الانتخابات الإسرائيلية تعبث بجهود "السلام" الأميركية

في خطوة غير مسبوقة حسم الامر في إسرائيل لفائدة إجراء انتخابات جديدة بعد فشل مدو لرئيس الوزراء وزعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو في تشكيل ائتلاف حكومي جديد، ويقول مراقبون إن خطوة حل الكنيست تمهيدا للانتخابات لا تضع مستقبل نتنياهو السياسي فقط على المحك بل وايضا خطة السلام الأميركية التي تم ضبط ساعة الإعلان عنها على تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة.
القدس – واجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو واحدة من أكبر الهزائم في مسيرته السياسية الخميس بعد فشله في تشكيل ائتلاف حكومي واضطر للتوجه لانتخابات جديدة لقطع الطريق على امكانية تكليف الرئيس رؤوفين ريفلين شخصية أخرى بتشكيل الحكومة.
ومن المتوقع على نطاق واسع إجراء الانتخابات في سبتمبر لتكون الثانية هذا العام. ويقول المعلقون إن هذه واقعة لم يسبق لها مثيل حتى في بلد معتاد على التشاحن السياسي كما تمثل ضربة لنتنياهو الذي أعلن الفوز في الانتخابات الأخيرة التي أجريت في التاسع من أبريل الماضي.
وتلقي إعادة الانتخابات بظلال قاتمة على الاستعدادات الأميركية لإعلان خطة للسلام في الشرق الأوسط، والمفترض أن يتم في يونيو المقبل.
وأعرب الرئيس الأميركي دونالد ترامب الخميس عن أسفه قائلا للصحافيين في البيت الأبيض “ما حدث في إسرائيل أمر مؤسف للغاية. لقد بدا وكأن نتنياهو حقق فوزا كبيرا”، قبل أن يصفه “بالرجل الرائع”. وتابع “سيعودون للانتخابات. هذا مؤسف للغاية”.
ويرجح محللون أن تقتصر الإدارة الأميركية على عرض الشق الاقتصادي من الخطة خلال المؤتمر المعلن عنه في 25 و26 يونيو في البحرين، والذي يلاقي رفضا فلسطينيا ويثير قلقا عربيا.
ووصل عراب الخطة المعروفة بصفقة القرن ومستشار الرئيس دونالد ترامب جاريد كوشنر مساء الاربعاء لإسرائيل، بعد زيارة قام بها لكل من الأردن والمغرب للتسويق لمؤتمر البحرين.
والتقى كوشنر برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الخميس لوضعه في إطار المشاورات التي أجراها في كل من عمان والرباط، وايضا لبحث تداعيات اجراء الاستحقاق الانتخابي على موعد إعلان الخطة الموعودة.
وعقب اللقاء مع مستشار ترامب صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بأن الوضع السياسي في البلاد لن يتعارض مع المشاريع الإسرائيلية الأميركية المشتركة. وقال نتنياهو إنهم ناقشوا “جهودهم المشتركة من أجل الرخاء والأمن والسلام وأنا أشعر بثقة عارمة بكل شيء أسمعه بشأن كيف يعمل الرئيس (دونالد ترامب) للجمع بين الحلفاء في هذه المنطقة”.
ولفت إلى أن إجراء انتخابات جديدة “لن يوقفنا”. وكان كوشنر كشف قبل أسابيع أن إعلان خطة السلام الموعودة سيتم بعد شهر رمضان ضابطا عقارب ساعته على انتهاء نتنياهو من تشكيل حكومته، وهما ما لم يتحقق.
ومع وصول عقارب الساعة منتصف ليل الاربعاء للموعد النهائي لتشكيل حكومة الائتلاف الإسرائيلي لم يتمكن نتنياهو من اقناع منافسه وزير الدفاع السابق أفيغدور ليبرمان بالتخلي عن مطلبه بجعل الخدمة العسكرية إلزامية لكل اليهود بمن فيهم المتدينين.
ودفع ذلك نتنياهو الى المضي قدما في خطته البديلة وحل البرلمان لخوض انتخابات جديدة، وهو ما تمت الموافقة عليه بعد انتهاء الموعد النهائي في الساعات الأولى من يوم الخميس.
وأتى التصويت على اقتراح قانون حل الكنيست بعد جلسة صاخبة في البرلمان هتف خلالها أعضاء المعارضة “العار..العار”.
وتفادى نتنياهو بذلك كابوس سيناريو قيام الرئيس رؤوفين ريفلين بتكليف نائب آخر تشكيل ائتلاف حكومي، وكان ريفلين قد أبدى تحفظات على إجراء انتخابات جديدة مفضلا سيناريو تكليف شخصية جديدة.
وقال بعض المحللين ان عجز نتنياهو عن تشكيل ائتلاف أظهر أن فرص بقائه لفترة ولايته على قمة السياسة الإسرائيلية قد تضعف لأن المتنافسين يتوقعون سقوطه في المستقبل غير البعيد بسبب شبهات فساد تحيط به.
واعتبر استاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية إبراهام ديسكين أن “نتنياهو قوي للغاية ولا يستسلم بسهولة لكن ما يحدث بالتأكيد قد يشير إلى بداية محتملة للنهاية… سيقاتل، لكنه بالتأكيد لم يعد قويا كما كان في الماضي”.
وفي غضون أسابيع، تحول نتنياهو من الاحتفال بالنصر الى العمل وراء الكواليس بجهود مضنية ومتوترة لضمان استمراره في السلطة. والرهان عالياً تماماً بالنسبة للرجل البالغ من العمر 69 عاماً في حين يسعى للحصول على الحصانة قبل احتمال توجيه تهم إليه بتلقي رشى والاحتيال وإساءة الائتمان في الأشهر المقبلة.
ويتجه نتنياهو لأن يصبح رئيس الوزراء الذي بقي في السلطة لأطول فترة في إسرائيل في يوليو القادم، متقدماً على ديفيد بن غوريون، أحد الآباء المؤسّسين لإسرائيل والذي بقي في منصبه أكثر من 13 عاماً.
واصطدمت جهود نتنياهو لتشكيل ائتلاف جديد بخلافه مع ليبرمان وحاجته للمقاعد الخمسة التي فاز بها حزبه “إسرائيل بيتنا”.
والقى نتنياهو كامل اللوم على ليبرمان مدعيا أنه لم يكن لديه نية للتوصل إلى اتفاق وأراد فقط إسقاط الحكومة. وندد زعيم الليكود بالخلاف حول التجنيد ووصفه بأنه “خدعة درامية”. وقال للصحافيين “إنه أمر لا يصدق. أفيغدور ليبرمان أصبح الآن جزءا من اليسار.. من الواضح تماما أنه يريد إسقاط هذه الحكومة… لجمع بضعة أصوات أخرى”.
بالمقابل وصف ليبرمان موقفه بأنه مسألة مبدأ يتصل برفضه محاولات اليهود المتشدّدين فرض قيود دينيّة على المجتمع الإسرائيلي. وقال الخميس في مؤتمر صحافي إن “الموضوع بالنسبة له أيديولوجي. أريد دولة يهودية قومية ولا أريد دولة تسير على الاحكام الحاخامية”، معددا القضايا التي يخضع المجتمع الاسرائيلي فيها لمطالب هذه الأحزاب الدينية المتشددة.
وأضاف ليبرمان “نتنياهو يتهمني بأنني السبب في فشل تشكيل الحكومة لكنه حتى ليل الأربعاء لم ينجح بالتوقيع على أي اتفاق مع أي حزب من الأحزاب الدينية أو مع حلفائه، وليس فقط معنا”.
ويريد ليبرمان إقرار قانون يهدف إلى جعل الخدمة العسكريّة إلزاميّة لليهود المتشدّدين. وهي قضيّةً بالغة الحساسيّة في إسرائيل تعارضها الأحزاب اليهوديّة المتطرفة التي تشغل 16 مقعداً في البرلمان وأراد نتنياهو أن يشركها في ائتلافه.
وتعقيبا على فشل نتنياهو في تشكيل الائتلاف الحكومي وحل الكنيست صرح تحالف المعارضة الرئيسي “أزرق أبيض بقيادة الجنرال بيني غانتس “أن مشاكل نتانياهو القانونية كانت العقبة”. وأضاف تحالف “أزرق أبيض” الذي يضم عدد من رؤساء الاركان السابقين إن الاتفاق مع الليكود سيكون ممكنا إذا سمح نتنياهو لشخص آخر من حزبه بتشكيل الحكومة.
وقال قادة التحالف إنهم لا يستطيعون الانضمام إلى حكومة يقودها نتنياهو بسبب مزاعم الفساد التي يواجهها في حين “يبحث عن شركاء راغبين في دعم تشريع يمنحه حصانة تمنعه من دخول السجن”.
وصوت البرلمان بأغلبية 74 صوتا مقابل 45 لصالح حل نفسه بعد دقائق من انقضاء المهلة التي كانت محددة لنتنياهو لتشكيل حكومة بحلول منتصف الليل.
و إجراء انتخابات جديدة لا يمثل انتكاسة كبيرة لنتنياهو بالنظر إلى البديل الآخر حيث كان من المحتمل أن يطلب الرئيس الإسرائيلي ريئوفين ريفلين من أحد السياسيين الآخرين تشكيل ائتلاف حاكم. وفي مواجهة احتمال تنحيه جانبا ورؤية أحد منافسيه السياسيين يطيح به إلى الهامش، حشد نتنياهو الأصوات اللازمة لحل الكنيست المؤلف من 120 عضوا.
لكن فشل نتنياهو (69 عاما) في تشكيل حكومة قد يؤدي إلى انقسامات وتحديات داخل حزب الليكود. ويواجه نتنياهو احتمال توجيه اتهامات له في ثلاث قضايا فساد لكنه نفى ارتكاب أي مخالفات. ومن المقرر أن يدافع عن نفسه في جلسة تسبق المحاكمة في أكتوبر في مواجهة اتهامات بالرشوة والاحتيال أعلن المدعي العام في فبراير أنه يعتزم توجيهها له.
وانتخب نتنياهو للمرة الأولى في آواخر التسعينات وتولى منصب رئيس الوزراء خلال العشر سنوات الماضية.