الانتخابات الأميركية: لا تسونامي جمهوريا ولا نصر للديمقراطيين

استطاع الديمقراطيون في انتخابات منتصف الولاية الأميركية صد المد الجمهوري الذي كان يعول عليه الرئيس السابق دونالد ترامب لإطلاق حملته الرئاسية لسنة 2024، إلا أن فوز الديمقراطيين لا يعتبر نصرا إذا سيطر الجمهوريون على مجلس النواب.
واشنطن - تمكن الديمقراطيون من صد “تسونامي” جمهوري في انتخابات منتصف الولاية، إلا أن تحقيقهم لنتائج فاقت التوقعات لا يعتبر نصرا، إذ فاز الجمهوريون بغالبية مقاعد مجلس النواب لكن ليس بالحد الذي كانوا يأملون به، بينما فاز الديمقراطيون بأغلبية مقاعد مجلس الشيوخ.
ولم ينتظر الرئيس جو بايدن صدور النتائج النهائية للاحتفال بنجاح الديمقراطيين في تجنّب انتكاسة أكبر كانت متوقعة بعدما ركّز الجمهوريون حملتهم على فشله في التعامل مع ارتفاع معدلات التضخّم.
وصرّح كبير موظفي البيت الأبيض رون كلين “لا تستهينوا قط بحجم الاستهانة بفريق بايدن”.
وشدد بايدن في تصريحات أدلى بها للصحافيين في البيت الأبيض على “نيّته” الترشح لولاية ثانية عام 2024، متعهّدا بالتوصل إلى قرار نهائي في هذا الصدد “مطلع العام المقبل”.
كما استغل بايدن الفرصة لمد يده إلى المعارضة الجمهورية، مؤكدا انفتاحه على جميع “الأفكار الجيّدة”. لكن يتوقع بأن تصطدم مناشدات بايدن للتعاون بين الحزبين بجدار جمهوري.
وقالت النائبة المقرّبة من الرئيس السابق ترامب التي تمثّل ولاية جورجيا في الكونغرس مارجوري تايلور غرين في بيان “سأقود المعركة للتأكد تماما من عدم إخفاق حزبي”. لكن الأنظار تتركّز من الآن على انتخابات 2024 وحملة الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وكان يفترض أن تفتح انتخابات منتصف الولاية الطريق أمامه لإطلاق ترشيحه للانتخابات الرئاسية لعام 2024، لكن بدلا من ذلك انتهت الأمسية الانتخابية بخيبة أمل للرئيس السابق ترامب بعدما عززت النتائج موقف منافسه الجمهوري الرئيسي.
والرئيس السابق الذي وضع ثقله شخصيا في الحملة الانتخابية، كان يحلم بانتصار ساحق للجمهوريين قبل “إعلانه الكبير جدا” الذي وعد به الأسبوع المقبل والذي قد يكون ترشيحه للانتخابات الرئاسية.
لكن “المد الأحمر” المتوقع لم يتراجع كثيرا، رغم أن الجمهوريين انطلقوا لانتزاع الغالبية في مجلس النواب لأن السيطرة على مجلس الشيوخ تبقى غير أكيدة.
وقال ترامب الأربعاء على شبكته Truth Social “رغم أن الانتخابات كانت مخيبة للآمال إلى حد ما من وجهة نظري الشخصية، فإنها شكلت انتصارا كبيرا”.
لكن الانتصار المدوي من جانب الجمهوريين كان فوز رون ديسانتيس الذي أعيد انتخابه حاكما لفلوريدا. وأصبح أبرز خصم محتمل لترامب في السباق للانتخابات التمهيدية للجمهوريين عام 2024.
وفوزه الكبير يرسخ وضعه كالنجم الصاعد في الحزب الجمهوري. ومن الآن وصفته مقالة نشرتها “فوكس نيوز” صباح الأربعاء بأنه “الزعيم الجديد للحزب الجمهوري”.
وقبل الانتخابات، عبر زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل عن قلقه من “نوعية” المرشحين الذين دفعهم ترامب إلى الواجهة.
وفشل الجراح النجم التلفزيوني محمد أوز الذي رشحه الرئيس السابق في الفوز بمقعد أساسي لعضوية مجلس الشيوخ في بنسلفانيا، حيث هزم أيضا المرشح المحافظ جدا والمناهض للإجهاض دوغ ماستريانو الذي كان موجودا أثناء الهجوم على مبنى الكابيتول، في معركة منصب حاكم الولاية.
وقد يكون ترامب فقد هالته كـ”صانع ملوك” رغم استثناء واضح في أوهايو مع فوز جي دي فانس بمنصب سيناتور.
ويقول جون روغوفسكي أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو إن انتخابات منتصف الولاية كانت عموما في مصلحة المعارضة “وما كان يجب أن تكون بهذه الصعوبة للجمهوريين”، لاسيما في إطار من تضخم شديد يترافق مع تراجع شعبية بايدن.
وأضاف روغوفسكي “كان أداء العديد من المرشحين” المدعومين من ترامب “سيئا”. في المقابل فاز بعض أشد أعدائه. فقد احتفظ بريان كمب المعارض علنا لترامب الذي يأخذ عليه دوره في المصادقة على انتخابات 2020، بمنصبه كحاكم جورجيا.
وهذه النتائج تظهر أنه “يمكن لشخص ما أن يكون محافظا ولديه مبادئ ومعارضا لترامب وأن يفوز”، كما قال بيتر لوج الأستاذ في جامعة جورج واشنطن.
وقال جيف دانكان نائب الحاكم الجمهوري لجورجيا والذي ينتقد الرئيس السابق الأربعاء لشبكة “سي.إن.إن” إنه “آن الأوان للانتقال إلى أمر آخر”.
وفي سكوتسديل بولاية أريزونا عبّر بعض الناخبين الجمهوريين عن رأيهم بالرئيس السابق. وقالت ليزا كريستوفر “نفضل شخصا أقل إثارة للانقسام. ترامب لديه ذلك من أجل غروره فقط”.
وترى هذه المرأة التي تبلغ من العمر ستين عاما وتدير تجارة صغيرة للمبيعات على الإنترنت أن رون ديسانتيس هو “سياسي أفضل”، مضيفة “هو أكثر اعتدالا ويمكنه إقناع المزيد من الناس بالعمل معه”.
وقال بوب نولان وهو مناصر آخر للجمهوريين إن ترامب “قام بعمل ممتاز وهو من كنا نحتاجه” في 2016، لكنه “ضالع في العديد من القضايا”. وأضاف أن “ديسانتيس أكثر واقعية ومستعد للمنافسة” في 2024.
والأربعاء كان الرئيس السابق “غاضبا” و”يصرخ على الجميع”، كما قال أحد مستشاريه لشبكة “سي.إن.إن”، رافضا الكشف عن اسمه.
لكن ترامب نفى ذلك في حديثه مع فوكس نيوز وقال ردا على سؤال حول فرص إبقاء “إعلانه الكبير” المرتقب في الخامس عشر من نوفمبر “لماذا نغير أي شيء؟”.
وهو ترشيح سيهدف قبل كل شيء إلى قطع الطريق أمام منافسيه المحتملين في 2024، بحسب روغوفسكي.
وفي نفس التاريخ، في الخامس عشر من نوفمبر سينشر منافس آخر لترامب، نائبه السابق مايك بنس مذكراته وقد ظهر بعض منها في “وول ستريت جورنال” الأربعاء. ويروي بنس في مذكراته الضغوط التي تعرض لها لقلب نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2020.
وفي المقابل يعود بايدن إلى الساحة الدولية متسلحا بثقة بعد فوز حزبه في انتخابات منتصف الولاية التي يرى أنها تثبت أنه في المنافسة العالمية بين الديمقراطية والاستبداد، فإن الديمقراطية تتقدم.
وغادر بايدن واشنطن الخميس لحضور قمة المناخ كوب 27 في مصر في اليوم التالي وقمة إقليمية لاسيان في كمبوديا في نهاية الأسبوع ولقاء لمجموعة العشرين في إندونيسيا الأسبوع المقبل.
وتركت حملة انتخابات منتصف الولاية العالم يتساءل بأي وضع سيحضر بايدن وهل سيكون ضمن شعار “أميركا عادت” باعتبار أن دور الولايات المتحدة حتمي لتوجيه الديمقراطيات من خلال المنافسة مع دول مثل الصين وروسيا؟
ولا يزال بايدن يواجه اضطرابات إذ فاز الجمهوريون بغالبية في مجلس النواب بفارق ضئيل. لكنه يجادل بأن حلفاء الولايات المتحدة يمكن أن يتنفسوا الصعداء مرة أخرى بعد انتخابات سلسة في الغالب ونتائج قوية للديمقراطيين، ما يحد الخسائر ومعاقبة تيار ترامب المتشدد “اجعلوا أميركا عظيمة مجددا”.