الاعتماد على عوائد النفط يعمق خلل التوازنات المالية للعراق

يحذّر محللون من أن العراق على شفا انهيار اقتصادي، حيث لا يزال ثاني أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك يعتمد بشكل رئيسي على صادرات الخام في إيرادات الحكومة رغم المحاولات المضنية لتنويع مصادر الدخل، الأمر الذي قد يعمق الخلل في التوازنات المالية.
بغداد - أظهرت بيانات وزارة المالية العراقية نهاية الأسبوع الماضي أن إيرادات الدولة تجاوزت 140 تريليون دينار وهو ما يعادل 107 مليارات دولار العام الماضي. إلا أن النفط شكّل أكثر من 91 في المئة من إجمالي العوائد.
وتشير بيانات البنك المركزي إلى تراجع الصادرات النفطية لعام 2023 إلى 94.4 مليار دولار من القفزة التي سجلتها في العام السابق والذي تجاوزت فيه قيمة صادرات البلاد من النفط 113 مليار دولار.
ولطالما كان العراق العضو في تحالف أوبك+ من أكثر الدول النفطية اعتمادًا على عائدات الخام كنسبة من إيرادات الموازنة السنوية، وهو ما يجعله يدور في حلقة مفرغة منذ عقود.
وقد دعا الاقتصاديون وخبراء، بمن فيهم المحلل تشارلز كينيدي الذي يكتب لمنصة “أويل برايس” الأميركية، السلطات العراقية إلى تنويع مصادر الدخل كوسيلة للحد من تأثر مالية البلاد بتقلبات أسعار النفط.
ووفقًا لصندوق النقد الدولي، ازداد اعتماد البلد على عائدات الخام، وقفز السعر اللازم لموازنة الموازنة إلى حوالي 84 دولارًا للبرميل في عام 2024، ارتفاعًا من 54 دولارًا للبرميل في عام 2020، بينما لا يزال السعر منذ بداية 2025 يحوم حول 70 دولارا.
وقال الصندوق في تقرير الشهر الماضي “لقد تفاقمت هذه التحديات بسبب الانخفاض الحاد في أسعار النفط في عام 2025، ما يتطلب استجابة سياسية عاجلة.”
وتوقع خبراء المؤسسة الدولية المانحة أن ينكمش اقتصاد البلد العضو في منظمة أوبك بواقع 1.5 في المئة هذا العام، على أن يعود إلى النمو في 2026 بمعدل 1.4 في المئة.
وعزا خبراء الصندوق ذلك إلى تراجع أسعار النفط وتوقعات بتباطؤ الطلب بسبب ركود الاقتصاد العالمي المحتمل الناتج عن الحرب التجارية.
واللافت في توقعات المقرض الدولي في تقرير “آفاق الاقتصاد العالمي لشهر أبريل” هو التراجع الكبير عن تقديراته في شهر أكتوبر الماضي والتي كانت تقدر نمو اقتصاد العراق بنسبة 4.1 في المئة خلال 2025.
ورفع العراق توقعاته لنمو القطاع غير النفطي بمقدار 0.5 نقطة مئوية إلى 4 في المئة خلال العام الجاري، ما يمثل تحسناً في أفق أداء القطاعات غير المنتجة للنفط، في البلد الذي يعوّل بشدة على إنتاج الخام في عوائد موازنته.
وعلى الرغم من زيادة التقديرات، فإن ذلك يشكل تباطؤا في نمو القطاع بنسبة 5 في المئة خلال العام الماضي، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء العراقية عن وزيرة المالية طيف سامي الأسبوع الماضي.
وأشارت الوزيرة إلى أن نمو الناتج المحلي غير النفطي خلال عام 2024 كان “مدفوعاً بنمو القطاع الزراعي وزيادة الإنفاق العام.”
84
دولارا للبرميل هو السعر المناسب لإحلال التوازن المالي، بحسب تقدير صندوق النقد الدولي
ومنذ سنوات يتعرض العراق إلى ضغوط لزيادة صادراته غير النفطية وتعزيز الإيرادات الحكومية بهدف الحدّ من تعرض الاقتصاد لصدمات أسعار النفط، وفق توصيات سابقة لصندوق النقد.
وعلى نطاق أوسع، ثمة حاجة ملحة إلى ضبط مالي كبير للتخفيف من المخاطر المالية الكلية، وضمان استدامة الدين، وإعادة بناء الاحتياطيات المالية.
ووفق التقديرات، فإن الموازنة السنوية التي تعد من أبرز قضايا الصراع السياسي والاقتصادي في البلاد، وتكون بنودها موجهة للإنفاق أكثر من كونها موجهة لبرامج تنمية، سيبلغ العجز فيها هذا العام نحو 50 مليار دولار.
ويقول خبراء إن الموازنة السنوية تبدو تشغيلية الشكل والمضمون بأكثر من 160 مليار دولار، ويمولها في العادة ما تجنيه الدولة من تجارة النفط الخام.
كما أن الدين الداخلي يؤثر في الموازنة الحالية، فقد ارتفع بنسبة 17 في المئة متجاوزا 63.1 مليار دولار على أساس سنوي.
وأفاد الخبير الاقتصادي محمد الحسيني في تصريح لمنصة “كردستان 24” الإخبارية الاثنين الماضي بأن إيرادات الموازنة الاتحادية للعراق تُظهر نقاط ضعف هيكلية.
وأضاف “لا تزال الحكومة عالقة تحت وطأة سوء الإدارة الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة، ما يعيق أي تنمية أو نمو حقيقي.”
وشدد على أنه “لضمان الاستقرار الاقتصادي على المدى الطويل، يجب على العراق تنويع مصادر دخله، وخفض الإنفاق العام، والتعامل مع العجز المالي بشكل أكثر فاعلية.”
ويعاني العراق، الذي مر على مدار أربعة عقود بتقلبات سياسية وحروب مع إيران والغرب وسيطرة داعش وفوضى اجتماعية، من الاعتماد على النفط منذ عقود، كما يعاني من قضية صادرات الخام مع إقليم كردستان منذ سنوات.
الخلافات المستمرة مع إقليم كردستان بشأن تهريب النفط وتقاسم الإيرادات لا تزال تعيق الإصلاح الاقتصادي
وفي الأسبوع الماضي أعلنت الحكومة الاتحادية العراقية أنها تُحمّل حكومة إقليم كردستان المسؤولية القانونية عن استمرار عمليات تهريب النفط من كردستان خارج العراق.
وهناك خلافات بين الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان في أربيل منذ سنوات حول الجهة المسؤولة عن صادرات النفط وتوزيع الإيرادات اللاحقة.
وتقول السلطات الاتحادية إن بغداد يجب أن تكون لها السلطة التقديرية الوحيدة في التعامل مع صادرات النفط وإيراداته.
ويعاني البلد من مشكلة بطالة حادة منذ أكثر من عقدين. وتشير بيانات وزارة التخطيط إلى أن النسبة انخفضت من نحو 16.6 في المئة خلال عام 2022 إلى 14 في المئة بنهاية العام الماضي.
كما يواجه العراق تحديات مختلفة نتيجة لارتباطه بالدولار لأن التقلبات في سعر الصرف بسبب الهيمنة الأميركية على النظام المالي تؤثر بشكل مباشر على الاستقرار الاقتصادي، ما ينعكس على القدرة الشرائية للمستهلكين مع ارتفاع التضخم وتآكل قيمة الرواتب.
وتهدد تحديات الديون وفوائدها الأسعار ومستوى التضخم، الذي من المتوقع أن يبلغ 2.3 في المئة، وفق تقديرات صندوق النقد الدولي، كما أنها تقيد الإنفاق للمنافع الاجتماعية وخفض موازنات المحافظات وبعض مشاريع البنية التحتية الأساسية.
وفي مارس الماضي طرحت وزارة المالية سندات سيادية بقيمة نحو 2.3 مليار دولار مخصصة للقطاع المصرفي حصرا، وفق وثيقة أصدرها البنك المركزي.
وأشارت الوثيقة إلى أن السندات على شريحتين، الأولى بقيمة 382.2 ألف دولار لأجل سنتين، وبفائدة سنوية قدرها 8 في المئة، والثانية بقيمة 764.4 ألف دولار لأجل 4 سنوات، وبفائدة 10 في المئة سنويا.