الاعتراض على الإصلاحات يقود اتحاد الشغل التونسي إلى مصير الأحزاب

تونس- حذرت أوساط سياسية تونسية من أن تلويح الاتحاد العام التونسي للشغل بعرقلة الإصلاحات العاجلة لإنقاذ الاقتصاد قد يقوده إلى مصير مشابه لمصير الأحزاب التي حكمت في السنوات العشر الأخيرة، والتي باتت في مرمى غضب الشارع، كما أهملها الرئيس قيس سعيد في لقاءاته وهو ما جعلها على الهامش.
وقالت الأوساط السياسية التونسية إنه في الوقت الذي تعمل فيه الحكومة على تقديم برنامج إصلاحي يحوز على دعم الجهات المانحة من أجل الشروع في الإصلاحات ووقف تدهور الوضعين الاقتصادي والاجتماعي، فإن الاتحاد يكتفي بالعرقلة وإطلاق التهديدات، لكنه لا يقدم أيّ بديل منطقي، مشيرة إلى أن حديث الاتحاد المستمر عن امتلاكه البدائل فيه الكثير من البروباغندا لكسب ثقة منتسبيه وفي نفس الوقت دعم دوره السياسي.
واعتبرت هذه الأوساط أن برنامج الاتحاد منغلق على ذاته، فهو يريد التمسك بمؤسسات حكومية فاشلة ويطالب الحكومة بضخ المزيد من الأموال لإنقاذها في وقت يتحكم فيها الفساد والمحسوبية. كما أنه يريد إقرار سياسة حكومية تقوم على زيادة الرواتب سنويا وتمكين موظفي القطاع العام من مزايا كثيرة فيما تعجز الحكومة عن توفير الأموال لمسائل أهم من بينها خلاص الديون الخارجية وتوفير السيولة للاستمرار في تقديم الخدمات الضرورية.

زهير المغزاوي: نحتاج إلى الإصلاحات لكن من دون إملاءات خارجية
وسبق أن أعلن الأمين العام للاتحاد نورالدين الطبوبي عن “رفض قطعي للتفويت في المؤسسات العمومية”، محذرا من “استهانة الحكومة بالقوة الاجتماعية (المنظمة النقابية).. إنها جاهزة للدفاع عن تونس أولا والاتحاد ثانيا”، وهو ما فهم على نطاق واسع كتهديد بالتصعيد الاجتماعي والعودة إلى الإضرابات التي أضرت بالبلاد في السنوات العشر الأخيرة.
ومنذ يومين قال الأمين العام المساعد للاتحاد صلاح الدين السالمي إن الاتحاد لن يلتزم الصمت، مضيفا أن من المستحيل أن يوافق الاتحاد على حزمة الإصلاحات التي وصفها بأنها “حزمة إفساد”، وأنها تشمل وقف التوظيف وتجميد الأجور لمدة خمس سنوات في القطاع العام وبيع بعض الشركات العامة ورفع الدعم نهائيا في غضون أربع سنوات.
واعتبر مراقبون محليون أن تصعيد الاتحاد هو بمثابة ورقة ضغط على قيس سعيد للقبول بأن تحافظ المنظمة النقابية على دورها السياسي من خلال القبول بفكرة الحوار الوطني، وهو أمر يرفضه الرئيس سعيد بشكل بات، كاشفين عن أن التصعيد في هذا الوقت هو رسالة سياسية قبل زيارة وفد من صندوق النقد الدولي إلى تونس واشتراطه اتفاقا لمختلف القوى الفاعلة على الإصلاحات قبل الإفراج عمّا تطلبه الحكومة من قروض.
وأعلن المتحدث باسم صندوق النقد جيري رايس أن “الزيارة تأتي بعد عدة أشهر من المشاورات مع السلطات التونسية بشأن طلبها برنامجا مدعوما من الصندوق”، وأن ذلك يأتي “للبناء على ما يمكنني وصفه بالتقدم الجيد المُحرز في فهم سياساتهم الإصلاحية”.
ويقول الاتحاد العام التونسي للشغل إن لديه أكثر من مليون عضو وتمكن من قبل من وقف عجلة الاقتصاد بإضرابات عمالية مما أجبر الحكومة على التخلي عن سياسات سابقة.
وقال مقرضون أجانب إنهم لن يعتبروا أن الإصلاحات التي يعلنها مفاوضون تونسيون من أجل التوصل إلى اتفاق للحصول على قرض من صندوق النقد الدولي ذات مصداقية إلا إذا حظيت بتأييد اتحاد الشغل، ومنظمة أرباب العمل، ومنظمات اجتماعية أخرى.
ويعتبر التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي ضروريا لفتح الباب لمساعدات مالية ثنائية أخرى محتملة من جهات مانحة ومقرضين ساعدوا تونس من قبل في السنوات الماضية.

منذر ثابت: من الضروري مقاربة الإصلاحات من خارج منطق الغلبة
وحذر أمين عام حركة الشعب القومية زهير المغزاوي من أن “الشروط المطلوبة من صندوق النقد الدولي ستؤدي إلى تفاقم الأزمات الاجتماعية والاقتصادية في تونس”.
وقال المغزاوي “نحتاج إلى حوار جدّي، وإلى الإصلاحات لكن من الداخل ودون إملاءات من الجهات المانحة، وإجراءات الخامس والعشرين من يوليو (قرار قيس سعيد بتجميد البرلمان وتغيير الحكومة) هي فرصة حقيقية لخلق تصورات جديدة”.
لكن المحلل السياسي منذر ثابت قال إنه “من الضروري تناول الموضوع خارج منطق الغلبة وأن تكون هناك صياغات أكثر مرونة، ويمكن رفع الدعم على فترة أوسع وكذلك المؤسسات العمومية وتناول كل ملف لوحده”.
وأردف ثابت “الإصلاحات ضرورية، لكن الإشكال الأساسي أنه تم تأجيلها لأسباب سياسية منذ عهد حكومة يوسف الشاهد، وهذا التأخير أفضى إلى تفاقم الأزمة، ولا بد أن يتم الإصلاح وفق صندوق خاص من الجهات الدولية المقرضة”.
ووضع الاتحاد بهذا التصعيد نفسه في صف حركة النهضة التي أصدرت بيانا حملت فيه السلطات مسؤولية “العجز عن تعبئة الموارد المالية المطلوبة لميزانية 2022، ما قد يؤدي إلى عدم الوفاء بسداد القروض التي اقترب أجلها”.
جاء ذلك في بيان لحركة النهضة الخميس بإمضاء رئيسها راشد الغنوشي، فيما لم يصدر تعليق من الرئاسة أو الحكومة التونسية حول ذلك.
واتهمت “النهضة” في بيانها الحكومة بـ”ممارسة التعتيم على الحقائق المالية الخطيرة جدا، وإلهاء الرأي العام بقضايا هامشية مثل الاستشارة الإلكترونية الفاشلة، عوض مصارحة الشعب بحقيقة عجز المالية العمومية في ظل التداعيات السلبية للحرب على أوكرانيا”.