الاستحواذ الخليجي على الشركات المصرية خطوة في صالح الطرفين

القاهرة- أثار إعلان مصر عن عزمها بيع حصص في 32 شركة ضمن خططها الإصلاحية اهتمام بلدان خليجية تسعى للاستحواذ على حصص في هذه الشركات، في خطوة يرى محللون أنها ستكون في صالح الطرفين.
ويعتبر المحللون أن الاستحواذات على هذه الشركات ستفسح المجال لنمو القطاع الخاص بشكل أكبر ولا تترك لشركات الجيش فرصة الدخول بسهولة على الخط، وهو ما يوسع دائرة المنافسة ويضفي حيوية على الاقتصاد المصري الذي يعاني من الركود.
وتراهن مصر على الدعم الخليجي لإخراج اقتصادها من الأزمة. وإذا كان الأمر في السابق يتم من خلال المساعدات، فإن اعتزام الخليجيين الاعتماد على الاستثمارات كشكل وحيد للدعم، سيجعل الأولوية لهم في عملية الاستحواذ.
ويقول الاقتصادي في شركة “كابيتال إيكونوميكس” جيمس سوانستون إن “الاستثمارات الخليجية في مصر خلال العام الماضي ساعدت على التخفيف من حدة بعض مخاوف مصر التمويلية الفورية، قبل تأمين المزيد من صندوق النقد الدولي”.
وتراجعت قيمة العملة المصرية في العام الماضي وسط ظروف اقتصادية صعبة، ويبلغ سعر الدولار حاليا نحو 30 جنيها مقابل 15.6 في مارس 2022، ما ساهم في ارتفاع معدل التضخم السنوي العام إلى 26.5 في المئة، في بلد يستورد غالبية احتياجاته من الخارج.
وتزامنا مع خطة حكومية “لبيع أصول مملوكة للدولة” من أجل المساهمة في سد الفجوة التمويلية التي تبلغ حوالي 17 مليار دولار على مدى السنوات الأربع القادمة، بحسب تقرير حديث لصندوق النقد الدولي، كانت للخليج حصة الأسد فيما تم من استحواذات داخل السوق المصرية على مدار العام الماضي.
ورصدت شركة “أنتربرايز فنتشرز” المصرية لإعداد وتطوير المحتوى الإلكتروني، في تقرير لها نشر في ديسمبر، 66 استحواذا تمت في السوق المصرية عام 2022. وهذا أكثر من ضعف الصفقات المنفذة في العام السابق له.
وأتى على رأس المستحوذين صندوق الثروة السيادية في أبوظبي (القابضة أيه دي كيو) وصندوق الاستثمارات العامة السعودي اللذان أبرما 40 صفقة بضخ نحو 3.1 مليار دولار “للاستحواذ على حصص أقلية كبيرة في بعض أقوى الشركات المدرجة في البورصة المصرية من الحكومة”، بحسب تقرير أنتربرايز.
ومن بين أبرز صفقات الصندوقين قيامهما معا بشراء ما يقرب من نصف أكبر شركتين للأسمدة في مصر وهما أبوقير للأسمدة (41.5 في المئة) وشركة مصر لإنتاج الأسمدة (45 في المئة).
كما أصبحت أيه دي كيو أكبر مساهم مستقل في البنك التجاري الدولي، أكبر مصارف القطاع الخاص في مصر، بنسبة 17.5 في المئة وبقيمة 911.5 مليون دولار، فيما امتلك الصندوق السعودي حصة 25 في المئة في شركة إي فاينانس الحكومية للحلول الرقمية.
ويقول المحلل الاقتصادي لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والمقيم بلندن علي متولي إن “ما يحدث يتماشى مع الإستراتيجية المقررة في مصر ودول الخليج بزيادة نسبة مشاركة القطاع الخاص في اقتصادياتها”.
وأكد أن هذه الاستحواذات “تدعم الدخل غير النفطي الذي تسعى بلدان الخليج جميعها إلى زيادته”.
وفي المقابل تحاول الحكومة المصرية تقديم تسهيلات للمستثمرين الخليجيين من أجل دفع عملية تدفق النقد الأجنبي داخل البلاد.
وفي نهاية العام الماضي وافق مجلس الوزراء، بحسب بيان رسمي، على طلب أحد المستثمرين الخليجيين بشراء “أراض لغرض نشاط استثماري عمراني… على أن يتم الشراء بالدولار من الخارج، وأن تتم الموافقة على الحالات المشابهة”.
واعتادت بلدان الخليج على تقديم يد العون إلى مصر في أوقات الأزمات عبر منح نقدية أو ودائع لدى البنك المركزي المصري لدعم احتياطي النقد الأجنبي.
وهذا الأسبوع استضافت دبي القمة العالمية للحكومات وشارك فيها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الذي أكد خلال الجلسة الرئيسية على دور بلدان الخليج في مساعدة مصر.
وقال “لولا وقوف الأشقاء في الإمارات والسعودية والكويت، لما تجاوزت مصر ما كانت تمر به”، مشيرا إلى الفترة ما بين 2011 و2013.
وأوضح السيسي خلال القمة أن “دولة مثل مصر تحتاج إلى تريليون دولار سنويا.. هل هذا المبلغ متاح؟ لا.. هل نصفه أو ربعه متاح؟ لا، لأن لكل دولة ظروفها”.
ويسجل الاحتياطي لدى القاهرة أكثر من 34 مليار دولار، من بينها 28 مليار دولار ودائع من دول الخليج. لكن ديون مصر الخارجية تضاعفت بأكثر من ثلاث مرات في العقد الأخير لتصل إلى أكثر من 155 مليار دولار.
وبدأت بلدان الخليج في تبني سياسة أخرى لتقديم الدعم النقدي للحلفاء، وكان وزير المالية السعودي محمد الجدعان قد قال مؤخرا، في تصريحات بثتها قناة العربية خلال مؤتمر دافوس الاقتصادي، “غيّرنا طريقة تقديم المساعدات”.
وتابع “كنا نقدم منحًا مباشرة وودائع بلا شروط.. الآن نريد أن نرى إصلاحات”.
ويقول متولي إن بلدان الخليج “تركز على الالتزام المالي وكفاءة الإنفاق وترشيد الاستهلاك بعد أزمتي أسعار النفط في 2015 و2022”.
وفي الأسبوع الماضي أعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، في تصريحات للصحافيين، أسماء 32 شركة عامة وأصول سيتم طرحها في البورصة من بينها ثلاثة مصارف وشركتان تابعتان للجيش.
وكانت هذه هي خطة الحكومة المصرية التي كان من المقرر تنفيذها قبل نهاية العام الماضي.
ويرى الخبير في مركز كارنيغي للدراسات في الشرق الأوسط يزيد صايغ أن “الغياب التام للشفافية المالية للشركات العسكرية يمنع طرحها في الأسواق، لا من خلال البورصة ولا حتى عبر صندوق الثروة”.
وضرب صايغ مثلا شركة “الوطنية” للمواد البترولية التابعة للجيش والتي أبدت شركة أدنوك الإماراتية رغبتها في الاستحواذ عليها عام 2021، وقال “بات من الواضح أن الإمارات قد تراجعت عن فكرة شراء حصة في شركة الوطنية العسكرية، بدليل أنها اشترت بديلا عن ذلك حصة في شركة توتال مصر”.
وتابع “يبدو أن المعوّقات تعلّقت بطبيعة الإدارة المالية الداخلية لهذه الشركة العسكرية، والتي تجعل من الصعب على أي مستثمر جاد أن يغامر برأسماله”.
ومع بداية العام الجاري تتواصل المساعي الخليجية لامتلاك كيانات مصرية في قطاعات مختلفة، ولعل أحدث هذه الخطط تفاوض صندوق الاستثمارات السعودي للاستحواذ الكامل على المصرف المتحد الذي يمتلكه البنك المركزي المصري، أحد المصارف الثلاثة التي من المقرر أن يتم طرح أسهمها في البورصة.
ويعتقد سوانستون أنه “بالنظر إلى تصريحات مدبولي حول الـ32 شركة، يُتوقع أن يكون هناك المزيد من الجدية من قبل السلطات هذه المرة في (ملف) الخصخصة، وأن تكون سبّاقة إلى الصفقات”.