الاقتصاد الروسي يواجه مستقبلا ضبابيا في ظل قسوة العقوبات

تحديات عديدة أبرزها التراجع في صادرات الغاز وتقلص القوة العاملة والنقص في بعض سلاسل الإنتاج وهبوط قيمة الروبل.
الجمعة 2023/04/07
أموال المودعين في خطر

موسكو - تواجه روسيا وضعا صعبا ومستقبلا غير مؤكد رغم تكيفها مع العقوبات الشديدة المفروضة عليها ردا على غزو أوكرانيا رغم أن اقتصادها أحدث مفاجأة بصموده منذ أكثر من عام.

وردد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على مدى عام أن العقوبات الدولية غير مجدية وتنعكس سلبا على الغربيين أكثر منها على بلاده، مشددا على “تعزيز السيادة الاقتصادية” واستحداث “المزيد من الفرص” لروسيا.

غير أنه بدل نبرته فجأة في نهاية مارس الماضي، محذرا من العواقب “السلبية” للعقوبات “على المدى المتوسط”، في أول موقف من نوعه منذ اندلاع الحرب في أواخر فبراير العام الماضي.

وقال بوتين إن “العودة إلى مسار نمو يجب ألّا يجعلنا نتهاون”، مُقرا بأنه لا يزال هناك “مشكلات” ينبغي “حلها”.

أرنو دوبيان: القطاعات الأكثر تضررا كانت الأكثر انفتاحا على الخارج
أرنو دوبيان: القطاعات الأكثر تضررا كانت الأكثر انفتاحا على الخارج

وتتباين آراء المحللين بشأن ما إذا كانت هذه التصريحات مؤشرا على تدهور الوضع الاقتصادي أم مجرد تحذير موجه إلى الشركات بعدما حضها في منتصف مارس الماضي على “عدم تفويت فرص النمو” الجديدة.

ورأى أرنو دوبيان مدير المرصد الفرنسي الروسي في موسكو أن موقف بوتين “هو بكل بساطة واقعي”.

وأوضح لوكالة الصحافة الفرنسية أنها “رسالة تعبئة موجهة إلى الشركات والوزارات المعنية بأن الوضع أفضل مما كان متوقعا لكن لا تتهاونوا، واصلوا البحث عن حلول بديلة”.

وقالت ألكسندرا بروكوبنكو الباحثة بمركز كارينغي، والتي كانت تعمل سابقا في البنك المركزي الروسي إنه “يقول لهم ما معناه أنتم وأعمالكم في أمان في روسيا فقط تحت سلطتي، لا عودة إلى ما قبل فبراير 2022”.

ويتعرض الاقتصاد الروسي لمشكلات عديدة حاليا، مع التراجع الشديد في صادرات الغاز وتقلص القوة العاملة والنقص في بعض سلاسل الإنتاج وهبوط قيمة الروبل، وتوقف قطاع السياحة وغيرها.

وأشار دوبيان إلى أن القطاعات الأكثر تضررا جراء الحظر مثل قطاع السيارات، هي تلك التي كانت الأكثر انفتاحا على الاستثمارات والتعاون الدولي.

وفي آخر مثال على ذلك، أعلنت شركة أفتوفاز للسيارات توقف الإمدادات من بعض مزوديها الأجانب، وهو ما سيجعل من المستحيل مواصلة إنتاج سيارات متكاملة اعتبارا من النصف الثاني من مايو المقبل.

ولم يعد بوسع موسكو عمليا الحصول على التكنولوجيات الغربية وهي مضطرة إلى التوجه نحو آسيا ما يحتم مهل انتظار إضافية.

ولفتت بروكوبنكو إلى أن الشركات المرتبطة بقطاع الصناعات العسكرية هي التي “تتدبر أمرها بصورة أفضل”، مشيرة إلى قطاعات “البصريات والأدوية والمعدات المعدنية إلى ما هنالك”.

وتقر الحكومة باختلال التوازن هذا، مؤكدة عزمها على تعزيز المبادلات مع الدول الآسيوية وفي طليعتها الصين والهند، للتعويض عن خسارة السوق الأوروبية.

غير أن “الوضع يبقى صعبا” وفق ما أوضح سيرجي تسيبلاكوف أستاذ الاقتصاد في كلية الاقتصاد العليا في موسكو لوكالة الصحافة الفرنسية، مشيرا إلى “البنى التحتية المالية” بين ضحايا العقوبات.

سيرجي تسيبلاكوف: الوضع صعب والبنى التحتية المالية بين ضحايا العقوبات
سيرجي تسيبلاكوف: الوضع صعب والبنى التحتية المالية بين ضحايا العقوبات

وأعلن في.تي.بي، ثاني أكبر بنك روسي، الأربعاء الماضي عن خسائر تبلغ سبعة مليارات يورو في 2022، بسبب العقوبات ولاسيما استبعاده من نظام الدفع الدولي سويفت.

ويرى الكثير من المحللين في ظل الوضع الراهن أن التحدي الحقيقي بوجه الاقتصاد الروسي سيأتي في الأشهر المقبلة.

وقالت بروكوبنكو “ليس هناك أي مؤشر على أن روسيا تحظى في 2023 بعائدات إضافية كما في العام الماضي من خلال عائدات النفط والغاز” التي حققت زيادة كبيرة في 2022 مع ارتفاع أسعار الطاقة.

وأفادت وكالة الطاقة الدولية بأن العائدات النفطية الروسية تدهورت بنسبة 42 في المئة في فبراير الماضي على أساس سنوي، كما أن إعادة توجيه سوق الغاز إلى منطقة آسيا تستغرق وقتا طويلا لأسباب لوجستية.

إلا أن موسكو بحاجة ماسة إلى إبقاء عائداتها من المحروقات بمستوى مرتفع لمواصلة تمويل هجومها في أوكرانيا، في وقت تخصص حوالي ثلث الميزانية الفدرالية السنوية للنفقات العسكرية والأمنية، بحسب الأرقام الرسمية.

ومع تحذير بوتين الثلاثاء الماضي بأن “العقوبات ستدوم طويلا”، ترى بروكوبنكو أن “الأمر يتطلب وقتا طويلا للتكيف وإيجاد شركاء جدد وإقامة علاقات جيدة”، معتبرة أن المستقبل “ضبابي”.

ويقول دوبيان إن العقوبات لا تخلو من الألم، لكن توازنات الاقتصاد الكلّي ليست في خطر في الوقت الحاضر.

وأشار إلى أنه بإمكان روسيا تمويل مجهودها الحربي لثلاث أو أربع سنوات إضافية، لكنها خسرت ما يوازي عقدا من التطور منذ 2014، والآن قد تخسر عقدا ثانيا.

10