"الاسم الرمزي بانشي" مطاردة وقتال وانتقام بين مخبرين سابقين

بعيدا عن الحبكة البوليسية فإن متطلبات الفيلم الإنتاجية لم تكن معقدة على الإطلاق.
الأحد 2022/07/17
عنوان الكثير من المشاهد هو "ارم لتقتل"

دائرة العنف والانتقام في أفلام الجريمة والحركة لها خصوصية قد تبدو مختلفة عن سائر الأنواع الفيلمية لجهة الكيفية التي بموجبها يتم استخدام عمليات القتل والملاحقة، وصولا إلى درجة الإسراف والمضي في المطاردة إلى ما لا نهاية بكل ما في ذلك من عمليات قتل مباشرة.

تنطبق هذه المقدمة على فيلم “الاسم الرمزي بانشي” للمخرج جون كيس، والذي يزج بشخصياته مباشرة في دائرة الصراع من أجل البقاء فيما دائرة القتل والانتقام ليس لها حدود، وهو ما تجسده شخصية كاليب (الممثل أنطونيو بانديراس) وهو عميل سابق للمخابرات الأميركية، لكنه كان قد تقاعد وراح يدير أحد البارات في ولاية أميركية أخرى، مخلفا وراءه تاريخا من الدم والقتل.

في المقابل هنالك بانشي (الممثلة جايم كينغ) وهي قاتل مأجور تؤرقها قضية مقتل والدها الذي كان زميلا لكاليب وصديقا مقربا له، ولكن يتم قتله في ظروف غامضة من دون معرفة مكان جثته، وتجد بانشي نفسها وهي تعود إلى البحث عن كاليب لسببين، الأول هو العثور على جثة والدها والثاني هو محاولة إنقاذه من غدر غرين (الممثل تومي فلانغان) الذي يسعى إلى الحصول على مكافأة بالملايين مقابل قتل كاليب.

هل يجب على فيلم الجريمة والعنف أن يحتشد بمشاهد هدفها الوحيد هو القتل من أجل القتل

هذه الدائرة الانتقامية المشتعبة تبنى برمتها على تتابع في عمليات الانتقام فمن جهة بانشي تتحول إلى مجرد قاتل مأجور تقوم بعمليات الاغتيال حسب الطلب، وتذكرك مشاهد إجهازها على خصومها بذلك النوع من القتل العشوائي الذي نشاهده في المسلسل التركي “الحفرة”، فكأن أولئك القتلى مجرد ذباب ينبغي التخلص منه بكل سهولة من خلال الرمي يمينا وشمالا باتجاه أي شخص يقف في طريقها.

أما وقد عادت إلى كاليب فإن بانشي تشعر بحنين إلى ذلك الماضي، فهو معلمها الذي اهتم بها، لكنه لا يأمنها رغم كل ذلك، ويحسب أنها قادمة لقتله، بينما هي في الحقيقة تريد أن تضرب عصفورين بحجر، أن تحميه من غدر غرين وعصابته وتنتقم لنفسها ووالدها أيضا.

واقعيا إن هذه القتامة التي سادت أغلب مشاهد الفيلم وامتدت على المساحة الفيلمية لا نجد من خلالها متنفسا نحو حبكات ثانوية، فحياة الشخصيات منقادة إلى نزعة الانتقام وبذلك كانت خطوط السرد الفيلمي تصب في هذا الهدف، وما علينا سوى أن نشاهد المهارة في التصويب الذي تتمتع به بانشي وأيهما سوف يقهر الآخر، هي أم خصومها.

في المقابل وفيما يتعلق بشخصية كاليب الذي يفترض أنه هو الآخر يشكل ركنا أساسيا في دراما العنف والقتل، إلا أننا ابتداء من منتصف الزمن الفيلمي نجد أن الأمر برمته قد أوكل إلى بانشي، وهي التي سوف تصفي حساباتها بعيدا عنه.

من هنا شاهدنا ذلك اللقاء الحذر بين بانشي وكاليب بعد انقطاع طويل، مشهد تم بناؤه على أساس حوار مقتضب، إذ لا يعلم كاليب دوافعها وهي القادمة إليه، بينما يعلم مهاراتها العالية التي تكونت من خلال تدريبها على يديه، حتى أن الفهم المشترك بينهما سرعان ما يتحقق فيخفي كاليب سلاحه مطمئنا إلى نواياها.

وحتى بالنسبة إلى العلاقة بين بانشي وكاليب، فإن اجتماعهما في مشاهد مكرسة لهما هي قليلة جدا بما لم يحقق الإشباع الكافي لفهم تفاصيل تلك العلاقة القديمة، التي كانت قاعدتها هي عمليات قتل واغتيالات اختلط فيها الحابل بالنابل بين كونها تجري لصالح المخابرات الأميركية أو هي نشاط إجرامي يندرج في إطار الجريمة المنظمة، وذلك ما لا تتوفر إجابة كافية عنه.

القتل من أجل القتل

في المقابل وعلى صعيد بناء المشهد نلاحظ أن حتى الادعاء والتفاخر الذي تميز به غرين والأتباع الكثر الذين ينفذون أوامره، إلا أن كل مواجهاته اتسمت بضعف واضح وملفت للنظر، ففي مثل هذه الأفلام يتميز هذا الخصم المحترف بالدهاء والتمكن من الغدر بالخصم وبناء الفخاخ، أما هنا فإن غرين يكتفي بالتهديد والوعيد لخصومه وتجلى ذلك المستوى المتواضع من خلال المواجهة الدامية التي وقعت بين بانشي وابنة كاليب من جهة، وبين غرين وفريقه المدجج بالسلاح من جهة أخرى، وكان ملفتا للنظر أن الفتاتين تمكنتا من قتل حوالي عشرين شخصا بمن فيهم غرين.

بالطبع غابت تفاصيل فيما يتعلق بالجانب غير المرئي من حياة الشخصيات ومنها مثلا شخصية بانشي نفسها التي بدت غامضة إلى حد كبير، وكنا بحاجة إلى المزيد من الإضاءات الضرورية التي تكشف عن دوافعها وبنائها النفسي وماضيها وما إلى ذلك، وهو ما اقتصد فيه الفيلم إلى حد كبير تاركا وراءه العديد من الأسئلة عن تلك الشخصية.

وبعيدا عن الحبكة البوليسية ومشاهد الصراع المتواصلة ورمي الرصاص فإن الفيلم ليس من ذلك النوع من الأفلام ذات التكلفة العالية، ومتطلباته الإنتاجية لم تكن معقدة على الإطلاق، وكان عنوان كثير من المشاهد هو “ارم لتقتل”.

ولعل السؤال الذي يطرح في وسط تلك السلسلة من المشاهد الصاخبة والمحتشدة بالقتل والانتقام، هل أن فيلم الجريمة والعنف بالضرورة يحتشد بمشاهد هدفها الوحيد هو القتل من أجل القتل؟ هذا السؤال ينطبق على هذا الفيلم في تركه مساحات مهمة تتعلق بالشخصيات دون تسليط الضوء عليها والانشغال بعمليات إطلاق الرصاص وقتل الخصوم.

14