الانتحال الوقِح

إذا كان الأميركان يعاقبون المنتحل عقابا عسيرا يبلغ حدّ تدمير وضعه الإداري والعلمي، فيما يقوم الألمان بعزله من منصبه كما حصل لوزير الدفاع الأسبق، فإن الفرنسيين لا يقابلون مرتكبي السرقات الأدبية بالصرامة نفسها.
الخميس 2019/04/11
قيمة أدبية ضائعة (لوحة محمد ظاظا)

رغم أن القانون الفرنسي يحمي الملكية الأدبية والفكرية، فإن السرقة الأدبية فيها رائجة في شتى المستويات، حتى الأكاديمية منها. والسبب أن أغلب الأطراف المعنية تمارس التستر على الفضائح حتى وإن انتشرت في وسائل الإعلام. فالذي يُضبَط متلبّسا يجد الأعذار المتعارفة، كتوارد الخواطر، أو السهو، أو الأسباب التقنية، أو يعزو ذلك إلى من عهد له بتحرير عمله، أي ما يُعرف بالزنجي، كالأسقف غايو، وكان قد نشر رواية بعنوان “غواية الشيطان الأخيرة” ثم اتضح أن “زنجيّه” سطا في تحريرها على “عودة الشيطان” لبول أرياس. ويزداد التنصل من العقوبة إذا كان المنتحل من النخبة، فمن عادة هذه الفئة الدفاع عن بعضها بعضا، وهي المعنية بالسرقة في أكثر من مجال.

وإذا كان الأميركان يعاقبون المنتحل عقابا عسيرا يبلغ حدّ تدمير وضعه الإداري والعلمي، فيما يقوم الألمان بعزله من منصبه كما حصل لوزير الدفاع الأسبق، فإن الفرنسيين لا يقابلون مرتكبي السرقات الأدبية بالصرامة نفسها، بل يحدث أن يواصل السارق ممارسته ويحتفظ بمركزه وكأن شيئا لم يكن.

ولعل أبرز مثال على ذلك رئيس تحرير “مغازين ليتيرير” (المجلة الأدبية) الأسبق جوزيف ماسي سكارون، هذا الذي يتنقل من اليسار، (شغل منصب رئيس تحرير مجلة ماريان)، إلى اليمين (رئيس تحرير لوفيغارو مغازين)، ويردّ على كتاب العنصري إريك زيمّور “الانتحار الفرنسي” بكتاب “الهلع الهووي” يدافع فيه عن قضايا المهاجرين والمسلمين، ثم يصبح مدوّن خطب فرنسوا فيون، مرشح اليمين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، الذي لا يخفي عداءه للمسلمين. هذا الكاتب اعتاد السطو بانتظام، سواء في رواياته أو مقالاته، منتحلا بلا حياء جهود كتاب آخرين كالألماني إرنست يونغر والأميركي بيل برايزن، فضلا عن الكتّاب الفرنسيين، دون أن يكون لذلك أي أثر على حياته المهنية والثقافية. ومما روته مجلة ليكسبريس أنه صادف مرّة أحد ضحاياه، هو فيكتور مالكة، في أروقة إذاعة فرنسا الثقافية، وكان لكل منهما برنامج يتولى تنشيطه، فلم يُبْدِ اعتذارا، ولم يَعْتَرِه خجل.

تذكرت ذلك وأنا أقرأ تدوينة للأديب العماني سليمان المعمري، الذي يكاد يتخصص في مطاردة سرَقَة الكلمات، وقد اعتاد كل يوم تقريبا أن يطالعنا بانتحال، حتى لنخال أن السّرِقة الأدبية في هذا البلد الشقيق رياضة وطنية.

آخر اكتشافاته قصيد لشاعر عماني معروف انتحله أحدهم كاملا، لم يخرم منه حرفا واحدا، ونسبه إلى نفسه، ثم نشره على جداره بالفيسبوك، فأغدق عليه أصحابه آيات الإعجاب والانبهار بقريحته، وهو يغمرهم بالشكر والثناء على تثمينهم إلهامَه، دون حياء.

15