الاقتصاد المغربي أمام اختبار اجتياز عقبتي الجفاف وآثار الحرب

وضعت تأثيرات التغير المناخي على الزراعة وتداعيات الأزمة في شرق أوروبا، الحكومة المغربية أمام اختبار حقيقي لإظهار قدرتها على النهوض بنمو الناتج المحلي الإجمالي في 2022 بتوظيف أدوات بديلة تكون مصدا قويا إلى حين اجتياز هذه المشكلة.
الرباط- يتجه نمو الاقتصاد المغربي هذا العام نحو التراجع مقارنة مع ما كان متوقعا، بسبب انخفاض أداء قطاع الزراعة جراء جفاف هو الأسوأ منذ سنوات، بالإضافة إلى تداعيات الحرب في أوكرانيا.
وقال رئيس الحكومة عزيز أخنوش أمام البرلمان إن البلد كان يأمل في تحقيق نمو بمعدل 3.2 في المئة هذا العام، لكن “الظروف الخارجية المفاجئة والتحولات المناخية غير المستقرة أربكت هذه الفرضية”.
وفيما باتت تقديرات الحكومة بشأن النمو تتراوح بين 1.5 و1.7 في المئة، يرجح صندوق النقد الدولي أنها لن تتجاوز 1.1 في المئة.
ورصد تقرير رسمي حول النموذج التنموي أنه رغم الجهود التي بذلها المغرب في السنوات الماضية لتطوير الصناعة واستقدام شركات عالمية في قطاع السيارات خصوصا، لكن هذا التطور لا يزال غير قادر على “إحداث تغيير في البنية الاقتصادية”.

رشيد أوراز: الأزمة تبدو أقل قياسا بالسابق بفضل الخدمات والصناعة
ولا يزال معدل النمو متأثرا بشكل كبير بنتائج الموسم الزراعي المرتبط بمستوى الأمطار الذي تراجع بنسبة 42 في المئة، مقارنة مع متوسط العقود الثلاثة الأخيرة.
وبعدما بنت الحكومة توقعاتها للنمو الخريف الماضي على محصول من الحبوب يناهز 80 مليون قنطار، تراجعت إلى 32 مليون قنطار بفعل شح المياه.
وتقول وزارة الفلاحة إنه رغم تحسن صادرات الخضروات والفواكه فقد أدى التراجع في محصول الحبوب إلى خفض توقعات نمو القطاع بنسبة 14 في المئة، ما سيؤثر على نمو الاقتصاد إجمالا بواقع 1.7 نقطة مئوية.
ويوضح الخبير الزراعي عبدالرحيم هندوف أنه سيكون لهذا التباطؤ “تأثير مباشر على التشغيل ومستوى الاستهلاك الذي سيتراجع خاصة في القرى”.
وأشار إلى أهمية القطاع “الذي لا يزال يمثل نحو 14 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في الظروف المناخية العادية، ويشغل نحو 35 في المئة من السكان النشيطين”.
ونسبت وكالة الصحافة الفرنسية إلى هندوف قوله “هذا في حد ذاته مؤشر على أن اقتصادنا لا يزال هشا”. بالإضافة إلى الجفاف، يتوقع أن يتأثر النمو أيضا بتداعيات الحرب في أوكرانيا التي تضرر منها المغرب نتيجة ارتفاع أسعار الطاقة وبعض المنتجات المستوردة.
ويأتي هذا فيما يشير خبراء أيضا إلى عوامل محلية، مثل المضاربات وشبهات هوامش أرباح كبيرة لشركات توزيع الوقود.
وبلغ معدل التضخم جراء تداعيات الأزمة 4.1 في المئة بنهاية أبريل الماضي. وبحسب تقديرات رسمية يتوقع استمرار ارتفاع الأسعار عموما هذا العام بمعدلات تفوق المتوسط المسجل خلال العقد الأخير،
ويوضح الباحث في المعهد المغربي لتحليل السياسات رشيد أوراز أن “التضخم في ظل نمو اقتصادي ضعيف يؤدي إلى تضرر القدرة الشرائية لكل الفئات، وإذكاء الغضب الاجتماعي”.
لكنه يرى أن “حدة الأزمة تبدو أقل مقارنة بفترات ماضية، بفضل تطور قطاعات الخدمات والصناعة”. ولمواجهة آثار هذه الأزمة، أعلنت الحكومة في فبراير الماضي عن برنامج لدعم المزارعين قيمته حوالي مليار دولار.
كما أعلنت مضاعفة مخصصات دعم الأسعار إلى 3.2 مليارات دولار حتى نهاية أبريل، من دون اللجوء إلى قروض. وتشمل فقط الغاز والدقيق، فضلا عن دعم استثنائي لقطاع النقل البري.
والتزم أخنوش بـ”رفع وتيرة الاستثمارات العامة” لإنعاش سوق العمل واتخاذ إجراءات لصالح الشركات المحلية مثل منحها الأفضلية في الصفقات العمومية، منبها إلى “أننا نواجه أزمة اقتصادية وجيوستراتيجية ووبائية منقطعة النظير”.

عبدالرحيم هندوف: تباطؤ نمو الزراعة له تأثير على سوق العمل والاستهلاك
ولكن حتى قبل بروز هذه الأزمة، تظهر الأرقام الرسمية أن البلد شهد تراجعا في معدلات النمو خلال العشرة أعوام الماضية بمتوسط 3.5 في المئة، مقارنة مع 4.8 في المئة خلال العقد الذي سبق.
وأضعف ذلك قدرة البلاد على توفير فرص عمل للشباب ومواجهة الفوارق الاجتماعية العميقة. وبحسب تقديرات رسمية، يستحوذ 20 في المئة من المغاربة الأكثر يسرا على ما يفوق نصف دخل الأسر.
ووفق ما جاء في تقرير لجنة رسمية لاقتراح نموذج تنموي جديد نشر العام الماضي تطمح الرباط إلى تحقيق “نسبة نمو سنوية تفوق 6 في المئة” بحلول 2035، من خلال إجراءات عدة أهمها تطوير التصنيع المحلي وإدماج “الأنشطة غير المنظمة في القطاع المنظم”.
بيد أن تحقيق هذه الطموحات يبقى رهنا برفع مستوى استثمار القطاع الخاص الذي لا يزال ضعيفا، بالإضافة إلى إصلاحات هيكلية لتجاوز “اختلالات وعراقيل تقف في وجه المنافسة الحرة وتحمي حالات الريع أو مراكز النفوذ”.
ويوضح رجل الأعمال وعضو لجنة النموذج التنموي كريم التازي “تعاني قطاعات عدة احتكارا يضمن أرباحا مريحة، خارج المنافسة الحرة، فضلا عن معضلة الجمع بين المال والسلطة. هذا كاف لتحطيم نمو أي اقتصاد في العالم”.
ويضرب مثلا بقطاع المحروقات الذي يتحدث عنه الجميع الآن، أو القطاع المصرفي الذي يسيطر عليه ثلاثة فاعلين كبار، من دون أن يقوم بمهمته في تمويل الاستثمار.
وفي ظل هذه الوضعية، كشفت مصادر مطلعة لبلومبرغ أن المغرب يعتزم طرق سوق الدين العالمية في وقت قريب من موعد استحقاق سندات سابقة بقيمة 1.5 مليار دولار في ديسمبر المقبل، في أول إصدار منذ 2020.
وأوضح أن الحكومة ليست في عجلة من أمرها لإصدار السندات، باعتبار أن تحويلات المغتربين المرتفعة والأرباح من الفوسفات تخفف آثار ارتفاع أسعار واردات الغذاء والطاقة على التوازنات المالية للمدى القصير.
وبحسب المصدر الذي لم تكشف الوكالة هويته فإن الرباط لم تقرر بعدُ حجم أو فئة أو آجال الإصدار، رغم أنها قد تجمع ما يصل إلى 2.5 مليار دولار من الدائنين الثنائيين ومؤسسات التنمية الدولية بحلول نهاية العام. ويمكن للمغرب الاستغناء عن فكرة طرح السندات إذا استمرت الأسواق بالمطالبة بعائدات مرتفعة.