العام بالداخل ومساءلة المجتمع الدولي بالخارج الذي يشجع ويحرص على حصول العملية الانتخابية في موعدها الدستوري، ويلوّح باتخاذ عقوبات ضد كل من يعطلها.
وقال رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط في تصريحات نقلتها وسائل إعلام محلية مساء الأحد إن "جبران باسيل سيحاول من خلال وزارة الخارجية تعطيل سهولة الانتخابات في الاغتراب، وثمة فريق عمل يخص باسيل سيتوجه إلى الخارج لاستلام مفاصل أساسية ومنها الولايات المتحدة وكندا وأستراليا".
وكان باسيل سعى أكثر من مرة خلال الفترة الماضية إلى محاولة تعطيل إجراء الانتخابات، وذلك من خلال الإلحاح على تعديل قانون الانتخابات، لجهة حرمان المغتربين من حقهم في الاقتراع، استنادا إلى القانون الحالي، بعدما كشفت مؤشرات عن امتناع شريحة واسعة منهم عن التصويت لمرشحي التيار الوطني الحر في مختلف الدوائر الانتخابية، استياء من ممارساته السيئة وفشل العهد العوني.
هذا إلى جانب اشتراط باسيل إنشاء الميغاسنتر (المراكز الانتخابية الكبيرة في المحافظات) لإجراء الانتخابات، برغم معرفته المسبقة باستحالة تنفيذ هذا المطلب في الوقت الفاصل عن موعد الانتخابات، ناهيك عن الالتفافات والمكامن المتبقية لإعاقة وتعطيل هذا الاستحقاق، والتي باءت بالفشل.
ولا يتوقف الأمر عند باسيل، بل يشمل أيضا جماعة حزب الله اللبنانية الموالية لإيران، والتي اتهم أمينها العام حسن نصرالله السفارة الأميركية بالسعي لتأجيل الانتخابات "لترتيب أمور الفريق الآخر"، وهو ما يؤشر على أنه لا يرغب في إجراء الانتخابات في موعدها المحدد خشية خسارة حليفه التيار الحر.
ووفق خبراء، فإن التحالفات الانتخابية بلبنان بين قوى 8 آذار (حلفاء إيران والنظام السوري) باتت أكثر تماسكا من تحالفات قوى 14 آذار (قريبة من الرياض وواشنطن).
وأعلن سعد الحريري زعيم "تيار المستقبل" المكون السني الأبرز، في يناير الماضي، تعليق عمله السياسي.
وآنذاك، اعتبر الحريري أنه "لا مجال لأي فرصة إيجابية للبنان في ظل النفوذ الإيراني والتخبط الدولي والانقسام الوطني واستعار الطائفية واهتراء الدولة".
ونقلت وسائل إعلام لبنانية عن مصادر سياسية لم تسمها قولها إن "هناك عوامل عدة مقلقة تؤشر على نوايا مبيتة، لتعطيل الانتخابات النيابية، من بينها عدم توفر الاعتمادات المالية المخصصة لتنظيم عملية اقتراع المغتربين بالخارج، والبالغة كلفتها ما يقارب أربعة ملايين ونصف مليون دولار أميركي، في حين لم توفر الدولة سوى ثلاثة ملايين دولار، وفق ما أعلن عن ذلك وزير الخارجية عبدالله بوحبيب".
وأضافت أن "التهديدات المتواصلة بتنفيذ إضراب شامل لأعضاء السلك الدبلوماسي اللبناني بالداخل والخارج معا، تعثر تأمين التيار الكهربائي لكافة مراكز الاقتراع على امتداد الأراضي اللبنانية حتى الآن، نظرا للتعقيدات اللوجستية والكلفة المالية الباهظة لمثل هذه العملية الصعبة، برغم كل التأكيدات التي يعلنها المسؤولون خلاف ذلك".
وأشارت إلى تلويح بعض القضاة وموظفي القطاع العام بامتناعهم عن الالتحاق بالمهمات والمواقع المحددة لهم للإشراف وإدارة العملية الانتخابية برمتها، احتجاجا على عدم الاستجابة لمطالبهم بزيادة التعويضات المالية الممنوحة لهم، مع تدني قيمة الرواتب وارتفاع تكاليف النقل.
وكان من المقرر تنظيم الانتخابات النيابية في لبنان في السابع والعشرين من مارس الماضي، قبل أن يعلن الرئيس اللبناني في ديسمبر الماضي عن تأجيلها إلى الخامس عشر من مايو المقبل.
وأعلنت وزارة الداخلية اللبنانية الأسبوع الماضي أن عدد المرشحين للانتخابات بلغ 718 مترشحا (عبر 103 لوائح)، من بينهم 118 سيدة، سيتنافسون على 128 مقعدا هي عدد مقاعد البرلمان اللبناني.
وستكون هذه الانتخابات هي الأولى منذ الاحتجاجات الشعبية الحاشدة التي شهدتها البلاد في أكتوبر 2019 وأدت إلى استقالة الحكومة حينها، وعلى وقع أزمة اقتصادية ومالية ومعيشية غير مسبوقة، صنفها البنك الدولي بأنها من بين الثلاث الأسوأ على المستوى العالمي منذ القرن التاسع عشر.
وفي الشأن الاقتصادي، قال عون "حدثت اليوم أمور إيجابية، منها الاتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي ربما تشكل بدايته بداية لخروج لبنان من الهاوية التي يرزح تحتها".
وأعلن الصندوق في السابع من أبريل الجاري عن توصله إلى اتفاق مبدئي مع بيروت على تمويل بقيمة ثلاثة مليارات دولار يصرف على مدى أربع سنوات، وفق برنامج يهدف إلى إعادة بناء الاقتصاد واستعادة الاستدامة المالية.
ومنذ أكثر من عامين، يعاني اللبنانيون أزمة اقتصادية طاحنة غير مسبوقة، أدت إلى انهيار قياسي في قيمة العملة المحلية "الليرة" مقابل الدولار، فضلا عن شح في الوقود والأدوية، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة.
كما تحدث عون عن "عودة الدول العربية إليه (لبنان) وسيادته الطبيعية كما كانت من دون بذل أي جهد".
والأسبوع الماضي، عاد سفراء السعودية والكويت واليمن تباعا إلى لبنان، بعد غياب دام أكثر من خمسة أشهر، على خلفية أزمة دبلوماسية بين بيروت والرياض وعواصم خليجية أخرى.
وتقول عواصم خليجية، بينها الرياض، إن إيران تسيطر على مؤسسات الدولة اللبنانية، عبر حليفتها جماعة "حزب الله" (شيعية)، وهو ما تنفي طهران والجماعة صحته.