الاعتقالات السياسية تكشف أزمة الحكم في الأردن

في الفترة الأخيرة شنّت الأجهزة الأمنية الأردنية حملة اعتقالات سياسية شملت بعض الناشطين. أما السبب فهو إما مشاركتهم في مسيرات واعتصامات، أو انتقادهم للنظام السياسي ومطالبتهم بالإصلاح. وهو ما يحرج السلطات الأردنية التي تروج لحياة سياسية تعددية وضمانات لتفعيل المشاركة الحزبية.
عمان - تكشف مواصلة السلطات الأردنية اعتقال المعارضين السياسيين وسجن أصحاب الرأي المخالف عن أزمة الحكم في المملكة، في وقت يستعد فيه الأردن لمرحلة سياسية تشاركية باعتماد نظام الحكومات البرلمانية وهو ما يمثل أحد أهم مطالب الأردنيين منذ عقود.
ويرى مراقبون أن مواصلة الاعتقالات السياسية على الرغم من انطلاق “قطار التغيير السياسي” من خلال اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، تشير إلى الشكوك الموجودة أصلا بشأن الغاية من التغيير، وهل أنها فعلية أم شكلية لتهدئة الرأي العام.
وللأردنيين تجارب مريرة مع لجان الإصلاح السياسي والاجتماعي في البلاد، إذ أن جميع مقررات اللجان السابقة بقيت إلى حد الآن في الرفوف.

سالم الفلاحات: أي حياة سياسية في ظل اعتقال نشطاء الرأي
ونظم ناشطون سياسيون وحزبيون أردنيون اعتصاما الأحد أمام الهيئة المستقلة للانتخابات باعتبارها أصبحت المسؤولة عن الأحزاب السياسية، احتجاجا على الاعتقالات السياسية التي تطال أصحاب الرأي المعارض، مطالبين بالإفراج عن المعتقلين السياسيين.
واستهجن المشاركون مواصلة التضييق على الحريات ومحاولات تكميم الأفواه وإقصاء الشباب من المشاركة في الحياة السياسية.
وقال أمين عام حزب الشراكة والإنقاذ سالم الفلاحات إن الاعتصام يأتي “انتصاراً للأردن”.
واستهجن الفلاحات الحديث عن الديمقراطية والحياة السياسية والانتخابات والانخراط في الحياة الحزبية، في الوقت الذي يجري فيه اعتقال الناشطين من أصحاب الرأي.
ووفق آخر قائمة أصدرها المرصد الأردني لحقوق الإنسان والمظلومين قبل شهر، فإن هناك حوالي 60 معتقلاً وموقوفاً.
وحذرت أكثر من 100 شخصية أردنية في بيان مفتوح من استمرار الاعتقال السياسي، مطالبة السلطات بالعمل على إطلاق سراح كافة المعتقلين السياسيين والحراكيين ومعتقلي الرأي.
ودعت الشخصيات، وأغلبها من المعارضين والحراكيين، السلطات الأردنية إلى “وقف التغول على الحياة العامة، والاعتقال السياسي، والعمل بقانون الجرائم الإلكترونية، ومصادرة الحريات العامة وحرية الرأي والتعبير، ووقف تحويل النشطاء السياسيين والحزبيين والحراكيين إلى محكمة أمن الدولة”.
وأشار البيان إلى ما وصفه بـ”التشدد في الإجراءات القمعية، ومصادرة حرية الرأي والتعبير، واستخدام قانون الجرائم الإلكترونية لتغطية التضييق على المعارضين، وتحويل المعتقلين إلى محكمة أمن الدولة، ومحاسبة المواطنين على آرائهم”، داعياً إلى الحد من الصلاحيات الواسعة للحكام الإداريين بالتوقيف والغرامات تحت مسمى كفالات.
وأضاف البيان أن استمرار الاعتقال السياسي يعكس “أزمة الحكم الذي لم يعد يحتمل أي موقف أو رأي ينتقد هذا النهج وسياساته التي أخلت بالعقد الاجتماعي الذي ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ويزيد من حالة التأزيم والاحتقان الشعبي في ظل أزمة اقتصادية معيشية خانقة يعاني منها المواطنون تتجلى مظاهرها في الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار، وانتشار المخدرات وتصاعد الجريمة، ووصول المديونية للمؤسسات المالية الدولية إلى أرقام تؤشر إلى عقم هذه السياسات، وغياب دور المؤسسات الدستورية (البرلمان والحكومة)”.
منظمات دولية تشير إلى تزايد الاعتقالات السياسية منذ بدأت الحكومة بالعمل وفق أوامر الدفاع في مارس 2020
وقال البيان إن البلاد تشهد “أزمة شاملة وعميقة بفعل النهج السياسي والاقتصادي الذي فرضه الحكم وسارت عليه الحكومات المتعاقبة برسم سياساتها التي تتصادم مع الإرادة الشعبية، كما أنها أدخلت البلاد في اصطفافات وتحالفات سياسية تتعارض مع المصالح الوطنية بتوقيع الاتفاقية الأمنية مع الإدارة الأميركية، والمزيد من الاندفاع لتوقيع الاتفاقيات مع دولة الاحتلال، والانحياز لسياسة الخصخصة وتصفية القطاع العام، ورهن القرار الوطني بيد المؤسسات المالية الدولية”.
وأضاف “ترافق كل ذلك مع حالة غير مسبوقة من التغول على الحياة العامة بعزل وتشويه الحياة الحزبية بهدف ضرب التعددية الفكرية والسياسية وإعادة إنتاج أحزاب تخدم هذا النهج وسياساته يتحكم بمفاصلها رأس المال والطغمة المالية الحاكمة تحمل اسم أحزاب برامجية، ومصادرة دور النقابات المهنية الوطني تحت عنوان مهنة النقابات”.
وتنتقد منظمات دولية الحالة الحقوقية في الأردن على مستوى الحريات العامة وحق التعبير، وتشير إلى تزايد الاعتقالات السياسية منذ بدأت الحكومة بالعمل وفق أوامر الدفاع في مارس 2020.
والأردن محكوم منذ أكثر من سنتين بقانون الدفاع الذي يخوّل الحكومة صلاحيات واسعة كما لو كانت البلاد في حالة حرب، بحجة تسهيل إدارة أزمة الوباء. واستخدمت الأجهزة الحكومية القانون مرات عديدة في فض احتجاجات واعتقال نشطاء.
وسبق أن طالب سياسيون ومثقفون وكتّاب ومنظمات حقوقية بوقف العمل بأوامر الدفاع وتولي السلطات الصحية احتواء الوباء مثلما يحدث في دول كثيرة من العالم، لكن أجهزة الحكم ظلت تدافع بقوة عن تطبيق القانون الاستثنائي.
ويوجب الدستور الأردني على الدولة حماية حرية الرأي، حيث تقول المادة 15 “تكفل الدولة حرية الرأي، ولكل أردني أن يعرب بحرية عن رأيه بالقول والكتابة والتصوير وسائر وسائل التعبير، بشرط ألا يتجاوز حدود القانون”.
ناشطون سياسيون وحزبيون أردنيون نظموا اعتصاما الأحد أمام الهيئة المستقلة للانتخابات مطالبين بالإفراج عن المعتقلين السياسيين
وتؤكد المادة 128 من الدستور على ذلك، فتقول “لا يجوز أن تؤثر القوانين التي تصدر بموجب هذا الدستور لتنظيم الحقوق والحريات على جوهر هذه الحقوق أو تمس أساسياتها”.
إلا أن الناشط في الحراك الأردني الموحد علاء ملكاوي يرى أنه “لا يوجد ما يسمى بحرية التعبير في المملكة في ظل وجود قوانين تحدّ من هذه الحرية على الصعيد الشخصي أو الجماعي”.
وقال إن “قانون الجرائم الإلكترونية كافٍ لتقويض حرية التعبير، حيث يعتقل المواطن لمجرد ‘لايك’ أو تعليق أو منشور، عدا عن قانون منع الجرائم”، لافتا إلى أن “هذه القوانين غير دستورية، وينتج عنها تعسف في السلطة، ناهيك عن وجود محاكم خاصة كمحكمة أمن الدولة العسكرية والتي يحاكم أمامها مواطنون مدنيون”.
وينشغل الأردن منذ الصيف الماضي بتوسيع المشاركة السياسية بما فيها من تعديلات دستورية وقانونية تحيطها مؤسسة الحكم بهالة من التفاؤل والانفتاح والضمانات، لكنها لا تتحمل تدوينات وتعليقات النشطاء على ما يجري في البلد.
ومنذ أن أقر مجلس النواب الأردني قانون الأحزاب الجديد، تنفس الناشطون السياسيون الصعداء على اعتبار أن القانون سيمثل انفراجاً للعمل الحزبي في البلاد، بعد أعوام من التضييق والملاحقات الأمنية ومحاولات التدخل الرسمي في عمل الأحزاب وتوجهاتها.
لكن الاعتقالات الأخيرة كانت بمثابة خيبة أمل لدى الناشطين الذين يرددون مقولة العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني عام 2018 للشباب الأردنيين “إذا أردتم الإصلاح فارفعوا صوتكم ولا تصمتوا”.
ويهدف قانون الأحزاب السياسية إلى الوصول إلى تشكيل حكومات حزبية، أو المشاركة فيها، إضافة إلى توسيع تمثيل الأحزاب للمجتمع الأردني وتحفيز الأردنيين على تشكيل أحزاب سياسية برامجية، والمشاركة فيها بحرية وفاعلية، وتعزيز الدور السياسي للمرأة والشباب والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في الحياة الحزبية والعامة.