الاقتصاد المصري يبحث عن قاطرة لإقالته من عثراته

يراهن خبراء على عدد من القطاعات في مصر لإنعاش اقتصادها وإخراجه من أزماته المتراكمة في ظل علم السلطات بصعوبة الحصول على أموال كبيرة من المقرضين والمانحين، كما أن التجربة أثبتت عدم فعاليتها، وتحتاج إلى تفكير خارج الصندوق يمكنه أن يضع نواة لانطلاقة واعدة.
القاهرة – دفعت الأزمة الاقتصادية في مصر والتي تتطلب علاجا سريعا وناجزا، البعض إلى المطالبة بالتركيز على الزراعة والتكنولوجيا والرمال السوداء والأسمدة التي يمكن أن تحرك عجلات التنمية وتجذب الإيرادات.
ويرى خبراء أن الوقت لا يسمح بانتظار ما تدره القطاعات التقليدية التي كان يتم الاعتماد عليها في السابق، مثل السياحة التي باتت رهينة التقلبات والظروف والأوضاع الاقتصادية العالمية.
ويمكن اعتبار القطاع الزراعي قاطرة رئيسية تستطيع المساعدة في عملية سحب الاقتصاد المصري وإقالته من بعض عثراته المؤلمة.
ويأتي الاهتمام بهذا القطاع من خلال الاعتماد على الزراعات الحديثة، والذي يستطيع أن يحرك خلفه قطاعات مهمة، مثل صناعة المعدات والحديد والبلاستيك والنقل والطرق والطاقة والكهرباء، وغير ذلك من الأنشطة التجارية واللوجستية.
ويترتب على الزراعة أيضا تشغيل الشركات عبر الاهتمام بالتصنيع الزراعي، وهو في حاجة إلى تأسيس منشآت جديدة للتجفيف وتعبئة المحاصيل.
ويضم هذا المجال قطاعات متباينة من أسمنت ورمل وسيراميك وكل مواد البناء، والمجالات الأخرى اللازمة في علمية البناء وتشغيل المصانع.
ويرى خالد الشافعي، مدير مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية في القاهرة، أن التنمية الزراعية أساس الاقتصاد الحقيقي في مصر.
وقال لـ”العرب” إن “إهمالها السنوات الماضية، وعدم استصلاح المساحات الكافية من الأراضي، تسبب في عدم الاعتماد عليها كأساس لإنقاذ الاقتصاد، كما أن ندرة المياه حاليا تقف حائلا أمام الرهان كثيرا على الزراعة”.
ويمكن للسلطات وضع خطة واضحة من شأنها تحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الإستراتيجية عبر دراسات علمية وتتبنى وضع خطة لبناء معاهد متخصصة، بحيث تحقق جزءا كبيرا من حاجة السكان بجانب محاصيل التصنيع الزراعي.
وتؤكد الأوساط الاقتصادية المصرية أن نجاح تلك الخطوة سيتطلب إشراك القطاع الخاص كونه يملك العمالة الفنية المدربة ويهدف إلى النجاح فقط.
وتشير التوقعات التي رشحت عن العديد من الجهات المحلية والدولية إلى احتمال انخفاض حصة الفرد في مصر من المياه سنويا إلى 390 متر مكعب بحلول 2050.
ويثير هذا الوضع المخاوف من التأثيرات السلبية لعجز حصة المياه على الاقتصاد وعمليات الاستثمار الزراعي، وأيضا الصناعي القائم على الزراعة، أو الصناعي بشكل عام، في ظل النمو السكاني المطرد، ومع انخفاض حاد في موارد المياه العذبة المتاحة للفرد.
واعتبر الشافعي لـ”العرب” أنه يمكن العمل والاستثمار بالتوازي في قطاع الأسمدة بإنشاء عدد كبير من مصانع الأسمدة التي تستطيع مصر بها زيادة الإنتاج، وتصبح من الدول الكبرى المنتجة والمصدرة لها بعد توافر الغاز الطبيعي في البلاد.
ويمكن توجيه الغاز الطبيعي والكهرباء إلى هذه المصانع بدلا من التصدير للخارج، وقد تحتل مصر مرتبة متقدمة في تصدير الأسمدة في الشرق الأوسط في حال التركيز على ذلك بنجاح.
وأشار الشافعي إلى صعوبة الرهان على القطاعات التقليدية المتعارف عليها مثل السياحة لأنها عالية المخاطر وتتأثر بالظروف العالمية.
وقال “حاليا لا يمكن التعويل على شركات الجيش مع تنفيذ برنامج الإصلاح الهيكلي بجانب روشتة صندوق النقد الدولي التي تقضي بخروج المؤسسسة العسكرية من معظم قطاعات الدولة الاقتصادية”.
كما أن الاهتمام بالزراعة يسحب خلفه أحد القطاعات المهمة التي يمكن أن تعتمد عليها قاطرة التنمية، وهي التكنولوجيا بمفاهيمها المتعددة في التطبيقات الإلكترونية، لكون التقنيات الحديثة تزيد كفاءة المنتج، إذ إنها عملية تؤدي إلى زيادة في الناتج دون زيادة في المدخلات.
وبمعنى آخر، يقوم شخص ما بابتكار أو تحسين منتج أو عملية والتي يتم استخدامها بعد ذلك للحصول على إنتاج أكبر مقابل نفس القدر من العمل، ويؤدي اللجوء إلى التكنولوجيا إلى تحسين العمليات بشكل كبير وخفض تكلفة ممارسة الأعمال التجارية.
ويستطيع عدد قليل من الفنيين باستخدام التكنولوجيا الحديثة تشغيل مصنع كامل، وزيادة الإنتاح والتصدير، كما تؤدي التطورات في صناعة الكمبيوتر بجانب التقدم في الاتصالات إلى زيادة فرص العمل وتعزيز النمو الاقتصادي.
ويكمن الهدف من التكنولوجيا في تمكين الشركات والأفراد من استخدام التقنيات بشكل أكثر كفاءة، لأن هذا يؤدي إلى خفض التكاليف وزيادة مكاسب الإنتاجية.
وأوضح المحلل الاقتصادي محمد سعيد أن التكنولوجيا من القطاعات التي يمكن أن تعزز تقدم الاقتصاد، لأنها تمكن الشركات والأفراد من استخدام التقنيات بشكل أكثر كفاءة، لاسيما أن هذا يؤدي إلى خفض التكاليف وزيادة مكاسب الإنتاجية.
كما يترتب على استخدام التقنيات الجديدة إنتاج سلع جديدة أرخص وتحقيق فائض في رأس المال، ما يعزز القدرة التنافسية في الأسواق الدولية، وتعزيز الجودة لمؤسسات البحث العلمي، كما يساهم في التنمية الاقتصادية والثقافية للمجتمع.
وذكر سعيد لـ”العرب” أن الاهتمام بالصناعة من الأمور الأساسية للنهوض بالاقتصاد، لكنها عبارة مطاطة وكثر الحديث عنها في السنوات الماضية، ومن ثم فالاهتمام بالتكنولوجيا في هذا القطاع هو الأولى حاليا.
وقال “ستنتج عن ذلك زيادة الإنتاجية الصناعية، حيث يفضي التقدم التكنولوجي إلى تحسين القدرات الإنتاجية للصناعة في كل من جانب التكنولوجيا الصناعية وجوانب نوع الإنتاج”.
ويعزز الاستخدام الواسع لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات من فتح الطريق نحو فرص العمل مع وجود العديد من المواقع ومنصات التواصل الاجتماعي على الإنترنت، ما يسهل الترويج وتسويق المنتج.
كما أن الشركات يمكنها الوصول إلى سوق أوسع لأن المشترين الذين يدخلون إلى الإنترنت لا يقتصرون على المكان والزمان.
ومن القطاعات الأخرى التي يرى بعض الخبراء أنها واعدة وتحدث نقلة نوعية في الاقتصاد، الرمال السوداء التي شهدت إهمالا مصريا في العقود الماضية، لكن في أغسطس الماضي شهد افتتاح أول مصنع لذلك في مدينة البرلس بمحافظة كفر الشيخ.
وقال أسامة فاروق، الرئيس السابق لهيئة الثروة المعدنية، لـ”العرب” إن “العالم بأسره يبحث عن الرمال السوداء بشغف، خاصة الصين، وهي موجودة في مصر منذ عقود، لكن لم تلق اهتماما كافيا بها، ولذلك فبدء التركيز عليها مؤشر على أهميتها”.
وترتهن الاستفادة من الرمال السوداء بفتح المجال أمام الاستثمار فيها للقطاع الخاص المحلي والعالمي، لأنها متوافرة في مصر بملايين الأطنان في مناطق متنوعة مثل الإسكندرية والساحل الشمالي وبورسعيد وبلطيم.
وتؤكد الكثير من الدلائل على أن منذ النصف الثاني من القرن العشرين أصبحت الأسواق العالمية تركز بقوة على الرمال السوداء، بعدما أثبتت جدواها الاقتصادية.
ولفت فاروق إلى أن دخول القطاع الخاص في مجال الاستثمار في الرمال السوداء عملية مهمة وذات فوائد متعددة، لاسيما أن السلطات حريصة على ذلك.
وقال إن القاهرة تعتبرها “ثروة قومية تستخدم معادنها في صناعات عدة، بدءا من الأسلحة إلى الطائرات والإلكترونيات مرورا بصناعات أخرى مثل الطلاءات”.