الاقتصاد العماني يُثبت قدرته على التأقلم مع الصدمات

تظهر أحدث التقييمات لوكالات التصنيف الدولية أن الاقتصاد العماني لديه ما يكفي من القدرة لمواجهة التقلبات المالية والاقتصادية المفاجئة مستقبلا بعد أن ساعدت الأزمة في أوكرانيا البلد الخليجي على تحقيق درجة ائتمان عالية بفضل طفرة أسعار الطاقة.
مسقط - توجت سلطنة عمان تحركاتها الإصلاحية المتواصلة بالحصول على تقييمات دولية إيجابية يرجح أن تتحسن مع مرور الوقت، في ظل حرص الحكومة على تعديل بوصلة الاختلالات المالية والمضي قدما في تنويع الاقتصاد.
وأكدت وكالة موديز للتصنيف الائتماني نظرتها المستقبلية للاقتصاد العماني عند درجة إيجابية بفضل سياساتها التي مكنتها من جمع أصول احتياطية جديدة والشروع في تنفيذ حزمة واسعة من المشاريع التنموية، والتي كانت بطيئة خلال فترة الوباء وقبل ذلك بسنوات.
ورفعت موديز في تقرير أصدرته الخميس الماضي النظرة المستقبلية لسلطنة عُمان من مستقرة إلى إيجابية مع تثبيت معدل التصنيف عند بي.أي 3.
وأشارت في تقريرها الذي نشرت مقتطفات منه وكالة الأنباء العمانية الرسمية إلى أن أسعار النفط المرتفعة خففت من وضع ديون الدولة على مدى السنوات القليلة المقبلة.
مجموعة إيناغ: التضخم الحقيقي أكثر بمرتين من المعدل المعلن
وتمكنت الميزانية العامة من تحقيق فائض في النصف الأول من هذا العام بأكثر من ملياري دولار مقابل عجز بقيمة 2.85 مليار دولار على أساس سنوي.
واستفاد منتجو النفط في الخليج من الارتفاع الحاد في أسعار النفط منذ بداية العام الماضي مع ارتفاع الطلب عقب إغلاقات الاقتصادات التي سبّبتها الجائحة.
كما أدت الحرب في أوكرانيا إلى حدوث اضطرابات في الإمدادات، مما أدى إلى مواصلة الأسعار ارتفاعها مع استمرار نمو الطلب على الخام.
وقالت موديز إن “احتمالية استمرار ارتفاع أسعار النفط في السنوات القليلة المقبلة تمنح الحكومة وقتا إضافيا للمضي قدما في خطط الإصلاح المالي والاقتصادي”.
ومن المتوقع أن تمثل السيولة المتاحة لدى مسقط حائط صد ضد المخاطر المتعلقة بارتفاع الديون المشكوك في سدادها، وانتهاء فترات وانتهاء الحزم المالية التحفيزية المتعلقة بالجائحة.
وعزا خبراء الوكالة توقعاتهم إلى الانتعاش الاقتصادي في البلاد بعد تخفيف قيود الإغلاق الاقتصادي وارتفاع أسعار النفط، الذي مكن مسقط وبقية جيرانها في الخليج العربي من تحقيق إيرادات ساعدتها على تحريك عجلة النشاط الاقتصادي بوتيرة أسرع.
ويؤكد ثبات نمو الاقتصاد ومتانته حتى مع التدابير الاحترازية للوباء صواب خطط الإصلاح الحكومية، إذ تعول الحكومة على تنمية كافة المجالات وخاصة القطاع غير النفطي كونها أحد صمامات الأمان لتحقيق أعلى مؤشرات للناتج المحلي الإجمالي.
وأوضحت الوكالة أن تعديل النظرة المستقبلية يعكس مدى التزام الحكومة في تنفيذ الإجراءات الحكومية لضبط الأوضاع المالية بجانب الاستفادة من زيادة ارتفاع أسعار النفط في استيفاء التزاماتها نحو الدين العام خلال عام 2022 وخفض حجمه.
وقد نتجت عن ذلك استعادة بعض المرونة المالية تجاه صدمات المخاطر الخارجية كالمتغيرات الجيوسياسية وانخفاض أسعار النفط.
45
في المئة نسبة الديون من الناتج المحلي بنهاية هذا العام قياسا بنحو 63 في المئة في 2021
ورغم التوقعات باستمرار تقلبات أسعار النفط التي قد تنخفض إلى ما بين 50 و70 دولارا للبرميل في المدى المتوسط، إلا أن أسعار النفط ستظل مرتفعة خلال عامي 2023 و2024 لاسيما في ظل التوترات السياسية والعسكرية الجارية.
وأوضحت الوكالة أنه من المؤمل أن ينخفض معدل الدين العام لسلطنة عمان من 63 في المئة في العام الماضي ليبلغ أقل من 45 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الذي يبلغ في المتوسط نحو 85.5 مليار دولار سنويا، بحلول نهاية العام الحالي.
وبحسب خبراء موديز فإن التصنيف قد يتحسن في حال استمرت الحكومة في مسارها نحو تعزيز استدامة المالية العامة على المدى القصير والمتوسط.
ويشمل ذلك استمرار تنفيذ الإجراءات الرامية إلى تحسين الجوانب المالية والاقتصادية التي تؤدي إلى تقليل مخاطر انكشاف البلاد على الأزمات الاقتصادية وتقلبات أسواق النفط خاصة.
وفي أغسطس الماضي عدلت وكالة فيتش نظرتها لاقتصاد البلد الخليجي، وقامت في ضوء ذلك برفع تصنيف قدرة مسقط على الوفاء بالالتزامات المالية طويلة الأجل بالعملة الأجنبية إلى بي.بي بدل بي.بي سالب ومنحتها نظرة مستقبلية مستقرة.
وأرجح خبراء فيتش تلك الخطوة إلى تحسن الأوضاع المالية العامة للدولة، وتراجع ضغوط التمويل الخارجي والجهود المستمرة لإصلاح المالية العامة.
وتُرجح مؤسسات مالية دولية أن تحقق سلطنة عمان فائضا بنحو 5.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية العام الجاري على أن يكون عند نسبة 3.4 في المئة بنهاية 2023.
وسترتفع الإيرادات من الضرائب غير النفطية بعد تطبيق ضريبة القيمة المضافة في أبريل 2021، بجانب الضرائب على دخل الأفراد المخطط تطبيقها في 2023، والعائد الكبير المتوقع من ضرائب الشركات.
وفي حال تحققت هذه الأرقام سيمثل أول فائض منذ عشر سنوات بعد نمو عائدات البلاد من النفط بما يفوق زيادة الإنفاق.
متطلبات التمويل على المدى المتوسط للبلد الخليجي لا تزال كبيرة ومستوى المديونية الخارجية لعُمان مرتفع
وبعد تحقيق فوائض خلال العامين الجاري والمقبل، ستواجه البلاد عجزا صغيرا في 2024 مع تراجع سعر النفط إلى 65 دولارا للبرميل، حسب فيتش.
كما سيحقق الناتج المحلي للبلاد نمواً من مكاسب الإصلاحات المالية التي سترفع عائدات البلاد غير النفطية وتخفض الإنفاق العام.
ومع ذلك لا تزال ثمة مخاوف، إذ تقول فيتش إن الضغوط الاجتماعية المحتملة الناتجة عن انخفاض معدل التوظيف لدى الشباب العماني لا تزال تشكل خطرا على المالية العامة والاستقرار السياسي.
ويعتقد العديد من المهتمين بالشأن الاقتصادي العماني أن متطلبات التمويل على المدى المتوسط للبلد الخليجي لا تزال كبيرة ومستوى المديونية الخارجية لعُمان مرتفع.
وأكدوا أن الاقتصاد العماني والإيرادات المالية سيظلان مرتبطين بشدة بقطاع الهيدروكربونات على الرغم من الإصلاحات الهيكلية المستمرة لتعزيز التنوّع.
وفي أحدث تقييماته توقع صندوق النقد الدولي نمو الاقتصاد العماني بنسبة 4.3 في المئة هذا العام حيث يدعم ارتفاع أسعار النفط وتدابير ضبط أوضاع المالية العامة والتقدم في الإصلاحات الهيكلية التعافي الاقتصادي من تداعيات الوباء.
وأشارت تقديرات الصندوق إلى أن التضخم سيصل في المتوسط إلى ثلاثة في المئة بنهاية 2022، مقابل 3.7 في المئة في توقعات يونيو الماضي.