الاستقلالية المالية للمرأة خيار بديل عن التبعية للرجل

عوامل بالجملة أدت لإنتاج ظاهرة اجتماعية جديدة في المجتمعات العربية، تسمى عزوف المرأة عن الزواج، وهذا يعني تخليها عن أشياء كانت حتى وقت قريب حلم كل امرأة، وهي الأسرة والأولاد.
تونس - حققت امرأة أميركية شهرة واسعة مؤخرا على إنستغرام بعد نشر صور تتباهى فيها بيدها الخالية من خاتم الزواج أو الخطوبة. وقد قامت ماري مكارثي البالغة من العمر 30 عاما بإنشاء حساب “لست مرتبطة “، في عام 2016. ومنذ ذلك الحين أصبحت مكارثي تحتفل بعزوبيتها من خلال مشاركة لقطات ليدها اليسرى الخالية من خاتم الخطوبة.
والتقطت مكارثي العديد من الصور وهي تتسوق أو تمشي بمفردها في شوارع مدينة نيويورك أو تستمتع بوجباتها، كما التقطت صورا ليدها في متاجر متخصصة لبيع أغراض الزفاف أو في حفل قران أشخاص آخرين.
لا يبدو أن مكارثي الأميركية نموذجا شاذا للمرأة التي فضلت العزوبية على الزواج، ففي المجتمعات العربية أيضا بدأ يتزايد أنموذج المرأة التي تشتغل وتعيل نفسها بعد أن أصبحت فكرة الزواج وتكوين أسرة مستبعدة لدى الكثيرات من اللواتي يجدن في الدراسة والطموحات المهنية أفضل بديل عن الزوج الذي سيصادر حريتهن.
وتعتقد معظم النساء أن الاستقلالية المادية للمرأة قد أصبحت اليوم أمرا ضروريا أكثر من ذي قبل وخاصة في ظل عزوف الشباب عن الزواج وعدم توفر العائل الذي يمكن أن تعتمد عليه في حياتها مستقبلا.
وقد أصبحت المرأة العربية تعمل في وظائف كانت حكرا على الرجال في السابق، سواء في المناصب الإدارية أو المهنية، وعلى الرغم من هذه التغيرات الاجتماعية والاقتصادية السريعة، مازال التغير في النظرة الاجتماعية، التي تميز على أساس الجنس، بطيئا، ما جعل الكثيرات يتمردن على الصور النمطية للمرأة التي يقتصر دورها على تشجيع الزوج من دون أن يكون لها طموحات مهنية خاصة بذاتها. وتقول البعض ممن استطلعت “العرب” آراءهن إنهن لسن عازفات عن الزواج فقط، لكنهن لا يرغبن بأن ينتهي بهن الحال بالزواج، فيحجر الرجل على أحلامهن ولا يوفر لهن المال الكافي ولا يلبي احتياجاتهن.
المراهنة على الوظيفة
ترى هاجر غماقي وهي فتاة تونسية في سن الثلاثين أن “الاستقلالية المادية أولوية بالنسبة إليها قبل الزواج.. إذا تعتمد عليها لتحقق طموحاتها كما تمنحها الثقة والقوة في تعاملاتها مع الآخرين”. وتضيف لـ”العرب” أن “الكثير من رغبات المرأة تتحقق حين تتمتع باستقلاليتها المالية، كالترفيه ومستوى عيش أفضل”. لكن الأهم من مستلزمات الحياة اليومية، تعتقد هاجر أن “الاستقلالية المالية تحمي المرأة من تقلبات الحياة والظروف الطارئة كحالات الطلاق أو وفاة الزوج أو حتى عند اختيارها البقاء عزباء في سن متقدمة فهي لن تكون عبئا على عائلتها”.
ويتسق رأي هاجر مع رأي ابنة بلدها إيناس الأطرش الثلاثينية، التي تشير إلى أن خطوة الزواج تبدو أصعب بعد تخطي سن الثلاثين، فأمام نماذج الزواج في محيطها لا ترغب في التخلي عن العزوبية إذ أن نساء كثيرات أعربن عن ندمهن من الارتباط برجل استغل راتبهن الشهري ليتراخى عن مسؤوليته كعائل أول للأسرة لتقوم المرأة بهذا الدور عوضا عنه، كما أن مشروع الزواج ينهار في صورة اختارت المرأة التمسك بوظيفتها وعدم المكوث في المنزل.
الزواج بعد أن كان يمثل للمرأة التقليدية "سترا" وحماية، أصبحت المرأة خاصة في الأوساط الحضرية على قدر كبير من الندية مع الرجل وتمثلاتها للزواج مختلفة
وتقول إيناس لـ”العرب”، “الوظيفة الأهم بالنسبة للمرأة اليوم إذ لم تجد ذلك الرجل القادر على إعالتها وتحمل المسؤولية”. وبينت إيناس أن من”أسباب عزوفها عن الزواج مخاوفها من تجربة فاشلة ورجل متواكل”. وتعتقد إيناس أنه على الرغم من الحاجة العاطفية للرجل تستطيع المرأة في حال حققت استقلاليتها المالية الاستغناء عنه.
واستطاعت المرأة العربية أن تتخطى قيود العائلة والمجتمع اللذين يطرحان أكثر من سؤال إذا تجاوزت سنا معينا ولم تدخل قفص الزوجية، لكن بنجاحها في دراستها وتحملها المسؤولية في مجالات مهنية شتى، تحررت من الصورة التقليدية التي تحصر إنجازات المرأة في زوج وأولاد.
ولم يعد يحتل الرجل بالنسبة لمعظم النساء الأولوية كهدف وطموح، إذ باتت ترى في الوظيفة والدراسة سندين لها بعد أن تراجعت الثقة في إيجاد شريك مسؤول قادر على إعالة عائلته المستقبلية، إضافة إلى أسباب أخرى تعود إلى تجارب شخصية.
وفسر خبراء الاجتماع تغير نظرة المرأة لمؤسسة الزواج، وأوضحوا أنها تعود لتطور المجتمع مع تطور مستواها التعليمي.
وقال الطيب الطويلي المختص في علم اجتماع لـ”العرب”، إن “الزواج بعد أن كان يمثل للمرأة التقليدية سترا وحماية على المستوى المادي والاجتماعي، لكن بعد أن أصبحت المرأة خاصة في الأوساط الحضرية على قدر كبير من الندية مع الرجل، اختلفت رؤيتها للزواج”.
ولفت الطويلي إلى أن ” المرأة لم تعد تبحث عن من يسترها وينفق عليها بقدر ما أصبحت تبحث عن علاقة تشاركية وتكاملية مع الرجل”. مشيرا إلى أن “مكاسب المرأة التعليمية والاجتماعية مكنتها من كسب شخصية ثقافية متميزة، كما أنها اكتسبت شخصيتها المادية المستقلة باعتبار خروجها إلى معترك العمل ومقدرتها على الإنفاق الذاتي”.
ولا يرجع تأخر سن الزواج لدى المرأة في تقدير الطويلي إلى العزوف أو عدم الرغبة في الزواج بقدر ما يعود إلى “انتقائية المرأة للشريك ورغبتها في اختيار المخصب الأفضل، بعد أن كانت المرأة العربية طيلة قرون لا حول لها ولا قوة تزف لأول الخاطبين بحجة ‘الستر’ أو ‘الصون’”. وتجمع الكثير من النساء باختلاف أعمارهن أو الطبقة الاجتماعية أن النجاح في العمل والدراسة بات شغلهن الشاغل ويقف وراء قرارهن العزوف عن الزواج.
رفض التبعية للذكر
هذا العزوف عن الزواج والشغف بالعمل عند الكثير من النساء لا يحصره المختص في علم النفس عبدالباسط الفقيه بالرغبة في الاستقلالية المالية. ويشير الفقيه لـ”العرب”، إلى أن “المرأة التي حققت ذاتها في عملها وتفوقت مهنيا تضيف إلى شخصيتها أبعادا جديدة تجعلها ترفض واقع التبعية للرجل، الأمر الذي يجعلها تفضل العزوبية على أن تخضع لإرادة الذكر الذي يستفيد من هذا التصنيف الاجتماعي لقيادة أمر الأسرة”.
ويقول الفقيه “المرأة التي بذلت جهدا في المجال المهني والدراسي من الصعب عليها أن تتنازل من أجل ارتباط زوجي قد يقلب الوضعية الإدارية التي هي عليها”. ويتابع “الزوج يخضع المرأة إلى تراتبية أخرى في المنزل فهي سيدة في العمل لكن تابعة له في البيت.. وينطبق هذا التمشي على الرجل ذي مستوى الفكري والثقافي الضعيف”.
ولا يعني ذاك أن المرأة بوسعها أن تلغي أو تنكر حاجتها العاطفية للرجل غير أن المرأة العاملة غير مستعدة أن تقبل بشريك دون شروط محددة. وأمام تجارب الزواج الفاشلة المحيطة بها تبدو المرأة غير مستعدة لخوض مغامرة غير مضمونة النتائج.