الاستفتاء على دستور الجزائر يختبر شعبية الرئيس وفاعليّة المعارضة

الجزائر- يمثل التصويت على دستور جديد في الجزائر خلال شهر نوفمبر المقبل نقطة تحول في بلد هزته احتجاجات واضطرابات سياسية ضخمة ويكافح الآن لتجاوز تلك المرحلة المضطربة.
وبالنسبة إلى الرئيس عبدالمجيد تبون سيمثل إقرار الدستور بداية جديدة تلقى الترحيب بعد أن أطاحت المظاهرات الشعبية في العام الماضي بسلفه وعدد كبير من كبار المسؤولين.
أما بالنسبة إلى الحركة المعارضة المسماة بـ”الحراك” فسوف يُظهر الاستفتاء على الدستور في الأول من نوفمبر حجم النفوذ الذي لا تزال تتمتع به الحركة بعد أن أنهت احتجاجاتها حُكم الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة الذي استمر 20 عاما وإن فشلت في تحقيق طموحاتها في تغيير أكبر.
وكانت الاحتجاجات الشعبية الأسبوعية المطالبة بتغيير النخبة الحاكمة بالكامل قد توقفت عندما ظهر وباء فايروس كورونا في البلاد خلال مارس الماضي.
كل شيء يشير إلى أن استفتاء نوفمبر سيتشابه كثيرا مع التصويت الذي أجري في ديسمبر عندما انتخب تبون
فقد كان هدف الحراك هو إبعاد جيل المسؤولين، الذين حكموا البلاد منذ الاستقلال، عن السلطة بالكامل مع الشخصيات العسكرية والأمنية التي يقولون إنها تمسك بزمام الأمور من وراء الستار.
ولم تغب مخاوف السلطة من بوادر عودة الاحتجاجات إلى الشوارع، ويتم الرهان على عامل الوقت من أجل الوصول إلى موعد الاستفتاء على الدستور دون غضب شعبي، وهو ما يقابله حث للخطى في المعسكر الآخر بغية العودة إلى الاحتجاج للتأكيد على رفض أجندة السلطة والتمسك بالمطالب الأساسية.
ويشير كل شيء إلى أن الاستفتاء في نوفمبر سيتشابه كثيرا مع التصويت الذي أجري في ديسمبر الماضي عندما انتخب تبون.
ففي انتخابات ديسمبر حصل تبون على أغلبية وإن كانت نسبة الإقبال قد بلغت 40 في المئة فقط حسب الأرقام الرسمية. وحتى قبل توقف الاحتجاجات بسبب الجائحة قال شهود شاركوا فيها إن أعداد المشاركين بدأت تتراجع.
وترى شخصيات نافذة في الحركة المعارضة، مثل إسلام بن عطية، أن الدستور لن يحقق شيئا يذكر من مطالبها وتعتبر الاستفتاء وسيلة لتحييد الحركة.
وقال بن عطية لتلفزيون رويترز “ما نعيشه اليوم هو حالة انسداد والدليل هو غياب التوافق حول أسمى وثيقة وهي وثيقة الدستور الذي سيُعرض للاستفتاء دون أي حوار حقيقي، بل هي وثيقة لم تخضع لشروط التوافق الحقيقي”.
وأضاف “أظن أننا سنشهد نفس المشهد الذي عشناه يوم 12-12 (2019)، ستكون هناك حالة من الانقسام في الشارع، هناك جزء سيتشجع للذهاب إلى المشاركة وهناك من سيقاطع. لكن سنُغيب مرة أخرى مرحلة من مراحل التوافق، كنا نتمنى أن تكون هذه المرحلة القادمة في أول نوفمبر جامعة لكل الجزائريين من أجل أن نذهب في طريق الدخول إلى انتقال ديمقراطي حقيقي، لكن للأسف ما زلنا نراوح مكاننا عبر وثيقة لا تحظى بحد أدنى من التوافق”.
وكانت المحاكم قد أصدرت أحكاما بسجن عدد من كبار المسؤولين بتهم فساد عقب الإطاحة ببوتفليقة، وتوفي قائد الجيش ألد خصوم بعض المحتجين بأزمة قلبية.
وسمح ذلك لتبون بتقديم إدارته كفريق إصلاحي جديد، رغم أن بعض المحتجين رفضوها، كما سمح له بطرح الاستفتاء باعتباره المرحلة التالية في عملية الإصلاح.
وازداد القلق الذي يشعر به ناشطو الحراك يوم الثلاثاء الماضي عندما أكدت محكمة استئناف سجن الصحافي خالد درارني وإن خففت حكم السجن من ثلاث سنوات إلى سنتين بسبب دوره في الاحتجاجات.
ويمنح الدستور الجديد الذي اقترحه تبون البرلمان المزيد من السلطات للتدقيق في أعمال الحكومة، ويمنع الرئيس من تولي الرئاسة لأكثر من فترتين.
وقال رئيس الوزراء الجزائري عبدالعزيز جراد “لقد اخترنا الرمز الفاتح من نوفمبر لإجراء الاستفتاء حول هذا الدستور الذي يعتبر مناسبة أخرى للم شمل الشعب بكل أطيافه وتوجهاته ورسم معلم جديد لبناء مستقبلنا؛ دولة ديمقراطية وعصرية قوامها التداول على السلطة”. وقد تم إقرار الدستور في تصويت برلماني رغم بعض المعارضة.
واختار الإسلاميون التخندق في الجبهة المعارضة للدستور الجديد، بعد انسحاب نوابهم من جلسة التصويت التي جرت بالغرفة الأولى للبرلمان مؤخرا، في خطوة تكرس تذبذب مواقفهم السياسية تجاه مسارات السلطة، ليبقوا بذلك أوفياء لتقاليد القفز بين مربعات المشهد، ففيما قاطعوا الدستور لا يستبعد أن يدخلوا الانتخابات المبكرة المنتظرة التي سيؤمنها نفس الدستور.
وقال لخضر بن خلاف، أحد كبار أعضاء حزب جبهة العدالة والتنمية الإسلامي، “نحن كنواب جبهة العدالة والتنمية رأينا بأننا لسنا معنيين بالتصويت على هذه الوثيقة لأنها لا تستجيب لتطلعات الشعب الجزائري وكذلك الطريقة التي مُررت بها ليست الطريقة التي تُمرر بها سائر القوانين من قبل”.
من جهتها كانت حركة مجتمع السلم، على لسان رئيس كتلتها النيابية مهدي زنتوت، أكثر تفصيلا في موقفها المعارض للدستور الجديد، من خلال تصريحه بأن “تحديد الرئيس تبون الفاتح من نوفمبر موعدا للاستفتاء الشعبي على الدستور، دون التشاور مع الطبقة السياسية، (يعد) تعسفا في استعمال السلطة وتفردا في اتخاذ القرار”.
وتابع زنتوت “لن نقاطع الجلسة إنما اعتبرنا أنفسنا غير معنيين بالتصويت حتى لا تُقرأ قراءة أننا فصلنا في الأمر، حركة مجتمع السلم لم تفصل في الأمر، إنما الفصل سيكون عندما تجتمع الهيئة لتقرر ما يجب أن يُتخذ يوم الاستفتاء، أو في الاستفتاء، هذا أمر واضح”.
ويعتبر كثيرون ممن خرجوا للمشاركة في الاحتجاجات أن الدستور ليس هو محل الخلاف على أي حال إذ أن المهم بالنسبة إليهم ليس القوانين وأسلوب صياغتها وإنما تكمن المشكلة في من يطبقها والأسلوب الذي يطبقها به.
ترى شخصيات نافذة في الحركة المعارضة أن الدستور لن يحقق شيئا يذكر من مطالبها وتعتبر الاستفتاء وسيلة لتحييد الحركة
وقال جزائري يدعى إبراهيم “لقد اطّلعت على الدستور الجديد وهو يحتوي على نقاط تم تغييرها وهي إيجابية، وهناك نقاط من دستور النظام السابق لم تُغير والتي نتمنى أن تمر على المناقشة في البرلمان قبل المصادقة عليها، لأنه حسب ما يقال سيمر الدستور على البرلمان للتصويت عليه فقط لا لمناقشته، ونحن نتمنى أن يناقش في البرلمان ليتم تغيير بعض النقاط”.
وقال آخر يدعى محمد “لا أعرف أي شيء حول هذا الدستور. لم يشرحوا لنا أي شيء”. وقال ثالث يدعى عبدالكريم، قبل مصادقة البرلمان على الدستور، “إذا تمت المصادقة على الدستور التوافقي فسوف نصادق عليه نحن أيضا دون أي مشكلة”.
وتراهن السلطة على نسيج مدني لدعم مشروع الدستور، من خلال توظيف المجتمع المدني الذي أولته السلطة أهمية معتبرة، وخصصت له مستشارا خاصا في رئاسة الجمهورية أوكلت إليه مهمة حشد الجمعيات والمنظمات والنقابات للموعد المذكور، في خطوة تمهد لبداية استغناء السلطة عن أحزاب الموالاة وفك الارتباط معها بعدما صارت محل استياء الشارع وعبئا على السلطة نفسها. في المقابل يروج البعض خبر التصويت بلا للدستور بسبب تضمنه بند ترسيم اللغة الأمازيغية، وهؤلاء ممن بات يعرف بـ”التيار النوفمبري الباديسي” المتعصب للثوابت القومية والذي تغذى من خطاب سابق للسلطة أثناء تصدر قيادة الجيش السابقة للمشهد السياسي.