الاشتياق إلى الجارة

علاقات الحب الذي ينشأ بين الجيران احتلت مكانا بارزا في السينما المصرية وهو ما انعكس على الغناء بطرق مختلفة.
السبت 2024/01/27
الحب كلمة السر بين الجيران

يقول المثل الشعبي "النبي وصى على سابع جار" وأصل ذلك المثل يعود إلى الحديث المنسوب إلى النبي محمد العربي "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه" ثم هناك من يردد الوصية بطريقة أخرى "جارك ثم جارك ثم جارك" فيخرج بحكمة لا تزال إلى حد ما صالحة للتداول "الجار قبل الدار". وما من امرأة عربية استحقت في العصر الحديث أن تلقب بـ"جارة القمر" مثل فيروز.

لكن المفارقة تكمن في أن فيروز ليست كالشحرورة صباح أو كوكب الشرق أم كلثوم أو العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ فهي التي اختارت لقبها بناء على موقع سكنها "نحنه والقمر جيران/ بيتو خلف تلالنا/ بيطلع من قبالنا/ يسمع الألحان" وهو ما لا يتطابق مع ما اقترحته فايزة أحمد حين غنت من ألحان العراقي رضا علي "جيرانكم يا أهل الدار/ والجار حقه على الجار" كانت الجيرة عنوان التآلف الاجتماعي بحيث يمكن أن تكون الصبية "طالعة من بيت أبوها/ رايحة لبيت الجيران" حسب ما ورد على لسان ناظم الغزالي.

وليس في ذكر الجار الذي أوقع الفتاة في غرامه أي نوع من الحرج "جاري يا حمودة / يا جاري دبر علي يامه/ الناس تبات رقوده/ وأنا نومي حرم علي يامه" كما تقول عليا التونسية ويقال إن الأغنية أُلفت في أربعينات القرن العشرين بجزيرة "قرقنة" لأغراض لا علاقة لها بالغرام. ولقد احتلت علاقات الحب الذي ينشأ بين الجيران مكانا بارزا في السينما المصرية وهو ما انعكس على الغناء بطرق مختلفة.

تقول حورية حسن في أغنيتها الأكثر شهرة "من حبي فيك يا جاري/ يا جاري من زمان/ لخبي الشوق وأداري/ ليعرفوا الجيران". أما شادية فتلوم الجار على ما حدث من أمر لم يكن في الإمكان تفاديه "مين قلك تسكن بحارتنا/ تشغلنا وتقل راحتنا/ يتشوفلك حل بحكايتنا/ يتعزل وتسيب حتتنا"، و"بنت الحتة" هو واحد من أشهر مسلسلات زمان وكان من بطولة زهرة العلا وصلاح قابيل.

تضع سميرة توفيق المسألة كلها في دائرة الشك المحير “بسك تيجي لحارتنا يا عيوني وتتلفت حوالينا/ عينك على جارتنا يا عيوني وإلا عينك علينا"، ولكن الجار يأخذ منحى رمزيا لدى كاظم الساهر "دقيت باب الجار كل ظنتي بابي/ ذاكرتي صارت عدم من فرقة أحبابي/ يا جار هذا العشق/ يحرق ولا يحترق/ تركوني وحدي ومشوا ما حاسب حسابي”.

وبالمعنى نفسه يحضر أبوفراس الحمداني وهو يقول "أقول وقد ناحت بقربي حمامة/ أيا جارتا هل تشعرين بحالي" وليست "جارة الوادي" سوى المدينة الجبلية اللبنانية "زحلة" التي وقع في عشقها أمير الشعراء أحمد شوقي. وقد يكون حنا السكران الذي يغني فتحزن بنت الجيرن حسب رواية فيروز واحدا من سكانها. وكما أرى فإن مقولة عبدالحليم حافظ هي التلخيص المثالي لـ"الاشتياق إلى الجارة" وهي رواية التونسي الحبيب السالمي "خسارة خسارة/ فراقك يا جارة/ عينيا بتبكي عليك بمرارة".

18