الاستقالات تعصف بتيار الإخوان في موريتانيا

استقالة الرئيس السابق لأكبر أحزاب المعارضة وتكهنات بالتحاقه بحزب السلطة.
الجمعة 2023/08/11
نزيف قيادات يزيد إضعاف تيار الإسلامي السياسي

يواصل نزيف استقالات القيادات التاريخية هزّ أركان تيار الإسلام السياسي في موريتانيا وإضعاف حاضنته الشعبية والسياسية. وتمثل استقالة الرئيس السابق لأكبر أحزاب المعارضة الموريتانية ضربة موجعة تزيد في تعميق أزمات الحزب.

نواكشوط - أعلن الرئيس السابق لحزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية “تواصل”، المحسوب على تيار الإخوان المسلمين في موريتانيا، محمد جميل ولد منصور استقالته من الحزب، بعد أشهر من إعلانه ترك مسافة بينه وبين العمل السياسي في حزب تولى رئاسته مدة اثنى عشر عاما، ما أثار جدلا حول أسباب الاستقالة.

وانقسمت آراء المحللين بشأن الأسباب غير المعلنة لاستقالة ولد منصور، أبرز مؤسسي الجبهة الإسلامية ثم حزب الأمة، ثم مبادرة الإصلاحيين الوسطيين قبل أن يرخص في مطلع عام 2007 للتيار الإسلامي أو لإخوان موريتانيا بحزب سياسي لأول مرة هو حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية “تواصل” الذي تولى ولد منصور رئاسته لولايتين متتاليتين.

ويتساءل المحللون عما إذا كان ولد منصور بصدد الإعداد لمشروع سياسي جديد رفقة الشخصيات السياسية التي غادرت الحزب في وقت سابق؟ أم أنه سينضم إلى مشروع سياسي جاهز وبالتالي الانضمام إلى الحزب الحاكم؟ وهي فرضية باتت محل نقاش.

وقال ولد منصور في رسالة استقالته إنه اتخذ قرار الرحيل عن الحزب “بعد توقف في مساره النضالي في الحزب بسبب ملاحظات، كان أولاها نتائج مؤتمر ديسمبر 2022 التي كانت صادمة". لكن ولد منصور "غلب الأمل سبيلا إلى استدراك الأخطاء، إلا أن الانتخابات الجهوية والتشريعية والبلدية الأخيرة أدت إلى خلل أكبر في البناء الحزبي".

وأوضح أنه نبه قادة الحزب إلى تلك “الاختلالات، كما انتظر أي علاج ولو قلّ أو تصحيح ولو كان محدودا، وهو ما لم يقع”. وكان ولد منصور قد تولى رئاسة حزب “تواصل” عام 2007 وتم التجديد له عام 2012، وتنحى عن الرئاسة سنة 2018.

◙ ولد منصور أبدى منذ 2019 انحيازا لنظام الرئيس الغزواني بعد أن كان معارضا قويا لسلفه ولد عبدالعزيز

وأضاف “كانت المحطة الأولى في مسار التوقف هي المؤتمر الرابع المنعقد في ديسمبر 2022 والذي كان منتظرا منه أن يكون موعدا لتصحيح الاختلالات والانطلاق بالحزب نحو آفاق أرحب، ولكن مظاهر التراجع فيه، سواء في فلسفة الانفتاح أو في تعزيز القوة المؤسسية الذاتية أو في مستوى الجرعة السياسية والديمقراطية المطلوبة كانت صادمة، غير أن الأمل في الانتباه والاستدراك غلب الملاحظات والانتقادات فكان الانتظار”.

وتابع “ثم كانت المسألة الثانية في تعاطي الحزب مع التنوع الوطني وإشكالاته المختلفة، فتراجع في الخطاب والاهتمام، ثم في البناء الحزبي قيادات جهوية ومؤسسات قيادية، وكنت من ضمن من نبه إلى هذه الاختلالات ودعا إلى تصحيحها وعدم تكرارها خصوصا في أفق الانتخابات المنتظرة حينها، وللأسف جاءت الانتخابات وكان الخلل أكبر والخطأ أوضح كما شرحت ذلك في بيان أخذ المسافة الذي نشرته فور إقرار المكتب السياسي للترشيحات النيابية الرئيسية”.

وفي أول تصريح يدلي به ولد منصور بعد أشهر قليلة من انتخاب محمد ولد الشيخ الغزواني رئيسا لموريتانيا تحدث عن “وضع مختلف عما كنا فيه، وأن رسائل ومؤشرات وتوجهات صدرت عن السلطة الجديدة تشعر بالأمل”.

وفي وقت لاحق بدأ التوتر بين الرئيس السابق ولد منصور وحزبه “تواصل”، بعد أن أعلن ولد منصور أنه التقى الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني. وعلق الحزب حينها على اللقاء بالقول إنه “غير معني بما دار خلاله كما أنه تم دون مشاورة الحزب”، وهو ما رد عليه ولد منصور بقوله “لا أريد لجهة أن تكون معنية بلقائي الشخصي مع الرئيس ولد الغزواني”.

وعقب الانتخابات الأخيرة أعلن ولد منصور أنه بسبب أخطاء حدثت داخل الحزب قرر ترك مسافة بينه وبين الحزب لتقييم ما يجري، وسيحدد بناء على ذلك استمراره في الحزب من عدمه، ليعلن بعد ذلك استقالته.

وفي ديسمبر الماضي انتخب الحزب النائب البرلماني السابق والقيادي أمادي ولد سيدي المختار رئيسا جديدا له لولاية مدتها 5 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة. وحزب “التجمع الوطني للإصلاح والتنمية" (11 مقعدا من أصل 176) ثاني أكبر حزب سياسي ممثل في البرلمان الموريتاني بعد حزب “الإنصاف” الحاكم (107 مقاعد).

وأبدى ولد منصور منذ 2019 عبر مواقفه انحيازا لنظام الرئيس الغزواني بعد أن كان معارضا قويا لسلفه محمد ولد عبدالعزيز، ما يثير تكهنات بأنه يتجه للانضمام إلى حزب الإنصاف الحاكم كما سبقه إلى ذلك قياديون بارزون من جماعة الإخوان.

◙ المحللون يتساءلون عما إذا كان ولد منصور بصدد الإعداد لمشروع سياسي جديد رفقة الشخصيات السياسية التي غادرت الحزب في وقت سابق

ويرى المدون محمد الأمين الفاضل أن “محمد جميل ولد منصور من أبرز الشخصيات السياسية في البلد، ومن المؤكد أن استقالته من ‘تواصل’ لا تعني، بأي حال من الأحوال، أنه سيستقيل من السياسة أو من العمل السياسي".

ويرجج الفاضل أن يكون ولد منصور “يفكر في أحد أمرين، أولهما إطلاق مشروع سياسي مع آخرين، والثاني الالتحاق بمشروع سياسي قائم، وأنا أرجح الاحتمال الأول لأنه شخصية قيادية، ولن يقبل بأن يُقاد".

وفي المقابل يتوقع آخرون أن يتجه ولد منصور إلى تأسيس حزب إسلامي جديد، وهو أمر عبر عنه في نص استقالته قائلا “أرجو أن تجمعني معهم ساحات العمل الوطني على الأفكار التي التقينا عليها أول مرة”، بينما أقر آخرون بأن ولد منصور، بعد أن توقع تعرض الحزب لحل عنيف، قرر النأي بنفسه باكرا عن هزات ذلك الحل.

ويرى الصحافي الشيخ محمد حرمه أنَّ استقالة ولد منصور” ليست خروجًا من المشروع السياسي، ولا نكوصًا على المرجعية الفكرية، وإنما يمكنُ اعتباره، حسب ما فهمتُ من كلام الرجل، تغيرًا في مسار حزب كان من أبرز مؤسسيه".

ويقول المدون سلطان البان “إن استقالة ولد منصور انشقاق مزلزل داخل مركز القرار في حزب ‘تواصل’، وقد سبقته انشقاقات أخرى منها على سبيل الذكر وليس الحصر استقالة كل من نائب الطينطان سيدي محمد ولد السيدي وعمر الفتح اللذين انضما إلى حزب الدولة، ونحن نقدم تساؤلًا جوهريا في هذا الصدد، هو ما سر تفكك أعمدة الحزب؟”.

4