الاستقلالية التامة للزوجين شرط نجاح زواج الأقارب

تدخل أفراد العائلة الموسّعة في خصوصيات الزوجين يفقد العلاقة متانتها.
الجمعة 2022/04/22
كلما كانت العلاقة أقرب بين الزوجين كان التفاهم أكبر

يؤكد خبراء علم الاجتماع على أن الاستقلالية التامة للزوجين تعد شرطا هاما لنجاح زواج الأقارب لذلك دعوا إلى تجنب أفراد العائلة الموسعة التدخل في زواج الأبناء من الأقارب حتى لا تنهار الروابط الأسرية التي تجمع العائلتين المتصاهرتين اللتين تريان أنهما المخولتان لحل مشاكل الزوجين بحكم روابط الدم التي تجمعهما بهما.

عمان ـ رغم تغير بنية الأسر وتركيبتها وطبيعة العلاقات التي تجمع بين أفرادها وانحسار الأسرة العنقودية، إلا أن زواج الأقارب مازال قائما.

ويرى استشاريو العلاقات الأسرية أن الاستقلالية التامة للزوجين، وعدم تدخل الأهل في خصوصياتهما، شرط هام لنجاح زواج الأقارب.

وتتمسك العديد من الأسر العربية بعادة الزواج من الأقارب رغبة في الحفاظ على العلاقات الأسرية وممتلكاتها من الغرباء، وعلى الرغم من التحذيرات الطبية المتواصلة من الأمراض الوراثية، إلا أن الظاهرة مازالت شائعة في المجتمعات الريفية والأوساط المتمسكة بالأعراف والتقاليد العائلية والعشائرية التي تتوارثها الأجيال.

وأظهرت إحصائيات دولية أن متوسط نسبة زواج الأقارب في العالم وصلت إلى 10 في المئة، فيما بلغت النسبة أكثر من 50 في المئة في الدول العربية، وخاصة بين الأقارب من الدرجة الأولى.

وكشفت دراسة عربية أن نسبة تدخّل الأهل في قرارات زواج أبنائهم تصل إلى 37.5 في المئة من أصل العيّنة البالغة 3500 أسرة، وبنسبة 50.3 في المئة بالنسبة إلى قرار زواج الفتيات.

وفي معظم المجتمعات العربية تفضل الكثير من الأسر الزواج بين الأقارب من الدرجة الأولى، للمحافظة على الذرية وعدم مشاركة ثرواتها مع الغرباء.

من الأسباب الرئيسية لفشل زواج الأقارب هو أن أي خلاف مهما كان نوعه وحدته بين الزوجين لا يبقى حكرا عليهما

ويظنّ أغلب من يدعمون هذا النوع من روابط الزواج أن الأقارب مهيؤون لبناء أسر مستقبلية تحمل معها ضمانات نجاحها، فبالإضافة إلى المعرفة الجيّدة يقوم أفراد العائلة الموسّعة باحتضان العروسين نفسيا وماديا، فييسّرون عليهما الحياة في بدايتها الأسرية، فكأنهم يحيطونهما بسياج من الأمن والأمان. هكذا يبدو الأمر في بدايته، ولكنه يتغيّر وتتغيّر معه وجهات النظر والمواقف، وينتهي الأمر في أغلب الأحيان إلى الندم.

ويرى خبراء علم الاجتماع أن من الأسباب الرئيسية لفشل زواج الأقارب أن العلاقات الزوجية لا تحافظ على استقلاليتها وسريتها، بحيث أن أي خلاف مهما كان نوعه ومهما كانت حدّته لا يبقى حكرا على الزوجين يعالجانه بمفردهما، بل يتدخل العديد من الأشخاص في المسألة ظنا منهم أنهم يمثلون طرفا فيها أو على الأقل يعتقدون أنهم المخولون لحلها، بحكم علاقة الدم التي تجمعهم بالزوجين.

ويذهب استشاريو العلاقات الزوجية إلى أن أحد أبرز أسباب انهيار العلاقة الزوجية هو تدخل أفراد عائلة الزوجين في مشاكلهما، ويرى المتخصصون أن ذلك يفتح الباب أمام تضخم المشاكل ويزيد من تعقيدها عوض حلها.

وينصح الاستشاريون العائلتين بالكف من تلقاء نفسهما عن التدخل، وتثقيف الزوجين بأن الخلافات أمر طبيعي ليتعرف كلاهما على الآخر.

ويتسبب تدخل الأهل غير المبرر في حياة الأبناء الأسرية غالبا في خلق مشاعر الجفاء والعداوة بين الأقارب، وبالتالي التفكك والفرقة وتهديد الأمان الأسري وهدم الكثير من الأحلام.

ويؤكد خبراء علم الاجتماع أن زواج الأقارب يخضع لاختبارات وتأويلات كثيرة، وتبرز حقيقة التأثير بتلك الوصاية القسرية من قبل أهل الزوجين. لذا فإن التدخل غير المبرر والمبالغ فيه هو في صريح العبارة اعتداء مباشر على خصوصية الزوجين، وربما أيضا مصادرة لحريتهما ومنعهما من أن يعيشا الحياة بطريقتهما كما يريدان.

ويرى الأخصائي الاجتماعي الأردني الدكتور حسين محادين أن الكثير من العائلات تميل إلى حصر علاقة الزواج بالأقارب، لأسباب عدة من بينها الحفاظ على إرث العائلة من الغرباء، وأيضا لاعتقادهم بأن العلاقة كلما كانت أقرب بين الزوجين كان التفاهم أكبر، وبيّن محادين أن زواج الأقارب يلغي في الغالب حرية الاختيار لدى الأبناء، وخاصة إذا كان الأهل متشددين ويرفضون قطعا فكرة زواج ابن لهم بفتاة من خارج العائلة، معتبرين زواجهم من بعضهم البعض عرفا لا يقبل التغيير أو التجاوز.

Thumbnail

وقال “هناك مشكلات اجتماعية تنتج عن زواج الأقارب وتدخل الأهل في الحياة الزوجية، كحدوث الفرقة وتلك الانشقاقات التي يخلقها تحيز طرف ضد الطرف الآخر، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الطلاق بين المتزوجين الأقارب”.

وأشار محادين إلى أن تدخل الأهل المبالغ فيه يرتبط بأنانية الآباء والأمهات، وتجاهلهم لأهمية تربية أبنائهم على الاستقلالية والثقة بقدراتهم على تحمل المسؤولية كاملة. ويشدد على أن الزواج علاقة مهمة ينبغي حمايتها بمساعدة جميع الأطراف مع مراعاة اختيارات الأبناء العاطفية، وعدم السماح من البداية للأهل بالتدخل في خصوصيات الزوجين بحجة القرابة.

وترى الاختصاصية والاستشارية التربوية والأسرية الأردنية سناء أبوليل أن الزواج الناجح ينبغي أن يكون قائما على الاحترام والتفاهم، وإبقاء الحياة الخاصة بمنأى عن تدخلات الأهل الزائدة، مشددة على أهمية تغريب النكاح تجنبا للأمراض الوراثية، وحتى تظل العلاقات الأسرية مستقرة يقتصر دورها على توجيه الزوجين وتوعيتهما من دون أن يكون هناك انتهاك لحرية أي من الأطراف.

وتذهب إلى أن علاقات المصاهرة، الأصل فيها تأكيد أهمية ذلك الرابط وما ينتج عنه من توطيد لمبادئ إنسانية تحث على الحب والسكينة والتقدير والاحتواء، وابتعاد الأهل كليا عن إثارة الخلافات بين الزوجين وتحميلهما عبء أحقاد قديمة ليس لهما ذنب فيها.

وتؤكد ضرورة إعطاء الأبناء الحق في الاختيار وعدم تقييدهم، إلا إذا استدعى الأمر التدخل وكان في ذلك الزواج إساءة لسمعة العائلة.

كما يشير أخصائيو علم النفس إلى أن الاستقلالية والمساحة الخاصة مهمة، حتى يحفظ كل طرف شخصيته المستقلة ولا يذوب في الآخر، وذلك من خلال المحافظة على الهوايات الخاصة، والاهتمام بالصحة والشكل، واتخاذ القرارات الخاصة، والتصرّف والتفاعل بشكل طبيعي مع كل ما يحدث، شرط ألا يهمل أيّ من الطرفين واجباته تجاه الطرف الآخر، كما أن الاستقلالية تساهم في تجديد المشاعر، فكلما حافظ الطرفان على حرية بعضهما، وكانت لهما الحرية في التصرّف واتخاذ القرارات والتحرّك خارج إطار العلاقة الضيقة، كلما زاد اشتياق الطرفين لبعضهما، وشعرا بالحب وقويت العلاقة.

17