الاصطفاف إلى جانب السوداني يضع العبادي في مواجهة جديدة مع المالكي

رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي يعود ليبرز من جديد كحجر عثرة في وجه طموحات زعيمه السابق في حزب الدعوة الإسلامية نوري المالكي. فبعد أن انتزع منه منصب رئيس الحكومة سنة 2014، ها هو يعود ليدعم رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني ضدّ مساعيه لإزاحته بانتخابات مبكرة.
بغداد - وضع الموقف من حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني واستكمالها مهامها حتّى موعد الانتخابات البرلمانية القادمة أو إنهائها بانتخابات مبكّرة، رئيسي الوزراء الأسبقين حيدر العبادي ونوري المالكي في مواجهة سياسية جديدة، مكرّسا التوتّر القائم في علاقة الرجلين اللذين كان يجمعهما انتماؤهما إلى حزب الدعوة الإسلامية، قبل أن يفرّق بينهما منصب رئيس الوزراء الذي انتقل سنة 2014 من العبادي إلى المالكي الراغب آنذاك في الفوز بولاية ثالثة على رأس الحكومة رغم الحصيلة الكارثية لسنوات حكمه على مختلف الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
ورفض العبادي فكرة الانتخابات المبكّرة التي اقترحها المالكي ودافع عنها رغبة في قطع وتيرة الصعود السياسي اللافت للسوداني والذي يجعل منه مرشحا فوق العادة للفوز بفترة جديدة في قيادة الحكومة إثر الانتخابات المقررة لسنة 2025.
وأكّد زعيم تحالف النصر بذلك انتماءه إلى المعسكر الذي نشأ داخل الإطار التنسيقي الشيعي والداعم للسوداني ضدّ مساعي المالكي لإزاحته بشكل مبكر وقطع الطريق أمام إمكانية فوزه بولاية ثانية.
وبذلك يكون العبادي قد برز من جديد كحجر عثرة في طريق الطموحات السياسية لقائده السابق في حزب الدعوة والرئيس الحالي لائتلاف دولة القانون، بعد كان قد فاجأه قبل نحو عشر سنوات بانتزاع المنصب التنفيذي الأهم في الدولة العراقية من يده حين لم يكن الرجل من المرشحين للمنصب الذي يعتبر المالكي أنّه الأحق به ويبدو أنّه مازال يطمح لشغله ويهيئ الأرضية لذلك بمحاولته إزاحة السوداني. وصنّف العبادي فكرة إجراء انتخابات برلمانية مبكرة ضمن خانة المناكفات السياسية، معتبرا أن إجراءها غير ممكن.
حديث العبادي عن داعش تذكير للمالكي بمسؤوليته عن غزو التنظيم للبلاد جراء فشل سياساته اقتصاديا واجتماعيا وأمنيا
وكان المالكي قد طرح فكرة الانتخابات المبكرة مطالبا بإجرائها بحلول نهاية العام الحالي. وقال آنذاك إن حكومة السوداني ملزمة بذلك بحسب برنامجها الانتخابي، مشددا على ضرورة منع المسؤولين الحكوميين من المشاركة فيها إلا في حال استقالتهم من مناصبهم.
وواجهت دعوة المالكي ردود فعل رافضة من داخل الإطار التنسيقي الذي كان قد تشكّل إثر الانتخابات البرلمانية السابقة من أبرز الأحزاب والفصائل الشيعية بهدف محدّد هو انتزاع امتياز تشكيل الحكومة من التيار الصدري بقيادة رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر الذي كان قد حصل في تلك الانتخابات على عدد هام من مقاعد البرلمان.
وفي مظهر على حدوث تغيير جذري في موقف زعيم ائتلاف دولة القانون من الإطار ودوره، أرفق الرجل دعوته لانتخابات مبكرة برسائل إيجابية تجاه الصدر الذي كان في السابق أحد ألد أعدائه السياسيين، الأمر الذي فسّره متابعون للشأن العراقي باعتباره تعبيرا عن استعداد المالكي للتحالف مع الصدر ضدّ السوداني والمعسكر الداعم له.
ويقوم الإطار، الذي تنسب مصادر عراقية فكرة تشكيله إلى نوري المالكي نفسه، بدور المظلّة السياسية للحكومة، لكنه تحوّل لاحقا إلى منصة لصعود جهات منافسة للمالكي على السلطة والنفوذ، ما جعل الأخير يسعى لتفكيكه وحلّ الحكومة المستندة إليه قبل انتهاء مدّتها القانونية.
وكشفت تفاصيل مقترح المالكي بشأن الانتخابات المبكرة بوضوح نيته تفكيك دوائر النفوذ المنافسة له والتي نشأت في ظل حكومة السوداني، ومنع شخصيات بعينها، من ضمنها السوداني نفسه، من تركيز أقدامها في السلطة.
وظهر ذلك خصوصا في مطالبته باستقالة جميع أعضاء الحكومة قبل موعد الانتخابات بستة أشهر، قائلا إنّ “عددا من الدول تعمل وفق ما نطرحه أي أن التنفيذي يستقيل قبل ستة أشهر من إجراء الانتخابات.. فإذا أراد التنفيذي أن يترشح للانتخابات فيجب عليه الاستقالة حفاظا على إرادة العملية الانتخابية، وهي ضرورية جدا إذا ما أردنا أن نحمي كرامة وحرمة تلك العملية”.
وترى مصادر عراقية أنّ المالكي يكاد يستنفد أوراق قوّته وأنّ مكانته السياسية في تراجع أمام الدعم المتين الذي تحظى به حكومة رئيس الوزراء الحالي من قبل أحزاب وفصائل شيعية، بما من شأنه أن يحوّل دعوة زعيم ائتلاف دولة لانتخابات برلمانية مبكرة من وسيلة لاستعادة هيمنته على السلطة التنفيذية إلى سبب لعزلته ووضع نهاية لطموحاته.
ونفت حكومة السوداني في وقت سابق وجود مساندة داخل الإطار التنسيقي الشيعي لدعوة المالكي بينما جدّدت أطراف فاعلة في الإطار تمسّكها باستكمال الحكومة لولايتها معبرة عن رضاها عن عملها وإنجازاتها.
وقال فادي الشمّري المستشار السياسي لرئيس الوزراء في وقت سابق إنّ “التصريحات التي جرى تداولها من القوى السياسية حول الانتخابات المبكرة طرحت في الإعلام ولم تناقش في مطابخ القرار السياسي أو في اجتماعات الإطار التنسيقي أو ائتلاف إدارة الدولة”.
ومن بين الداعمين لحكومة السوداني عمار الحكيم زعيم تيار الحكمة الشيعي إلى جانب قوى وشخصيات أخرى من بينها الزعيم الميليشياوي النافذ قيس الخزعلي قائد ميليشيا عصائب أهل الحق الممثلة في البرلمان العراقي بكتلة “صادقون”.
وسبق للحكيم أن عبّر عن ارتياحه “تجاه حركة الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية في التطور العمراني والمسار الإصلاحي وفي مجالات عدیدة”. وأثنى على جهود رئيس الوزراء وفريقه الحكومي و”مساعيهما المشهودة “، مؤكدا دعمه لاستمرار الحكومة في عملها بقوله “نرى في جهودها تمثيلا لبرامجنا ومشاريعنا التنموية في جعل العراق ورشة عمل كبرى على مدار الساعة. ونعتقد أن الاستمرار بهذا النهج هو الحل، وأن الحكومة بحاجة إلى مزيد من الدعم المجتمعي والسياسي فكلنا في مركب واحد ومصير واحد”.
ومن خارج العائلة السياسية الشيعية اعتبر النائب عن الحزب الديمقراطي الكردستاني ماجد شنكالي أن الحديث عن إجراء انتخابات مجرد مناورة. وقال عبر منصة إكس “بلغة المنطق والحسابات على أرض الواقع لن تكون هناك أي انتخابات مبكرة في العراق، وكل حديث عنها لا يتعدى أن يكون ضغطا ومناورة لتحقيق أهداف ومآرب أخرى”.
وجاء موقف العبادي من الانتخابات المبكرة امتدادا لموقف ائتلافه الذي سبق له أن عبّر عن دعمه لاستمرار الحكومة إلى نهاية ولايتها. وقال الائتلاف في بيان إنّ “هناك أولويات وطنية أهم من الانتخابات المبكرة”، مؤكّدا “عدم وجود اتفاق وطني على إجراء الانتخابات بشكل مبكر”.
تفاصيل مقترح المالكي بشأن الانتخابات المبكرة تكشف بوضوح نيته تفكيك دوائر النفوذ المنافسة له والتي نشأت في ظل حكومة السوداني
وقال العبادي في مقابلة مع وكالة الأنباء الرسمية العراقية إن “مطالبة بعض القوى بالانتخابات المبكرة فيها نوع من المناكفات السياسية، وإن إجراءها غير ممكن”، مبينا أن “المفوضية العليا للانتخابات لديها استحقاقات، بينها انتخابات برلمان الإقليم، وتحضيراتها للانتخابات التشريعية المقبلة تتطلب وقتا”.
ولفت إلى أنه “في كل انتخابات يُشرّع قانون جديد، وهذه مشكلة تُحدث تأخيرا واختلافا إلى أن يتحقق توافق بين الكتل السياسية. والقوانين السابقة للانتخابات كانت توضع لها تواريخ لكن في هذه المرة هناك حرص على أن يكون قانونا ثابتا لا يتغير”.
كما دافع زعيم ائتلاف النصر على منجز الحكومة الحالية ملمحا إلى أنّه امتداد لمنجز حكومته التي ترأسها حتى سنة 2018 ودارت خلالها الحرب ضد تنظيم داعش، والتي انتهت بهزيمته عسكريا. وقال إن “البلاد تشهد استقرارا أمنيا كبيرا جاء بفضل الاهتمام بالأمن وجاهزية القوات العراقية بعد الانتصار على داعش بتحرير الموصل سنة 2017 وما تلاه من انتصارات حيث استمرت القوات الأمنية العراقية بتطوير قدراتها ومراقبة التحركات الإرهابية”.
ولا يخلو حديث العبادي عن داعش من إشارة خفية إلى المالكي الذي كان التنظيم قد غزا مناطق شاسعة من العراق في نهاية ولايته الثانية، واعتُبر ذلك مظهرا من مظاهر فشل سياساته الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، والتي أتاحت للإرهاب أن يوجد له حواضن في البلد، بعد أن أضعفت السياسات ذاتها المؤسسات الأمنية والعسكرية وسرّبت الفساد والطائفية إلى صفوفها.
وأضاف أن “الاستقرار انعكس إيجابا على الوضع العام وشجع الاستثمار وحرك عجلة المشاريع من قبل الحكومة ومن مصلحة الجميع دعم هذا الاستقرار لأنه يصب لصالح اقتصاد البلد، خاصة وأن الانطباع العام يرى أن الأمور في البلد تسير بشكل جيد من قبل الحكومة”.
وذكر أن “استمرار ارتفاع أسعار النفط ساعد الحكومة في الإنفاق تطبيقا لبرنامجها وهذا مكسب للمواطنين”، لافتا إلى أن “رئيس الوزراء محمد شياع السوداني ليس جديدا على المسؤولية، فقد شغل سابقا منصب محافظ ووزير وهذا التدرج جعله ملما بالوضع العام للدولة والمشاكل الموجودة، وهذا ولد جوا متفاعلا مع الناس”.