الاكتظاظ والحواجز الأمنية يخنقان بغداد

عقود طويلة من الحروب والأزمات فتكت ببنية العراق التحتية، لكن الفساد وسوء الإدارة جعلا من عملية الاعمار مسألة شديدة الصعوبة.
الخميس 2022/06/16
شوراع بغداد لا تزال نفسها منذ الستنيات

بغداد – تعاني العاصمة العراقية بغداد التي يبلغ عدد سكانها نحو ثمانية ملايين نسمة من ازدحامات خانقة، في ظل تدهور البنى التحتية وغياب النقل العمومي إلى جانب الحواجز الأمنية المنتشرة في كل مكان.

وتحول التنقل بين أحياء ومناطق بغداد إلى عمل مضن بالنسبة إلى قاطني المدينة المكتظة، على غرار سائق الأجرة الأربعيني أسامة محمد الذي يجد صعوبة في نقل أكثر من ثلاثة ركاب في اليوم، فيما كان يقل خمسة إلى ستة ركاب قبل خمس سنوات.

ويقول أسامة فيما يقود سيارته “أشعر بالتعب؛ فأوّل ما يطالعك في الصباح هو الازدحام”. وتتمحور يوميات أسامة، كما كلّ من يملك سيارةً في هذه المدينة، حول الهروب من الازدحامات أو في نهاية المطاف الاستسلام له، لاسيما في أوقات الذروة، أي في ساعات الصباح عند ذهاب الموظفين إلى أعمالهم أو عند عودتهم منها بعد الظهر، فلا مفرّ من الانتظار ساعات للوصول إلى أي وجهة.

وبين عامي 2003 و2007 كانت في بغداد “350 ألف سيارة”، بحسب محمد الربيعي الناطق الرسمي باسم أمانة بغداد، أما “اليوم فقد وصل العدد الى مليونين و500 ألف سيارة”.

وتفيد منظمة “مستقبل العراق” للدراسات الاقتصادية بأنّ كلّ سيارة تحرق في اليوم خلال الازدحامات من الوقود ما يساوي قطع مسافة 20 كلم، وهو ما يزيد أيضاً من تلوّث الهواء في العاصمة المكتظّة.

1

مليونين و500 ألف سيارة اليوم في بغداد بحسب محمد الربيعي الناطق الرسمي باسم أمانة بغداد

وشهدت المدينة في السنوات الأخيرة فورة اقتصادية وسكانية جذبت إليها العديد من سكان المناطق الجنوبية الأكثر فقراً، ما زاد الاكتظاظ السكاني بعد عودة الهدوء نسبياً إليها إثر سنوات من نزاع طائفي دامٍ (2006 – 2008) ومن ثمّ هجمات تنظيم الدولة الإسلامية الذي تمّ دحره في عام 2017.

وجذبت المدينة أيضاً استثمارات أجنبية، وبدأت تظهر فيها مؤخراً المجمعات السكنية والمبانٍي الحديثة مثل مبنى المصرف المركزي قيد الإنشاء الذي صممته الراحلة زها حديد.

ورغم ذلك مازالت المدينة، التي تبلغ مساحتها 204 كيلومترات مربعة، تفتقر إلى إشارات المرور المفعّلة في معظم الشوارع، وفيما زادت أعداد السيارات بشكل هائل لم تواكب البنى التحتية هذه التطورات.

ويقول شرطي المرور حسين، فيما وقف عاجزاً أمام الازدحام في شارع أبونواس المطلّ على نهر دجلة في العاصمة، “شوارعنا لا تزال نفسها منذ العام 1963 لم تكبر ولم تتسع… السيارات صارت أكثر من البشر”.

وفتكت عقود طويلة من الحروب والأزمات ببنية العراق التحتية، لكن الفساد وسوء الإدارة جعلا من عملية الإعمار والترميم مسألة شديدة الصعوبة أيضاً.

ولا تزال كلّ المشاريع التي طرحت من أجل وضع حدّ لأزمة الازدحامات المرورية أو تخفيفها في مدينة تواصل النمو بشكل سريع، عبر البرلمان أو الحكومات المتتالية، حبراً على ورق أو أن غالبيتها لم تكتمل مثل مشروع “مترو بغداد” الذي يفترض، على غرار المدن الكبرى مثل باريس ونيويورك أو إسطنبول، أن يربط بين أطراف المدينة الواسعة.

ووفق الربيعي من شأن المترو إذا تحوّل إلى واقع أن “يفكّ ضيق 40 في المئة من الازدحامات في بغداد”.

وبدأ التخطيط للمشروع في العام 2011. وجرت حينها مساعٍ للتوصل إلى اتفاق مع شركة ألستوم الفرنسية لوضع تصاميمه الأساسية، لكن دون نتيجة.

Thumbnail

وبعد عشر سنوات، في أكتوبر 2020، خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي إلى باريس جرى توقيع مذكرة حسن نوايا بين ألستوم ووزارة النقل العراقية بشأن إنشاء قطار معلّق في بغداد.

ولم يتقدّم مشروع القطار المعلّق الذي يفترض أن يمتدّ على 20 كلم ويضمّ 14 محطّة، وفق الربيعي، فيما أُنفقت الآن 45 مليون دولار على مخططات هذا المشروع، وفق محافظ بغداد السابق فلاح الجزائري.

وأعلن وزير النقل العراقي مؤخراً عن تخصيص ملياري دولار إضافية لهذا المشروع ضمن موازنة العام الجاري التي لم تقرّ بعد، بسبب الأزمة السياسية. فلا يزال العراق حتى الآن دون حكومة جديدة بعد ثمانية أشهر من الانتخابات التشريعية.

وفي مدينة كانت من أولى مدن الشرق الأوسط التي استخدمت فيها الحافلات ذات الطابقين قبل عقود، صار النقل العام الجماعي شبه غائب، باستثناء بعض الحافلات الصغيرة، ما يدفع أغلب السكان إلى التنقل بسياراتهم ويزيد الاختناق المروري.

أما حافلات الطابقين فلم تبقَ منها إلا خطوط قليلة، وهي لا تتلاءم مع الشوارع والطرق الحالية. وقد يعدّ نهر دجلة الذي يعبر المدينة حلّاً كذلك لمشكلة الازدحام في حال فُعّل النقل النهري.

وتطل على دجلة المنطقة الخضراء المحصنة في وسط المدينة، حيث مقرات رئاسة الوزراء ومؤسسات حكومية وبعثات دبلوماسية.

ويبقى النقل النهري “حلماً” يراود باسر الصفار، أحد سكان الكرادة في بغداد، الذي يقول “لن يتحقق (النقل النهري)، لأن من يسكن المنطقة الخضراء يعتبر ذلك تهديداً لأمنه”.

3