الاقتتال القبلي في دارفور يربك الاتفاق السياسي في السودان

الخرطوم – يربك الاقتتال القبلي المتواصل في دارفور منذ السبت الماضي الاتفاق السياسي الموقع بين قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبدالله حمدوك والذي لم يجد بعد طريقه للتطبيق على أرض الواقع في ظل شارع سوداني مناوئ للاتفاق وقوى سياسية تعتبره التفافا على الوثيقة الدستورية وشرعنة سياسية لما تعتبره انقلابا عسكريا.
وأسفر النزاع القبلي العنيف في ولاية غرب دارفور المندلع هناك منذ مطلع الأسبوع عن سقوط العشرات من الضحايا بين قتيل وجريح وسط مخاوف من تجدد القتال بصورة أعنف بعد حرق بعض أحياء المدينة.
وبدأت أحداث معسكر “كرينك” للنازحين (70 كلم شرقي الجنينة عاصمة الولاية) السبت، لكنها تفاقمت بصورة كبيرة الأحد والاثنين، فيما لا يزال الوضع مرشحا للمزيد من العنف، في ظل عدم تدخل قوى الشرطة والأمن.
ويرى مراقبون أن تخلف قوات الشرطة والجيش عن ضبط الأوضاع يعود لحسابات سياسية وتوجس قيادات المجلس الانتقالي السوداني من توظيف مناوئي الاتفاق السياسي للتدخل الأمني من أجل المزيد من ممارسة الضغوط، في ظل شارع سوداني منقسم على نفسه بشأن المرحلة الانتقالية.
ونشب القتال بين مسلحين من القبائل العربية والمساليت، وهو نزاع تاريخي يتجدد من وقت لآخر.
ولم تتضح بعد أسباب وقوع القتال، إلا أن مناطق عديدة في دارفور تشهد من آن لآخر اقتتالا دمويا بين القبائل العربية والأفريقية، ضمن صراعات على الأرض والموارد ومسارات الرعي.
وقال المتحدث باسم تنسيقية النازحين واللاجئين في دارفور آدم رجال، إن “الحصيلة الأولية لضحايا كرينك وصلت إلى 45 قتيلا و56 جريحا، ومازالت تجرى عمليات حصر للمفقودين”.
وأضاف رجال أن بعض أحياء المنطقة ومعسكر كرينك للنازحين أحرقت بالكامل، كما أن الوضع الإنساني مزر للغاية مما يتطلب تدخلا فوريا للمنظمات.
وفي الحادي والعشرين من نوفمبر الماضي وقع رئيس مجلس السيادة البرهان وحمدوك اتفاقا سياسيا تضمن 14 بندا منها إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وعودة حمدوك إلى منصبه بعد نحو شهر من عزله وتشكيل حكومة كفاءات (بلا انتماءات حزبية). وتعهد الطرفان بالعمل سويا لاستكمال المسار الديمقراطي.
ويشهد السودان منذ الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي أزمة سياسية حادة حين تم إعلان حالة الطوارئ وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين وإعفاء الولاة واعتقال قيادات حزبية ووزراء ومسؤولين، ما أثار رفضا من قوى سياسية واحتجاجات شعبية تعتبر ما حدث “انقلابا عسكريا”.
وتظاهر المئات من الطلاب الثلاثاء بمدينة نيالا مركز ولاية جنوب دارفور غربي السودان، رفضا للاتفاق السياسي.
وحمل المتظاهرون الأعلام الوطنية ولافتات مكتوب عليها “لا لحكم العسكر”، و”الشعب أقوى والردة مستحيلة”، و”نعم للحكم المدني الديمقراطي”.
والإثنين انطلقت تظاهرات بالعاصمة الخرطوم وعدة مدن، رفضا للاتفاق بين البرهان وحمدوك، استجابة لدعوة قوى “إعلان الحرية والتغيير – المجلس المركزي” ولجان المقاومة، لإسقاط ما أسمته بـ”الانقلاب” وتحقيق “مدنية الدولة”.
ومقابل ترحيب دول ومنظمات إقليمية ودولية بالاتفاق، رفضه وزراء معزولون وقوى سياسية وفعاليات شعبية في السودان، معتبرين إياه “محاولة لشرعنة الانقلاب والحيلولة دون قيام الدولة المدنية الديمقراطية”.
ولا يزال المحتجون السودانيون يحشدون ضد الاتفاق السياسي بين حمدوك والبرهان مطالبين باستعادة الحكم المدني، فيما تؤكد الأمم المتحدة والقوى الدولية الفاعلة في الأزمة السودانية أن عودة حمدوك إلى رئاسة الوزراء جنبت البلاد سيناريو عنف، لكنها لم تنه الأزمة.
ويخشى حمدوك أن تساهم أعمال العنف القبلية التي في صورة التعامل معها بخشونة أمنية لإنهائها، إلى المزيد من الضغوط عليه، في وقت لم يستطع لحد الآن الإعلان عن تركيبة حكومته الجديدة.