الاستزراع السمكي محرك لتنمية الاقتصاد الأزرق في عُمان

تسرّع الحكومة العمانية خططها المتعلقة بالاقتصاد الأزرق ضمن مساعيها الدؤوبة لتعزيز الأمن الغذائي بشكل مستدام، وهو مشروع تطمح من خلاله لتحقيق عوائد مالية من بوابة الاستزراع في حال تحول البلد إلى وجهة للمستثمرين مستقبلا.
الدقم (سلطنة عمان) - تدفع مسألة تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء، وخاصة اللحوم، سلطنة عمان إلى مطاردة الجدوى من وراء توسيع نشاط الاقتصاد الأزرق وفق إستراتيجية شرعت السلطات في بلورتها منذ سنوات لتطويره، بالتركيز أيضا على مجال الاستزراع.
ومن المتوقع أن يسهم الاستزراع في زيادة إنتاج الأسماك وغيرها من الثروات البحرية في البلد الخليجي بنسبة كبيرة وبشكل مطّرد في الأعوام القادمة، خاصة وأن هناك مشاريع قيد الإنشاء وأخرى طور الموافقات المبدئية للعمل.
وتأتي الخطوة التنافسية بينما تعمل دول خليجية أخرى على توسيع مجال استزراع الأسماك، في الوقت الذي تشير فيه التقديرات إلى أن تربية الأحياء المائية تعد من أسرع القطاعات الإنتاجية نموا في العالم بمقدار 9 في المئة سنويا.
ورغم طفرة إنتاج القطاع لكن عُمان، التي تستحوذ على 31 في المئة من الإنتاج الخليجي، لا تزال بعيدة عن استثمار الموارد السمكية بالشكل الأمثل، إذ يؤكد خبراء أن بمقدورها إنتاج نصف مليون طن سنويا، رغم سواحلها الطويلة والتي تتجاوز الثلاثة آلاف كيلومتر.
ويقول المتابعون إن وضع السياسات والخطط الكفيلة بتطوير الأداء والاستفادة من المقومات المتوفرة في التوسع في إنتاج الأسماك سينعكس على تعزيز منظومة الأمن الغذائي والمساهمة الفعّالة في التنويع الاقتصادي للسلطنة.
ووفق وزارة الزراعة فقد بلغ إجمالي إنتاج الاستزراع السمكي العام الماضي أكثر من 4364 طنا بقيمة إجمالية بلغت قرابة 10 ملايين ريال (26 مليون دولار).
ومن أكثر أنواع الأسماك التي يتمّ استزراعها في البلاد، هي الكوفر والروبيان والصفيلح العماني وهو نوع من الرخويات يسمّى “أذن البحر” والبلطي، وثمة أنواع جديدة في طور الدراسة التمهيدية مثل “السكل” و”البراموندي” و”الكارب” و”الصال” و”التونة”.
واستثمرت 13 شركة تعمل في القطاع أكثر من 722 مليون دولار منذ أن شرعت السلطات في التركيز على هذا المجال وتسريع منح التراخيص للمستثمرين.
وتبدو محافظة الوسطى، التي تتصدر محافظات البلاد في الإنتاج السمكي، وفق إحصاءات عام 2022، حيث بلغ 250 ألف طن بنسبة تصل إلى 36 في المئة من الإنتاج الإجمالي وبقيمة تتعدى 260 مليون دولار، مهيّأة لولادة مشاريع جديدة.
ويؤكد علي بن العلوي مدير عام الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه بالمحافظة أن الحكومة أبدت اهتمامها بقطاع الثروة السمكية في الوسطى لما يوفّره من فرص العمل في مجال الصيد البحري والأعمال المرتبطة به.
وتظهر الأرقام أن عدد الصيادين المسجّلين بالمحافظة حتى نهاية العام الماضي، بلغ أكثر من 4800 صياد، في ما يصل عدد قوارب الصيد المسجلة إلى 2011 قارب صيد و530 سيارة نقل وتسويق الأسماك، وبلغ عدد سفن الصيد الحرفي 149 سفينة صيد.
ولتعزيز القطاع تم إنشاء ميناء الصيد البحري متعدد الأغراض بالمنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم ليحتضن مواقع لصيانة سفن الصيد التجارية والساحلية والحرفية، ومصانع الصيد ومرافق بيع الأسماك ومركزا لتدريب وتأهيل الصيادين.
وتراهن مسقط على منطقة الدقم بشكل كبير كونها تضم مجموعة متنوعة من القطاعات الحيوية، بما في ذلك أحد أكبر مصافي التكرير في الشرق الأوسط، والتي ستساعد في تعزيز الاحتياطي النقدي وتوفير فرص العمل وتنويع مصادر الدخل بما يخدم أجندة 2040.
وأوضح العلوي في تصريحات لوكالة الأنباء العمانية الرسمية أن ميناء الصيد البحري بمساحة 7.5 كيلومتر مربع ومجمع الصناعات السمكية والغذائية بالمساحة ذاتها، يعدان من أحد المحركات الاقتصادية الرئيسة في المنطقة.
وقال إن المنطقة الاقتصادية بالدقم “ستقوم بدور في جذب الشركات المحلية والعالمية المتخصصة في مجال صيد الأسماك والصناعات السمكية المرتبطة”.
وأشار إلى أن منطقة الصناعات السمكية والغذائية إحدى المناطق الاستثمارية الواعدة بالمنطقة الاقتصادية بالدقم التي تقع بالقرب من ميناء الصيد البحري متعدّد الأغراض لرفع قيمة الثروة السمكية التي يتم إنزالها بالميناء.
وتضمّ المنطقة حاليا عددا من المصانع المتخصصة في تعليب الأسماك وإنتاج زيت السمك وغيرها من الأنشطة المماثلة، وتم تصميمها لتستوعب حوالي 60 منشأة متخصصة في قطاع الصناعات السمكية والغذائية.
ويبلغ عدد المصانع المتخصصة في الأسماك بمحافظة الوسطى 61 مصنعا تتنوع أنشطتها ما بين التجميد والتغليف والتعليب وزيت السمك، وأخرى لأنشطة التجفيف وإنتاج الثلج، بحسب بيانات وزارة الزراعة.
وثمة مساعي حثيثة ظهرت بالفعل منذ سنوات لزيادة مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي، واستقطاب استثمارات خاصة لتمويل مشاريع القطاع خلال السنوات المقبلة.
ولدى السلطنة بيئة جاذبة للاستثمار، كما تقوم بتوفير مجموعة واسعة من الحوافز المالية وحوافز تطوير الأعمال، من بينها طرح مواقع مخصصة لمشاريع تربية الأحياء المائية بحق الانتفاع.
31
في المئة حجم حصة السلطنة من الإنتاج السمكي بالخليج، وقد تنمو مع التوسع في تربية الأحياء
كما توفر مرونة وسرعة في حصول المستثمرين على التراخيص المطلوبة في حال إكمال جميع المتطلبات من خلال دائرة مختصة تم إنشاؤها لمتابعة وتسهيل الإجراءات في هذا المجال.
وفي ديسمبر 2019 فتحت مجموعة هايغو الكورية الجنوبية آفاقا جديدة لمشاريع تنمية الثروة البحرية في السلطنة بتدشين أكبر مفقس للأسماك في الشرق الأوسط.
ويؤكد العلوي في هذا الإطار أن ثمة خططا ومشاريع تنوي وزارة الثروة الزراعية والسمكية تنفيذها خلال الفترة القادمة لتكون دعما للقطاع والصيادين.
وتتضمن المشاريع مصانع تعليب الأسماك وسوق الأسماك بولاية محوت التابعة لمحافظة الوسطى وميناء الصيد البحري بالولاية ذاتها.
وإلى جانب ذلك سيتم توسعة ميناء الصيد البحري باللكبي في ولاية الجازر، ومراكز تجميع الأسماك بهيتام ورأس مدركة بالدقم، إضافة إلى عدد من مشاريع الاستزراع السمكي بالمحافظة.
والآن، تبلغ القيمة الاستثمارية لهذه المشاريع،التي تم تنفيذها والجاري تنفيذها أكثر من 421 مليون دولار، وفق العلوي، كما توجد مشاريع للاستزراع السمكي بقيمة تزيد على ملياري دولار ومن المؤمل البدء في تنفيذها خلال الفترة القادمة.
وتسعى مسقط إلى تنمية وتحسين قطاع الاستزراع وتطوير استغلال الثروات السمكية لتأمين الطلب المحلي في سوق يضم قرابة 4.6 مليون مستهلك، من المنتجات ذات الجودة العالية بطريقة مستدامة ومتوافقة مع البيئة، مع التفكير في تصدير الفائض.
ومن المتوقع أن ينمو الطلب العالمي من الثروات السمكية، والذي يقدر أن يبلغ 40 مليون طن إضافي من المنتجات البحرية بحلول العام المقبل.