الاستعداد للعودة المدرسية يشغل الأسر التونسية

عادة ما ترتبط العودة المدرسية في أذهان أغلب الأسر التونسية بالاستعدادات الماديّة (لوازم وأدوات مدرسية)، إلا أنه خلال الأعوام الأخيرة أصبحت شريحة هامة من العائلات تبدي اهتماما بالغا بالاستعداد الذهني والنفسي لأبنائها التلاميذ. فصارت دروس الدعم والتدارك تحل محل الأنشطة الترفيهية قبيل العودة المدرسية. ويوصي الخبراء بالعودة التدريجية إلى النشاط المدرسي ليبلغ مستواه العادي في أواسط شهر أكتوبر.
تونس - لم يعد يفصل التونسيين عن العودة المدرسية سوى شهر واحد لذلك باتت الاستعدادات لهذه المناسبة حثيثة في جل البيوت. وصار من الضروري أن ينقطع الأطفال عن نشاطاتهم الترفيهية ليلتحقوا بدروس الدعم والتدارك حتى ينشطوا ذاكرتهم الخاملة على امتداد حوالي شهرين.
وقالت عائشة القماطي (أم لطفلين يدرسان في السنة الرابعة والسادسة من التعليم الأساسي) “عادة ما ترتبط العودة المدرسية في أذهان أولياء التلاميذ بالاستعدادات الماديّة (لوازم وأدوات مدرسية) وقليلاً ما ينتبهون إلى أهميّة الاستعداد الذهني والنفسي”. وأضافت لـ”العرب” أنها تشرع كل عام، بداية من منتصف شهر أغسطس، في تهيئة أطفالها ليلتحقوا بدروس الدعم التي يتلقونها في منزل مدرستهم التي تخصص لهم المدة المتبقية من الشهر لمراجعة ما درسوه في السنة الفارطة، ثم تبدأ خلال شهر سبتمبر في تدريسهم بعضا من مقررات العام الدراسي القادم.
وبينت القماطي أنها تستعير الكتب اللازمة من جارتها إذا لم تجد الكتب الخاصة بطفليها في الكتبية، مشيرة إلى أن مدرستهم تبذل قصارى جهدها حتى توفر الكتب المدرسية لكل المستويات التي تدرسها. أما نجمة الكوكي التي تدرس بنتاها بالسنتين الثالثة والرابعة من التعليم الأساسي فقد اختارت أن تدرسهما بنفسها وتوفر معلوم دروس الدعم إلى حين الانطلاق الفعلي للسنة الدراسية.
اشترت الكوكي كتبا موازية تحتوي على أسئلة امتحانات وأجوبتها، منذ بداية شهر أغسطس، وكانت بعد انتهاء دوامها تعود إلى البيت وتقتطع جزءا من وقتها لتقضيه مع بنتيها في حل المسائل التي لم تستطيعا حلها دون مساندة. وقالت الكوكي لـ"العرب"، "أضمن بذلك أن تكونا بنتايا من المتفوقات في السنة القادمة، أو ممن لا يجدن صعوبة في حل المسائل العلمية على الأقل في القسم وخصوصا الرياضيات". ويفقد التلاميذ بعض المهارات في العطلة الصيفية، بحكم هجرهم للكتب والمطالعة واهتمامهم بالهواتف واللوحات الذكية.
وأكّد كريم اليعقوبي المختص في علم النفس أنّ “نسق الحياة في العطل مخالف كليًا لنسق الحياة أثناء الدراسة، من سلوك غذائي وأوقات النوم، وفي بعض الأحيان تنقلب الموازين ليصبح الليل نهارًا والنهار ليلًا”، مضيفًا أنّ “أغلب التلاميذ يهجرون الدراسة خلال العطلة ما يؤدي إلى فقدان العديد من المهارات والمكاسب المعرفية وركون العقل إلى الراحة التامة والتّعود على نمط حياة بطيء إن لم نقل إنه نوع من الخمول الذهني الذي يجعل من العودة المدرسية إشكالاً معرفيًا وذهنيًا كبيرًا”.
ونبه اليعقوبي إلى الإشكال الأكبر وهو رغبة بعض الأولياء في عودة أبنائهم إلى النسق العالي الذي كانوا عليه في آخر السنة. وأوصى الأخصائي النفسي بالعودة التدريجية إلى سلوك النوم والسلوك الغذائي أسبوعًا قبل العودة المدرسية.
وهناك من الأولياء من لا ينقطع عن تدريس أبنائه منذ بداية العطلة وحتى أثناء أنشطتهم الترفيهية، ما يجعلهم يتقبلون الأفكار بذهن صاف وتركيز تام. وقال عزيز الزيتوني مدرس اللغة العربية إنه يستغل وجوده مع ابنته في العطلة حتى يلقنها بعض قواعد اللغة العربية مستعينا في ذلك بمقولة “علّم الأطفال وهم يلعبون”. وأضاف لـ”العرب” أنه لا يبالغ في ذلك حتى لا تشعر ابنته بالضجر لكنه أيضا لا يجعلها تهجر الكتب الدراسية مرة واحدة حتى لا يتبلد ذهنها.
ويوصي الخبراء بأنه إذا كانت هناك إشكاليات سلوكية أو معرفية لدى الأطفال فيجب التسريع في تشخيصها وإيجاد الحلول الملائمة لكي لا تصطدم بالنسق المدرسي. وقال الأخصائي النفسي كريم اليعقوبي إن أغلب التلاميذ إن لم نقل كلهم سيعيشون تجربة جديدة ومستوى معرفيًا جديدًا، وعلى الأولياء الإصغاء جيدًا إلى ما يحيّر أبناءهم ويقلقهم.
كما عليهم الامتناع عن تقديم النصائح الروتينية المتداولة والمعروفة والمسموعة منذ سنين والالتزام بفهم وتفسير السلوك للطفل لإضفاء الشعور بالأمان والطمأنينة على العودة المدرسية وليتمكن الطفل من تحضير نفسه لمواجهة الصعوبات وضخ الطاقة النفسية اللازمة لذلك. وأضاف “إن لم تحصل عملية التفريغ من الممكن أن يبقى الطفل تحت تأثير الضغط العالي ويعجز عن الخروج من الأزمة وتطوير مهارات ملائمة لحل أي إشكالية”.
ودأبت العائلات التونسية على الاستعداد للعودة المدرسية بضبط موازنة خاصة والتسوق لشراء كل المستلزمات المدرسية. وتنشغل الأسر التونسية عادة بزيادة أسعار الكتب والكراسات المدعمة ومسألة توفرها في الأسواق من عدمه. وأفاد الرئيس المدير العام للمركز الوطني البيداغوجي محمد العدالي بأن نسبة تقدم طباعة الكتب المدرسية بلغت 80 في المئة من مجموع نسخ عناوين الكتب المدرسية للعام الدراسي 2024 – 2025.
وأكد العدالي في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء الإبقاء على عناوين الكتب المدرسية نفسها دون تغيير بالمقارنة مع العام الماضي، مشيرا إلى أن أسعار بيع الكتب المدرسية حافظت على مستواها دون تسجيل زيادة في الأسعار. ولفت في تصريح لوكالة تونس أفريقيا للأنباء إلى أنه تمت إلى غاية الاثنين الفارط طباعة قرابة 11 مليون نسخة من الكمية المبرمجة والمقدرة بـ14.1 مليون نسخة، مؤكدا أن جميع العناوين ستكون متوفرة في الآجال المحددة لها.
وأبرز أن عملية الطباعة شملت إلى غاية ذلك التاريخ 155 من 206 عناوين خصصت كعناوين للكتب المدرسية، مشيرا إلى أنه ستقع طباعة جميع نسخ كتب المرحلة الابتدائية مع موفى أغسطس الجاري، ثم سيقع إتمام عملية الطباعة لكتب المرحلتين الإعدادية والثانوية قبل نهاية الأسبوع الثاني من شهر سبتمبر القادم.
◙ أغلب التلاميذ يهجرون الدراسة خلال العطلة، ما يؤدي إلى فقدان العديد من المهارات المعرفية وركون العقل إلى الراحة
وأفاد العدالي بأن المركز سيطلق، بحلول الأسبوع الثاني من شهر سبتمبر القادم، تطبيقة تمكّن الأولياء والتلاميذ من النفاذ إلى العناوين المتوفرة بالمكتبات حتى يجدوا العناوين التي يبحثون عنها، مضيفا أن استخدام هذه التطبيقة سيكون من خلال الولوج إلى موقع المركز الوطني البيداغوجي. وكشف العدالي أن المركز يرتبط العام الحالي بصيغ تعاقدية أوكلت للمطابع الخاصة مهمة طباعة ما يقدر من 12.8 مليون نسخة من الكتب المدرسية، فيما يتولى المركز طباعة 1.3 مليون نسخة بمطبعته.
وتتراوح أسعار الكتب المدرسية بين 1.9 دينار (0.62 دولار) إلى 5.3 دينار (1.73 دولار) كسعر للنسخة الواحدة، وكلها تلقى الدعم في الطباعة من الدولة بنسبة 25 في المئة من كلفة الكتاب الواحد.
وبين الرئيس المدير العام للمركز الوطني البيداغوجي أن المركز يحتفظ سنويا بمخزون تعديلي يمكنه من التدخل لتلبية أي اضطراب في الطلب، مبرزا أن الجزء الأكبر من العناوين في طباعة الكتب يخصص للمرحلة الابتدائية بـ60 في المئة، ثم 24 في المئة للمرحلة الإعدادية و16 في المئة للتعليم الثانوي. وأفاد من جهة أخرى بأن المركز الوطني البيداغوجي يتولى طباعة كتب الكفيف وسيقوم بتوفير 82 عنوانا بالنسبة للمكفوفين، لافتا إلى أن العدد الجملي للكتب المسندة للمكفوفين يقدر بـ8500 نسخة.
وتعرف المنظمة التربوية التونسية العديد من الإشكالات، من ذلك موضوع الأساتذة والمعلمين المؤقتين. وكان رئيس الجمهورية قيس سعيّد لدى اجتماعه الجمعة 2 أغسطس الجاري في قصر قرطاج بسلوى العباسي، وزيرة التربية، قد أكد على ضرورة إيجاد حل نهائي للمعلمين والأساتذة المؤقتين إلى جانب المرشدين التطبيقيين وأعوان المخابر وذلك بالاعتماد على معايير واضحة تضمن حقوقهم بل تنهي عديد الأوضاع المأساوية التي ما كان لها أن تصل إلى هذا الحد لو تمت منذ سنوات معالجة هذا الموضوع بطريقة واضحة وسليمة تضمن حقوق المعنيين وحقوق الناشئة على حد السواء.
كما تم التطرق خلال هذا الاجتماع إلى التعهد بالمنشآت التربوية خاصة وأن الاعتمادات المرصودة متوفرة، فضلا عن استعداد المواطنين للمساهمة في عمليات التعهد والصيانة. وأكد رئيس الجمهورية على ضرورة الاستعداد من الآن للعودة المدرسية والعمل أيضا على توفير الحماية للتلاميذ ولمحيط المدارس والمعاهد إلى جانب النقل، مشددا على أن أهم مكسب لتونس هو التعليم وأن أثمن ثروة هي الثروة البشرية وأهم حصن ضد كل أنواع الإرهاب والاستلاب والانحراف هو التعليم الوطني الذي يجب أن يتوفر للجميع على قدم المساواة.